X سُعداء بتواجدكم بيننا ونتمنى لكم قضاء وقت ممتع ، نأمل منكم زيارة صفحة شروط الإستخدام ، تفضلوا مشكورين بالتسجيل*** اضغط هنا *** لإثراء الجميع بخبراتكم السياحية
Loading...



عدد المعجبين10الاعجاب
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 31-10-2015, 02:22 AM   #1

حيث يعمل المبدعون

الصورة الرمزية فريق التطوير
 
تاريخ التسجيل :  Jan 2015
رقم العضوية : 1046
الجنس : ذكر
المشاركات : 685



افتراضي امريكا الجنوبية على الدراجة الهوائية بقلم عاشق الدراجة




العرب المسافرون

بوابة السفر الى
امريكا اللاتينية LATIN AMERICA



عنوان التقرير
امريكا الجنوبية على الدراجة الهوائية



يسعد أيامكم


سأشرع بنشر تقرير حول رحلة على الدراجة الهوائية قمت بها السنة الماضية عبر الشيلي و الأرجنتين

الجزء الأول


الفكرة


ما زلت أتذكر ذلك اليوم حين حطت بي الطائرة في مطار بوينوص أيرص لأول مرة. كان ذلك في 6 يناير 1999. وكانت أول مغامرة لاستكشاف أمريكا الجنوبية. سحرتني مميزات تلك البلاد من جمال طبيعتها، كرم سكانها وتعدد ثقافاتها وتقاليدها فأصبحت منذ ذلك الوقت الوجهة المميزة لقضاء إجازاتي. ونظرا لانعكاس الفصول بين النصف الشمالي والنصف الجنوبي من الكرة الأرضية، حيث أن فصل الشتاء في النصف الشمالي يوازيه فصل الصيف في النصف الجنوبي، فإنها أصبحت ملجئي المفضل للهروب من برد أروبا
منذ ذلك الحين كان لي لقاءآت متعددة مع أمريكا الجنوبية، لم تقتصر على السياحة فقط بل أنها شملت بحوثا ميدانية قمت بها أثناء دراستي بمعهد الدراسات الجنوب أمريكية في أمستردام
كنت كل مرة أجوب فيها تلك البلاد وأنتقل من مكان إلى آخر راكبا الحافلة أستاء نوعا ما من سرعة وتيرة السفر، وذلك أن كل شبر من الأماكن التي نمر بها تستحق وقفة قصيرة أو طويلة للإستمتاع بمميزاتها الطبيعية. أفضل هواياتي هي ركوب الدراجة الهوائية. لذلك فكرت يوما: لمالا أسافر إلى هناك بدراجتي وأقوم برحلة بطيئة ؟ في ذلك الحين ولدت الفكرة ولم يمض وقت طويل إلا وقد تمخظت الفكرة عن مشروع مدروس بكل تفاصيله، وبدأت الإستعدادات

رحلات الدراجة الهوائية

تعرفت على الدراجة الهوائية مباشرة بعد قدومي للإقامة في هولندة في التسعينيات من القرن الماضي. في البداية كنت أستعملها للتنقلات اليومية. إلا أنها سرعان ما تحولت إلى وسيلة للقيام بجولات ترفيهية خارج المدينة، خاصة في فصل الصيف حينما يكون الجوجميلا وتكون الطبيعة في أرقى حلتها. وكنت كل مرة أكتشف المزيد من المزايا التي يمتاز بها ركوب الدراجة الهوائية. فأية رحلة بالدراجة الهوائية تعتبرنزهة ورياضة في آنواحد. التنزه بالدراجة الهوائية له نكهة خاصة. الدراجة تجعلك تحس بالإنسجام مع المحيط الذي تتجول فيه وكأنك جزء منه. بإمكانك التوقف بكل سهولة عند كل صغيرة وكبيرة. ثم أن التجول بالدراجة يجعلك تتفادى كل مناطق الإزدحام والقلق، وتقوم بجولتك والأعصاب هادئة. أما من الناحية الجسمية، فإنك تحس في نهاية المطاف بالرضى عن لياقتك البدنية.
بعد الجولات الصغيرة، بدأت تستهويني المغامرة في رحلات طويلة فانطلقت في رحلات الآلاف كيلومتر. تتوفر أروبا على شبكة كثيفة من الطرق الخاصة بالدراجات الهوائية. وهناك طرق معروفة تمتد من الشمال إلى الجنوب ومن الغرب إلى الشرق تخترق عدة بلدان ولها شعبية كبيرة. وكانت اول تجربتي بهذه الطرق رحلة قمت بها عبر طريق الراين، وهو طريق يمر على ضفاف نهر الراين وينطلق من هولندة، يمر على ألمانيا وينتهي في سويسرا.

