بسم الله الرحمن الرحيم ....
الحزء الثالث
عندما وصلت أخيراً لغرفتي بعد منتصف الليل كنت قد إستهلكت كل ما لدي من طاقة
بالكاد إرتديت بيجامتي ووضعت الجوال على الشاحن ليكون جاهزاً لعبثي به غداً
إستيقطت بعد الساعة العاشرة بقليل وأسرعت لجوالي حتى قبل أن أغسل وجههي
أدخلت الشريحة و فعلت الخدمة وإتصلت بنور وطلبت منها أن تسرع لمنزلنا وتعلمني كيفية إستخدامه
لطالما كنت قليلة الصبر ومتسرعة في قراراتي
يبدو إنني أقتنعت بكلام والدتي عني أخيراً
قضينا معظم اليوم في غرفتي بين دروس البلاك بيري وبين الترتيب لسفرة العمر لباريس بعد شهر
تحدثنا عما سنتشريه من أسواق فرنسا للجامعة من حقائب وملابس و أحذية
بعد العصر خرجنا للصالة حيث كانت والدتي فجلسنا معها نخبرها بخططنا
أحسست بأن والدتي تريد إخبارنا شيئاً لكنها مترددة
أعرف والدتي وأعرف كيف تتغير ملامحها وكيف تتمتم بالكلمات عندما تريد إخباري شئياً مزعجاً فسبقتها بالسؤال: هل تغير شيء في خططنا؟
قالت والدتي بعد أن اخذت نفساً عميقاً وكأنها تهيء نفسها لعاصفة الاحتجاج التي تعلم أنها آتية لا محالة: حقاً لا أعلم كيف أخبركم لكن عليكم أن تقدروا الظروف التي تمر بها عائلتنا الآن
سألت نور: مالذي تقصدينه يا خالتي؟
أجابت والدتي: عودة العم أحمد أربكتنا وأربكت كل خططنا وقطعاً لا يمكننا أن نسافر قبل أن نتأكد بأن كل الآمور على ما يرام خصوصاً مع جدكما و مع الشركة
من العيب أن نسافر قبل أن نتأكد أنهم إستقروا مرة أخرى ودعونا لا ننسى غياب الخالة سلوى
بكل تأكيد يحتاج العم أحمد لوجودنا معه
وليلى و تمارا يحتاجون لكم
كل شيء جديد ومختلف بالنسبة لهم
المنزل و الناس والجو والعادات وحتى الطعام
لا يمكننا أبداً تركهم في هكذا وضع والسفر للسياحة
ألا توافقانني الرأي؟
حاولت أن أجمع في عقلي أفكاراً للإعتراض لكن لم يمكن بإمكاني الرد على حجج والدتي وعلى الرغم أنني أجد أنه من غير المقبول أن نخسر سفرتنا لأنهم قرروا العودة الآن لكني في الواقع أعلم بأنه لا يمكننا أن نتركهم كذلك فنحن كل ما لهم هنا
هذه بداية سيئة لصيف توقعته الاجمل
يبدو أن كل خططنا ستمنى بالفشل
ويبدو أن لن أحب عودة عمي أحمد وأبنائه
عادت نور لمنزلها وعدت أنا لغرفتي أجر خيبتي على أحلامي بصيف مذهل
لن أرضى بسهولة
على والدي أن يعوضانني بقبولهم كل ما أطلب وإلا سأعلن الحرب
أخذت ورقة و قلم وبدأت التخطيط:
قضاء الجزء الأكبر من الإجازة مع نور إما في التسوق أو في منزلهم
التسوق مرة أخرى
حفلات كثيرة للصديقات
حفلات في المزرعة
وحفلات في الشاليه
دروس السياقة (سيارتي الجديدة في إنتظاري)
وسأبذل كل ما وسعي لأتجاهل ليلى المغرورة واخوانها
علقت خطتي على الجدار بالقرب من النافذة وشاهدت والدي عائدا من عمله فأسرعت خارجة لأقابله في الصالة
رسمت على وجهي ملامح الطفلة المسكينه التي انكسرت لعبتها وحاولت بكل جهد عصر دمعة من عيني وإقتربت منه: أبي لقد تحطمت كل أحلامي
حضنني والدي وكأنه يحميني من شرور الدنيا: ماذا بك!
