اشتريت قنينة كولا مقابل 6 يوان ثم خرجنا من المتحف حوالي الساعة الثالثة وأربعون دقيقة بعد جولة رهيبة بين المجسمات والمعلومات. وجهتنا التالية مجمع سوق اللؤلؤ الشهير، والذي يبعد عن المتحف ثلاث كيلومترات، حوالي نصف ساعة مشيا، لكننا هذه المرة قررنا الاستعانة مجددا بالباص العمومي. بعد خروجنا وعلى اليمين من بوابة المتحف كانت محطة مركزية صغيرة للباصات على طرف الشارع، وعدد من الباصات تصطف أمامها، ذهبنا إلى مجموعة من الموظفين كانوا يجلسون أمام المحطة، أخرجت جوالي كالعادة وأريتهم اسم المجمع بالأحرف الصينية، لكنهم على ما يبدو لم يفهموا مطلبي، حاولوا قول شيء بعد أن استشاروا بعضهم البعض لكنني لم أفهم شيئا، وبالنهاية رأيت أن المساعدة لن تأتي منهم، فقررت أن نسير إلى المفرق القريب ونقف في أول محطة باصات نصادفها في الشارع الذي يؤدي بخط مستقيم إلى المجمع، وبالفعل مشينا حوالي خمس دقائق حتى وصلنا المحطة وكانت فارغة من المسافرين، انتظرنا حتى وصل أحد الباصات فدخلت وأريت السائق مباشرة اسم المجمع فحرك رأسه مبتسما ومؤكدا أنه في طريقه إلى هناك، فدفعنا سعر التذكرتين 4 يوان ثم جلسنا، وبعد دقائق معدودة نادى علينا السائق أن ننزل في المحطة التي توقف بها، وأشار لنا إلى المجمع على الطرف الآخر من الشارع، كما أشار إلى جسر يمر من فوق الشارع لنسلكه.

السوق ضخمة جدا مكونة من عدة طوابق، كل منها مخصص لنوع معين من الأغراض، منها للملابس، أخرى للأدوات الالكترونية، واحد منها للمجوهرات وهكذا. كانت الساعة الرابعة تقريبا حين دخلنا السوق، أعداد كبيرة من البشر تصول وتجول، أصوات الباعة تتعالى تعرض بضاعتها، وبدأت هنا رحلتنا مع المشتريات. لا بد من المفاصلة بالأسعار، فدائما ما يعرضون بضاعتهم بأسعار مرتفعة، ثم يبدأون شيئا فشيئا بخفضها حتى تجد أن سعر الغرض الواحد قد ينقص أكثر من ثلاث أرباع السعر الأولي. ولا تخف من المجادلة أو تخجل، فهذه أسس التجارة في الصين، حتى تحصل على السعر الذي تريده لا بد لك من المفاصلة دقائق طوال.

صعدتُ المترو عائدا إلى المحطة الأولى، نزلت مسرعا أركض باحثا عنها على طول الرصيف، مستحيل، لا أثر لها، إلى أين ذهبت، أخرجتُ جوالي، فتحت تطبيق الترجمة، كتبت "زوجة"، أريتها للموظف وأنا أشير له بإصبعي إلى صدري أتمنى أن يفهم قصدي، "هل رأيتَ زوجتي؟" قلت له، بحثتُ عن صورة لها في جوالي، أريتها للموظف، لا فائدة، لا يدري عن ماذا أتحدث، يحرك رأسه نافيا، جن جنوني تماما. قفزت في أول مترو وصل المحطة لأذهب مجددا إلى المحطة التالية التي كنت فيها قبل قليل، ربما وصلتْ إليها الآن، توقف في المحطة التالية، قفزت مسرعا وأنا أركض إلى يمين الرصيف، وصلت نهايته، ركضت في الجهة المعاكسة، لا أثر لها، قفزت مجددا داخل ذات المترو لأكمل الطريق معه، مُؤَكدٌ أنها في إحدى المحطات التالية، وهكذا نزلت في التالية والتي تليها دون فائدة، لا أثر لها.