التخطيط والإستعداد

خريطة الطريق
بعد أن ولدت الفكرة وجدت نفسي أمام عدة خيارات: ما هي الدولة أو الدول التي ستكون مسرحا لرحلتي؟ الإختيار لم يكن سهلا. كل دول أمريكا الجنوبية تسحرني وكل واحدة لها خصاصيات منفردة. كانت مدة إجازتي ثلاثة أشهر. ولذلك كان علي أن أحسم في إقليم معين. والخيارات كانت على النحو التالي: 1 المكسيك و أمريكا الوسطى. 2 فنيزويلا، كولومبيا والإكوادور.3 الإكوادور، البيرو وبوليفيا. 4 الشيلي والأرجنتين. وأخيراوصلت إلى حل مرضي، وهو أن أبدأ في الجنوب، أي الأرجنتين والشيلي، وأتجه نحوالمكسيك في مراحل. وهذه ستكون المرحلة الأولى، وستتبع في السنوات القادمة بمراحلأخرى.

أثناء التخطيط لهذه المرحلة كان عندي محددين إثنين. أن تكون نقطة البداية هي مدينة أوشوايا في الأرجنتين، وأن تمر الرحلة عبر الطريق الجنوبي في الشيلي. فأوشوايا لها جاذبية خاصة كأقصى مدينة جنوبية على اليابسة. وهو مقصد مشهور عند هواة الدراجة الهوائية. كثيرون يبدؤون في أماكن متفرقة كل واحد حسب سعة جيبه ووقته ولكن المقصد يبقى دائما أوشوايا. أما الطريق الجنوبي في الشيلي فهي أيضا مشهورة عند الدراجين، وهي تعتبرذروة المغامرة. طوله 1250 كلم، منها 1000 كلم غيرمعبد. وتمتاز بطبيعته العذرية حيث آثار الإنسان قليلة جدا فطريقي يبدأ إذن في أوشوايا بالأرجنتين، ويتجه نحو الشمال الغربي ليلتقي بالطريق الجنوبي (الشيلي)، وهذه المرحلة أسميها مرحلة الرياح العاتية والقفار. اماالطريق الجنوبية بالذات فإنه يمكن تسميتها بمرحلة الأمطار والغابات الدائمة الإخضرار. ثم يعود الطريق من جديد إلى الأرجنتين ليصل إلى صان مارتن عبر طريق البحيرات السبع، الذي هو أيضا طريق جميل من حيث المناظر الطبيعية. وهنا تبدأ مرحلة الشمس الحارقة. هذه الرحلة إذن مغازلة للطبيعة وتحدي لها في آن واحد.
أما نقطة النهاية فلم تكن معروفة أثناء التخطيط. كان الحد الأدنى التقديري هومدينة صان مارتين على بعد نحو 3500 كلم عن نقطة الإنطلاق. وهناك كان سيبدأ تخطيط جديد حسب الوقت الذي سيتبقى لي. نظريا رشحت عدة مدن أخرى لتكون خط النهاية كميندوصا و صان خوان في شرق ووسط الأرجنتين أو بهواخو وخونين في إقليم بوينوص أيرص. كل شيء يتعلق بالحالة الصحية وتقلبات الطقس وتنوع التضاريس، وهي العوامل التي تحدد وتيرة التقدم في مثل هذه الرحلات.

معدات السفر
أما من ناحية المعدات، فالأسئلة التي كانت تواجهني هي: ما نوع الدراجة؟ ماذا عن الخيمة؟ كيس وحصيرة النوم؟ اللباس؟ أدوات المطبخ؟ الإلكترونيات من جهاز ملاحة وموسيقى ؟ قطع الغيار للدراجة؟ أدوات الإصلاح؟ فأنت في مثل هذه الرحلات تقضي وقتا طويلا في اماكن غير معمورة، حيث الإعتماد على النفس هي الطريقة الوحيدة لحل المشاكل. وفي المقابل هناك حد طبيعي لما يمكن أن تحمله معك. فأنت لا تسافر في سيارة ذات الدفع الرباعي بل على الدراجة الهوائية ولايمكن أن تحمل أكثر من طاقة ركبتيك. إذن فخفة الوزن مع الجودة العالية هماالمعياران الأساسيان الذان يجب أن يتوفرا في معدات هذه الرحلة.