أجبته بصوت مكسور: أنت تعرف كم إنتظرت هذا الصيف بكل لهفة وكم درست بمجهود كبير لأحقق المعدل العالي الذي تتوقعه مني وبماذا أكافأ
فهم والدي ما أقصد فجلس على الصوفا وأجلسني بقربه: لا يعجبني تغيير خططك التي إنتظرتها طويلا كما لا يعجبك ذلك لكني أثق بأنك كبرتي الآن وفهمتي بأن الحياة مسؤوليات وواجبات قبل أن تكون لعب ولهو وقبل أن تقاطعيني بأن لا عدل في ما أقول
اجيبك أن الحياة لا تكون عادلة دوما وﻻ يمكننا أن نحصل على كل ما نريد فيها مهما ملكنا من ثروة وجاه
الثروة الحقيقية هي العائلة وأنتي أكبر ثرواتي وإستثماراتي
كيف يمكنني أن أعيد لهذا الوجه الملائكي نوره وإبتسامته
إبتسمت فقد فهم والدي ما أريد بالضبط: حسنا
أريد قضاء نهاية الأسبوع في المزرعة ولا تسترح كثيراً فهذه البداية فقط
ضحك والدي: إنصدمت من قناعتك لكن عندما أكملتي جملتك عدت للواقع
لك ما أردت يا غاليتي سأرتب كل شئ لنهاية أسبوع جميلة والآن هل تعتقيني لأرتاح
قبلته على رأسه وأسرعت عائدة لغرفتي لأخبر نور
كتبت لها: نهاية أسبوع في المزرعة
جهزي ملابس السباحة وأفلام الرعب للسهرات
أجابت نور: خطة ممتازة
هل الأعداء قادمون
تذكرتهم: لا أدري و لا أتمنى
لقد نسيت أن أطلب من والدي أن لا يخبرهم
سأخبره وأعود
أسرعت لغرفة والدي كالبرق وقبل أن أطرق الباب سمعت والدي يكلم جدي في الهاتف: فرصة جيدة ليتعرف الأولاد على بعضهم البعض و ينسجموا
أتمنى أن يعودوا أصدقاء كما كانوا في أطفالا
لم فعلت هذا يا والدي
ضاعت أول خطة وتدمرت أول نهاية أسبوع
عدت لغرفتي وكتبت لنور: لقد اخبر جدي بالرحلة
انهم يتمنون لو نعود اصدقاء
لن أذهب
قالت نور: لا يمكننا ألا نذهب
لقد غيروا خطط صيفنا بأكمله لنساعدهم على التأقلم
كتبت: أي مساعدة متوقعة مني وأنا أود لو يعودون من البلاد اللتي أتوا منها
أجابت نور بهدوئها المعتاد: وذلك غير ممكن لأنهم باقون
وأهلنا يريدون منا أن نعود أصدقاء وطبعا لا يمكننا أن نرفض لان سنضطر لمواجهه العائلة كلها
سنذهب للمزرعة ولكل مناسبة أخرى قادمة ونتحملهم قليلا
لكننا في كل مرة نريهم بأنهم أشخاص غير مرغوب فيهم بحيث يكرهون مشاركتنا رحلاتنا
وهكذا نكون نحن المتعاونين وهم الرافضين ونضرب عصفورين بحجر واحد
سكت أفكر بما قالت ثم كتبت لها: ذكريني نور ألا أتشاجر معك يوما
لك عقل مدبر وأفكار خطيرة
ولو قتلتي أحدا يوما بإمكانك أن تلبسي الجريمة على المقتول نفسه وتكوني أنت الضحية
أرسلت لي نور ضحكة إلكترونية وإستأذنت
إستلقيت على السرير أفكر كيف سأكون بغيضة لأقصى الحدود وكيف سأرد لليلى تكبرها و أريها بأنها ليست أحسن مني في شئ
مرت بقية الأسبوع ببطء فلم اود أن أخطط شيئا آخر وأضطر لمشاركتهم في خططي
كنا آخر الواصلين للمزرعة لأن أبي تأخر في إجتماع مهم وعندما دخلنا كانوا جميعا متحلقين حول جدتي التي كعادتها تقص عليهم إحدى قصصها اللتي لا تنتهي