أنا الآن على بعد أربع محطات عن محطتنا الأولى، يجب أن أعود مجددا إلى المحطات السابقة، من غير المعقول أن تكون قد ابتعدت كثيرا، كما أنني كنت قد أبلغتها قبل وصولنا للمحطة بأن السوق تبعد عنا أربع محطات فقط، وأخبرتها كذلك باسم السوق، ربما تذكرتها. صعدتُ إلى المترو العائد إلى المحطات السابقة، توقف في المحطة الأولى، نزلت أبحث عنها، لم أجدها، قفزت مجددا إلى المترو، نزلت في المحطة الثانية، لم أجدها، قفزت مرة أخرى إلى المترو، وأثناء انطلاقه لمحتها تقف ما بين الأعمدة تتلفت يمينا ويسارا وعلى وجهها ملامح الخوف، لصقتُ وجهي في زجاج الشباك علها تراني، للأسف لم ترني، نزلت مسرعا في المحطة الثالثة لأصعد المترو في الخط العكسي كي أعود إليها، وقفت أمام الرصيف أنتظر وصوله وأنا أُصلي ورأسي مرفوعة إلى السماء أرجو الله أن تبقى مكانها وأن لا تتحرك، وصل المترو، قفزت إليه مسرعا، دقيقتين فقط تفصلني عنها، وصل إلى المحطة التالية، نزلت بسرعة أنظر يمينا لم أرها، أنظر يسارا لم أرها، عندها شعرت باليأس والاحباط الذي لم أشعر به طيلة حياتي، وبهذه اللحظة العصيبة وعندما وضعت قدمي داخل المترو أَهُمُّ بالصعود، طَلَّتْ برأسها من وراء أحد المسافرين، هل هذه هي؟!، إنني أهذي، أدقق النظر، إنها هي فعلا، فتحت يداي وأنا أركض باتجاهها، لمحتني، وهي كذلك لم تصدق ما تراه، أخذتْ تجري نحوي، النهاية.

بعد لحظات أحتفظ بتفاصيلها لنفسي، جلسنا على الدرجات بجوار الرصيف، جسدي منهك لا يقوى على الحراك، ربما التعب أو الخوف، هو الأدرينالين بدأ يزول مفعوله، جلسنا هكذا بضع دقائق تخبرني بأنها انتظرتني فترة طويلة في المحطة الأولى، وعندما لم أعد قررت أن تلحق بي، فأخبرتها بأنني انتظرتها بدوري في المحطة التالية وعندما لم تأتي عدت إليها، وهنا تعقدت الحكاية. قلت لها بأنه إن حصل معنا هذا الموقف مجددا في يوم ما، أن لا تتزحزح من مكانها وسأعود إليها بنفسي. وقلت لها كذلك بأن في نهاية الأمر إن لم نكن لنجد بعضنا البعض، كان بإمكانها أخذ سيارة أجرة والعودة إلى الفندق، خصوصا أن النقود معها، وأنا لم أحمل حينها نقودا بتاتا، فتفاجأتُ عندما أخبرتني أن هنالك بعض النقود كنا قد وضعناها داخل حقيبتي بالأمس، لكن يبدو أنني نسيت ذلك تماما، ففي هذه المواقف العصيبة لا يتذكر المرء شيئا وتختلط عليه الأمور.

وقفنا بعد ذلك أمام الرصيف ننتظر المترو، وكنا قد اتفقنا منذ تلك اللحظة أن لا ندخله إلا سوية يدا بيد. نزلنا في محطة Panjiayuan وكانت الساعة حينها السابعة مساء تقريبا، بعد حوالي ساعة ونصف قضينها في محطات المترو. ذهبنا إلى بوابة السوق الشعبية Panjiayuan فوجدناها مغلقة كما هو متوقع، فقررنا عندها الذهاب لتناول طعام العشاء، فبعد هذه القصة الدرامية لا بد من بعض الفيتامينات. أخرجت جوالي وفتحت تطبيق الخرائط وبحثت عن فرع لماكدونالدز أو KFC بالقرب منا، وبالفعل وجدت فرعا لماكدونالدز على الطرف الآخر من الشارع، يبعد عنا دقائق قليلة، تناولنا فيه طعامنا مقابل 53 يوان، وجلسنا فيه أكثر من ساعة، ثم اشترينا كوبين من البوظة مقابل 10 يوان لنطفئ بها ظمأنا. وُجهتنا التالية حديقة لونغتان Longtan Park والتي تبعد عنا أقل من كيلومتر واحد مشيا، حوالي ربع ساعة، فذهبنا باتجاهها.