فيما يخص الدراجة فالإختيار الرئيسي يكون بين الإطار الحديدي و إطار الألومنيوم. هذا الأخير يمتاز بخفة وزنه، ولكن إذا حدث وأنكسر فإن إصلاحه غير متوفر في كل الأماكن. من الصعب أن يتكسر الإطار، لكن قد يحدث وخاصة تحت ضغط الثقل والطرق السيئة أو نتيجة السقوط. ثم يأتي الخيار الثاني ويخص حجم العجلات: 26 أو 28 إنتش؟ الأولى تمتاز بصلابتها وتحملها للثقل بينما عجلاتها العريضة تعمل على توفير بعض الإستقرار فى الطرق الغير معبدة. أما الثانية فتمتاز بسرعتها على طرق الأسفلت. الخلاصة التي وصلت إليها هي أن للرحلة في أروبا تفضل دراجة الألومنيوم 28 إنتش. فهنا لا تحتاج إلى حمل معدات كثيرة، و في حالة كسر في الإطارفإمكانية تلحيمه متوفرة في كل مكان. أما إذا كنت تنوي السفر إلى أفريقيا، آسيا أوأمريكا الجنوبية فيفضل الحديد الصلب 26 إنتش. من هذه الفئة الأخيرة يوجد عدة أسماء في السوق الأروبية ككوغا - صانتوص - فاررادما نو فاكتور. استقر رأيي على الأخيرة. أما الأكياس فهم من أورتليب ويمتازون بمتانتهم ومقاومتهم للمياه

ثم الخيمة، فهي ستكون منزلي خلال معظم أيام الرحلة، أحيانا سوف لا يكون هناك أي خيار ثاني. إذن يجب أن تكون قادرة على مقاومة الرياح والأمطار. أما كيس وحصيرة النوم فيجب أن يكونا قادران على توفير النوم المريح. فيما يخص المطبخ فهناك مواقد خاصة لمثل هذه الأسفار. تشتغل بمعظم أنواع المحروقات. من الإلكترونيات أخذت معي جهاز ملاحة، آلة تصوير، ناوتبوك، مپ3. رغم أن الطريق لم يكن فيها أي تعقيد فإن جهاز ملاحة مفيد لتحديد الموقع أو لتقدير المسافات. لعل السؤال الذي يطرح الآن هو كيف يمكن شحن هذه الأجهزة في مناطق يقل فيها العمران والكهرباء؟ والجواب هو: دينامو العجلة.فباستعمال محول خاص يمكن شحن هذه الأجهزة الصغيرة بواسطة الطاقة التي يولدها الدينامو.

شيء مهم أيضا هو سلسلة لربط الدراجة، فقد اشتريت واحدة من آخر ابتكارات تكنولوجيا الأمن. إذ أنها تتوفر علي جهاز يتحسس أية حركة تقوم بها الدراجة فيصدر إنذار بقوة 110 دسبل.لكن لا أدري ماذا سوف أعمل إذا أيقظني هذا الجهاز في الخلاء يوما، ورأيت عصابة قد ذهبت بدراجتي. ربما المقصود هو أن أكون حاضرا لوداعها وإلقاء النظرة الأخيرة عليها، وهذا بطبيعة الحال إذا تركوني سالما!
أخيراً وصل اليوم الموعود. في 29ـ12ـ2012 كانت الحقيبة مجهزة والدراجة في صندوقها وأنا في تمام الإستعداد للذهاب إلى المطار. أسئلة كثيرة كانت تشغل بالي أهمها: هل سيتحقق الحلم أو على الأقل الحد الأدنى من الحلم وأصل بسلام إلى صان مارتن أو أبعد؟ هل ستواجهني مصاعب في الطريق؟ وهل أنجح في تجاوزها؟ هل ستتحمل الدراجة كل هذه المسافات بدون أعطاب؟
هذا ما سنتعرف عليه من خلال هذا التقرير الذي أضع بين أيديكم





 

q8ya metnaqlaمعجبون بهذا.
فريق التطوير غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-10-2015, 02:24 AM   #2