ألقينا التحية من بعيد لكي لا نقاطع قصة جدتي وعندما اتجهت للغرفة التي نتشاركها انا ونور في العادة وجدت السريرين مشغولين فخرجت غاضبة ووقفت في منتصف الصالة: من وضع أغراضه على سريري
وقفت عمتي أمل وإقتربت مني وقالت لي بصوت أقرب للهمس: لقد فكرت أنه من الافضل ان تشارك ليلى ونور الغرفة هذه المرة
أعتقد أنها فرصة جميلة لتتوطد العلاقات
خصصنا لكي ولتمارا غرفة في الطابق الارضي
أحسست بالدماء تندفع إلى وجهي وتجمعت الكلمات الغاضبة على لساني لكني شاهدت نور تقترب وعلى وجهها ملامح خائفة فهي تعرف أين من الممكن أن يصل بي الغضب
تركت الصالة وخرجت مسرعة وتبعتني نور
حاولت أن تحضنني لكني أحسست بأنها خانتني لأنها وافقت على هذه الترتيب السخيف: أرجوك نور
دعيني لوحدي الآن
أحتاج لوقت لأهدأ و سأدخل سريعا
حاولت أن تتكلم لكنني أعطيتها ظهري وسمعتها تعود للداخل
كان بودي أن أصرخ لكني كنت متأكدة بأنهم سيسمعونني
لم أعرف ما العمل او بم أفكر
وبدأت أسير و أسير دون أن أعلم إلى أين أتجه
وجدت نفسي وقد وصلت لإسطبل الخيول
إنها فرصة لأصفي ذهني بنزهة على ظهر ماريا فرسي الاصيلة
تلفت لأتأكد من خلو المكان ثم خلعت عبائتي وأخرجت ماريا وصعدت ظهرها
شددت غطاء رأسي لأتأكد من أن الريح لن تحركه ثم ضربت بطرف قدمي على ماريا التي إنطلقت مسرعة
أحسست بالهواء المندفع على وجهي يخفف من حدة غضبي
دخلت بين أشجار النخيل ولم يكن هناك أي ضوء سوى نور القمر
شددت على سرج ماريا لتخفف من سرعتها
أحتاج لكل دقيقة أقضيها وحدي قبل أن أعود لبيت المزرعة
فقدت إحساسي بالوقت وعندما تفقدت ساعتي كان قد مر أكثر من نصف ساعة منذ أن خرجت
لابد من أني أثرت قلقهم الآن ولو علموا أني أخرجت ماريا في هذا الوقت فسأتعرض للعقاب بكل تأكيد
إخترت الطريق المختصرة بالقرب من سور المزرعة مرورا بالمدخل الرئيسي لأصل في أسرع وقت ممكن وعندما إقتربت من المدخل دخلت سيارة صفراء مسرعة بتهور مثيرة للاتربة حولنا ومصدرة أصواتا قوية مما أثار رعب ماريا التي بدأت بالركض دون أن أتمكن من السيطرة عليها
حاولت أن أشد سرجها لتخفف من سرعتها دون فائدة وأحسست بأني أفقد السيطرة عليها و قد أسقط في أي لحظة
لم يكن أمامي خيار آخر سوى أن أصرخ طلبا للنجدة حتى ولو سمعوني وتعرضت للعقاب
صرخت بأعلى صوتي: النجدة
إني أفقد السيطرة على ماريا
سمعت صوتا لاهثا خلفي: لا تخافي
تمسكي بالسرج بقوة وحاولي شده لتتوقف
صرخت: إني أشده لكنها لا تستجيب
وإلتفت خلفي وشاهدت محمد يركض والسيارة الصفراء خلفه وبابها مفتوح
هو المعتوه الذي اعتقد نفسه في حلبة سباق
قربت رأسي من رأس ماريا وحاولت أن أسمعها صوتي علها تهدأ وهنا خرج والدي من بين الشجيرات ووقف أمامنا فرفعت ماريا قوائمها الامامية وسقطت من عليها على ظهري
أحسست برأسي يصطدم بشيء صلب
ثم ظلام وهدوء
و للكلام بقية