حيث يعمل المبدعون

الصورة الرمزية فريق التطوير
 
تاريخ التسجيل :  Jan 2015
رقم العضوية : 1046
الجنس : ذكر
المشاركات : 685



افتراضي


أمريكا الجنوبية على الدراجة الهوائية 1: رحلة بالتصوير البطيء
الحلقة الأولى. إضافة1

- المشروع: البداية في أوصوايا Ushuaia، وخط الوصول مجهول


- محدثكم



ـ الدراجة




- صور تمثل مرحلة الرياح العاتية والقفار






- صور تمثل مرحلة الأمطاروالغابات الدائمة الإخضرار










صور تمثل مرحلة الشمس المحرقة






 

q8ya metnaqlaمعجبون بهذا.
فريق التطوير غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-10-2015, 02:28 AM   #3

حيث يعمل المبدعون

الصورة الرمزية فريق التطوير
 
تاريخ التسجيل :  Jan 2015
رقم العضوية : 1046
الجنس : ذكر
المشاركات : 685



افتراضي


أمريكا الجنوبية على الدراجة الهوائية 1: رحلة بالتصوير البطيء
الحلقة الأولى. إضافة 2


30-12-2012


الوصول إلى بْوِينُوصْ أَيْرِصْ Buenos Aires



بعد رحلة ليلية طويلة حطت بنا الطائرة في مطار بْوِينُوصْ أَيْرِصْ الدولي إِسِيْسَا Buenos Aires Ezeizaوكانت الساعة قد تجاوزت التاسعة والنصف.إنه إحساس جميل أن تخرج من بوابة الطائرة وتجد في استقبالك جوا صيفيا حارا ينسيك على التو البرد القارس الذي كنت تعانيه قبل ساعات قليلة.إن هارحلة سحرية! لقدد خلت يوم أمس إلى الطائرة وأنا ملفوفا في عدة طبقات من الألبسة الشتوية، وهأنذا أخرج منها وعلي قميص واحد فقط. إنه نفس الإحساس الذي انتابني حينما وطأت رجلي هذه الأض لأول مرة: الإحساس بالدفئ والحرية! اتجهت إلى شباك ختم الجوازات، ومنه إلى بهو الأمتعة. سرعان ما ظهرت حقيبتي. أماالدراجة، فقد طال انتظاري لها وبدون جدوى. تقدمت للإستفسار فقيل لي أنها ستأتي إلى الجناح الخاص بالأمتعة ذات الحجم المخالف. قصدت المكان المخصص لذلك فوجدتها في انتظاري. بعدزمن قليل كنت أتمشى في قاعة المطار أدفع العربة وفوقها حقيبتي وصندوق الدراجة العريض . كانت القاعة مزدحمة والضجيج عاليا. كنت أتقدم بصعوبة وما إن رأيت مقهى بجانبي حتى التجأت إليه ، فطلبت قهوة وبعض الفطائر في شكل نصف هلال. مقاهي الأرجنتين لا تخيب أملك، فالقهوة عندهم جيدة. أماالفطائر الهلالية الشكل فهي حلوة لمرافقة قهوة الصباح والعشية.

بعد استراحة قصيرة استأنفت السير واتجهت للخروج وكان من حين لآخر يقترب مني أشخاص وهم يصيحون تاكسي تاكسي تفاوضتمع بعضهم وكان الثمن مرتفعا شيئاً ما.فقصدت الباص، وهو خاص بالرحلات بين المطار والمحطة الرئيسية في وسط المدينة، والثمن كان 70 دولارأقل من التاكسي.كان من الممكن أن أركب دراجتي وأتجه نحو المدينة. لكن لم أتشجع. وصل الباص إلى محطة وسط المدينة، فتفاجأت برفض التاكسيات حمل الدراجة نظرا لكبر حجمها. تركت حقيبتي في المستودع وركبت الدراجة في اتجاه المنزل العائلي الذي سيكون مقر إقامتي خلال الأيام الثلاثة القادمة. كانت الحرارة مرتفعة والأسفلت كان كالجمر. لحسن حظي فقد كانت حركة المرور ضئيلة، وهذا راجع لٱحتفالات رأس السنة حيث أن معظم الناس في عطلة. شخصيا أعتبر أسلوب السياقة في الأرجنتين سيئ وخاصة في المدن الكبرى، وهوموضع قلق كبير لعاشقي الدراجة.وصلت إلى منزل عائلة كِينْتَانَا Quintana بسلامة. هذه هي المرة الثالثة التي أقيم فيها مع هذه العائلة. وجدت في استقبالي نِيلِيNely و پِيپِي Pepe . شربنا القهوة فرجعت مرة أخرى إلى المحطة لاستعادة بقية أمتعتي من المستودع. فيه نوع من العناء بالمقارنة مع تاكسي مباشر من المطار، ولكن لا حرج إذا كانت إجازتك تفوق عن ثلاثة أشهر.

استرخيت لبعض الوقت، وفي المساء قصدت حي پَالِيرْمُو Palermo للقاء بعض الأصدقاء. يتميزهذا الحي بازدحام الحياة الليلية. إذ يوجد به أجمل المقاهي والمطاعم. كذلك تكثر فيه المطاعم الشرقية.من عادة الأرجنتينيين أنهم يأكلون عشائهم في وقت متأخر. وكانت الساعة العاشرة حينما دخلنا إلى مطعم أرميني بحثا عما نأكل.

نظراً لمعرفتي الجيدة للمدينة، فإنني لم أقم بجولة سياحية عبر معالمها.هذا ينطبق على كل رحلتي. حيث سترون فيها قليل من العمران وأثر الإنسان. أما إذا كان هناك طلب لمثل هذه المعلومات، فإنني مستعد لتقديمها عند نهاية التقرير. في بوينوص أيرص، خصصت الوقت المحدود الذي كان في سعتي للقاء الأصدقاء والإستعداد لمواصلة الرحلة إلى أُوصْوَايَا Ushuaia
31-12-2012
احتفالات رأس السنة في فصل الصيف!
ٱستيقظت من نومي متأخراً. وبعد تناول الفطور خرجت لجولة في المركز التجاري بقرب محطة أُونْصِيONCE. كنت أريد شراء كيسا لاستعماله في سفري إلى أُوصْوَايَا.فالحقيبة سأتركها هنا لاستعمالها في رحلة العودة. إذلا يمكن أن أحملها معي على طول سفري. ماإن خرجت من المنزل حتى بدأ المطر ينهمربكثافة و في وقت قصير أصبحت الشوارع كالسيول. وصلت إلى أُونْصِي وكان وقت الظهيرة، ورأيت أن بعض المتاجر تهم بغلق أبوابها. إنه آخر أيام السنة، وأصحاب المتاجر يريدون الإلتحاق بعائلاتهم للإحتفال.اشتريت الكيس ورجعت إلى المنزل. وهناك كانت الحركة تعبر عن يوم العيد. أمابالنسبة لي فإنها أول مرة أحتفل فيها بعيد نهاية السنة في فصل الصيف. كنت متشوقاً للتعرف على أجواء هذا الحفل في مثل هذا الجو. ففي أروپا تكتسي هذه الأيام حلة جميلة، وتختتم بليلة السنة الجديدة بكل ألوانها وسلبياتها طبعاً. لكن البرد القارس يعكر جو هذه الحفلة شيئاً ما، وكنت أتخيل أن الحفلة في بوينوص أيرص ستكون أجمل.
كنت الضيف الأجنبي الوحيد لدى هذه العائلة.عندالظهيرة كانت العائلة مجتمعة حول مائدة الغذاء وكان النقاش حول الإستعدادات طبعا. بالإضافة إلى نِيلِي Nely و پِيپِي Pepe كان هناك أيضاً إبنهم مَارْتِينْ Martinوخطيبته كْرِيسْتِينَا Cristina الذان أتا من مدينة كَاتَامَارْكَا Catamarca في الشمال، وابنتهم فِيكْتُورْيَاVictoria التي تسكن في نفس الحي.في المساء ستلتحق أيضا إبنتهم الثانية صُولْ Sol وزوجها خُولْيُوJulio وأيضا نَاتْشُو Nacho زوج فيكتوريا .
إنتهت الدردشة حول المائدة، فخرجت للذهاب إلى المطار لبعض الإستفسارات حول شروط نقل الدراجة عند شركة الطيران لاَنْ LAN .فٱستأناف الرحلة إلى أُوْصوَايَا لن يكون عبر المطار الدولي إِسِيْسَا بل عبر مطارخوُرْخِي نْيُوبِرِي Jorge Newbery الذي يقع على بعد كيلمترات قليلة عن وسط المدينة. وصلت إلى المطار فاتجهت إلى مكتب لاَنْ، وحصلت على جميع المعلومات ثم عدت أدراجي إلى المنزل. فيمثل هذه الأسفار يجب التأكد من كل التفاصيل في الوقت المناسب حتى لا تقع في حالات محرجة أثناء الرحلة: كيف يجب أن يكون حجم الدراجة؟ وزنها؟ الثمن؟ الدفع بالعملة المحلية أو بالدولار؟
في طريق العودة مررت بوسط المدينة لأتحسس أجواء الإحتفال. كانت الساعة تقترب من الثامنة. لكن استغربت الحالة التي وجدته عليها. كان كل شيء مهجورا! المقاهي القليلة التي كانت ما زالت مفتوحة بدأت تغلق أبوابها، وفي أنفاق الميترو كنت أكاد أكون المسافر الوحيد! ماهذا هو الإحتفال الذي كنت أتخيله! فأمستردام في مثل هذا الوقت تكون في ذروة الصخب!
في المنزل كانت العائلة كلها مجتمعة وكان الجو احتفاليا. نيلي كانت مشغولة بإعداد أكلة العيد، تدخل إلى المطبخ وتخرج وهي في ذروة الإبتهاج ، وبقية أفراد العائلة يتجاذبون أطراف الحديث ويتناقشون في شتى المواضيع. هذا إذن هو احتفال رأس السنة في الأرجنتين. حفل عائلي قبل كل شئ. نعم هناك زيارة الملاهي في الليل، لكن الحياة العامة لم تكن بمثل الصخب الذي تكون عليها أمستردام. بعد منتصف الليل خرجت مع مارتين، خوليو وناتشو لزيارة بعض الجيران، وكان أحدهم يشتغل في إذاعة محلية فما إن سمع أنني سأقوم برحلة عبر الأرجنتين على الدراجة الهوائية حتى أسرع وأخذ جهازالتسجيل فأجرى معي حوارا حول المشروع.

- لقاءفي بوينوص أيرص




1-1-2013

الإستعداد للسفر إلى أُوْصوَايَا
رحلتي إلى أوصوايا ستكون غداعلى الساعة السادسة صباحا، لذلك فأنا اليوم مشغول بترتيب أوامري. ٱرتأيت أن أذهب اليوم بالدراجة إلى المطار لأضعها في الصندوق وأودعها بمستودع الأمتعة لتكون غدا جاهزة للرحلة. كانت حركة المرور ضئيلة لأنه يوم إجازة. والأجمل هو أن هناك طريق خاص بالدراجات يمر على بعد نصف كلم من المنزل ويوصل حتى المطار.هذا تغيير إيجابي لم أكن أحلم به. فالمدينة تتوفر الآن على شبكة متواضعة من الطرق الخاصة بالدراجات الهوائية. أتمنى أن تكبر في المستقبل حتى يكون التنقل بالدراجة آمنا. لذلك فقد وصلت إلى المطار في وقت وجيز.ثم شرعت في العمل لجعل الدراجة تناسب حجم وسعة الصندوق: خفض الكرسي والمقود وجعل هذا الأخير في وضعم وازي للإطار، ثم إخراج الهواء من العجلات فخلع الدواستين، وهو أحيانا يكون أمرامستعصيا ولكنه شرط ضروري. أتممت عملي فوضعت الصندوق فوق العربة واتجهت إلى مكتب لاَنْ. سألت أحد المسؤولين ما إذا كانت كل الشروط مستوفية فأكد لي ذلك و ذكرني بثمن النقل. تركت الدراجة في المستودع وأخذت الباص إلى پَالِيرْمُو للقاء آخر مع الأصدقاء
رجعت إلى المنزل في وقت متأخر.تكلمت إلى مركز التاكسيات فطلبت تاكسي لصباح الغد وشرعت في إعداد أمتعتي. نزلت إلى قاعة الجلوس لأودع العائلة، لكن الجلسة طالت شيئاً ما، وبقينا في الأخيرأنا ومارتين وخطيبته نتجاذب أطراف الحديث حتى سمعنا دق جرس الباب. كانت الساعة تشير إلى الرابعة والربع بالضبط، ولا شك أن هذا هو التاكسي الذي سيوصلني إلى المطار.
2-1-2013
إلى أوْصوَايَا
في المطار كانت الصفوف متقاربة، لذلك ولأن الدراجة عريضة كان من المستحيل علي أن أنظم للصف. تقدمت إلى موظفة فشرحت لها حالتي لكن بلا جدوى، فقد أكدت على ٱلتزام الصف. بدوري أكدت لها أن ذلك شيء مستحيل وأنني سأبقى أنتظر خارج الصف حتى يجدون حلا لحالتي الخاصة. رجعت إلى مكاني ووقفت أنتظر. فيآخر نداء عبر المكروفون تقدمت من جديد لنفس الموظفة وسألتها عما إذا كانوا قد وجدوا حلا. طبعا الإنظمام إلى الصف أصبح الآن مستحيلا ليس فقط بسبب حجم الدراجة بل كذلك لأن المسافرين أمامي يسجلون للرحلة القادمة وسوف لا يصل دوري في الوقت المناسب لرحلتي. طلبت الموظفة من أحد الحراس أن يفتح لي بعض الحواجز فتقدمت للمكتب. وضعت أكياسي والدراجة على الميزان فسلموني فاتورة لأدفع بها ثمن نقل الدراجة في مكتب آخر. كل هذا كان يتطلب وقتا كثيرا والوقت كان يظغط. رجعت إلى الميزان فسلمت لي الموظفة بطاقة الركوب، إلا أنها طلبت مني الإنتظار حتى تتأكد أن الدراجة قد مرت فعلا في سْكَانِيرْ. كانت تشك في ذلك لحجم الصندوق. نظرت من نافذة وراء مكتبها إلى بهو الأمتعة، فعادت وقالت لي لا..فالصندوق لا يمر في سْكَانِير ْوأنا مضطرة لإلغاء رحلتك لأن الطائرة على وشك الإقلاع. فشرعت تناقش ذلك مع زميلها. كانت الصدمة! غضبت فبدأت أشرح لهم كل الإحتياطات التي قمت بها حتى أستوفي جميع الشروط وأتفادى مثلهذه الحالات. فاتصلوا بالمسؤولين عن سكانير، وبعد دقائق حضر أحدهم واصطحبني إلى بهوالأمتعة. قاللي أن الحل الوحيد هو إخراج الدراجة من الصندوق وتمريرها في سكانير لوحدها. لكن كانت محاولة فاشلة. ثم خفضت الكرسي والمقود بعض سنتمترات إضافية، وبعد دفع من جهة وجذب من جهة أخرى نجحت المحاولة. أعدت الدراجة الى الصندوق، وكان الباص ينتظرني لإيصالي إلى الطائرة
دخلت الطائرة وكان الراكبون كلهم في أماكنهم. لاشك أنهم كانوا ينتظرونني. بمجرد دخولي بدأ الإقلاع. دامت الرحلة ثلاثة ساعات ونصف وكانت رحلة هادئة جدا. نزلن افي أوشوايا فٱتجهت إلى بهو الأمتعة. كانت أكياسي هي أول ما خرج. أما الدراجة فانتظرت حتى توقف الحزام وبدون جدوى! فكرت:لعل هناك جناح خاص للأمتعة الكبيرة. وبعدالإسفسار اتضح أن الطائرة لم تحمل أية دراجة! ولكن قيل لي أن هناك رحلة ثانية لنفس الشركة ستصل بعد ساعتين . بصيصمن الأمل. كنت تارة أشرب قهوة وأحيانا أقوم بجولة خارج قاعة المطار. من هناك كنت أنظر أمامي وأستمتع بلوحة طبيعية جميلة عبارة عن جبال شاهقة تكلل قممها الثلوج الأزلية وعند قدمها وبمحاذاة قناة بِيجْلْ Beagle Channel تقبع أُوْصوَايَا، المدينة الساحرة التي تجلب الزوار من كل حد وصوب. بعكس بوينوص أيرص، فالحرارة هنا منخفظة، وهذا أمر بديهي فالمسافة إلى أَنْتَرْكْتِكَا Antarcticaتبلغ 1200كلم. وصلت الرحلة الثانية فقصدت بهو الأمتعة. وبينما كنت أنتظر رأيت أحد العاملين يتقدم نحوي بعربة وفوقها الدراجة! أخرجتها من الصندوق وأعدت كل أجزائها إلى أماكنهم فوضعت عليها الأكياس وركبتها قاصدا المدينة. وصلت إلى الفندق وكنت مرهقا، حيث أن الليلة الماضية لم أنم فيها ولو دقيقة واحدة. بعدالأكل إلتجأت إلى السرير واستسلمت لنوم عميق. استيقظت وكانت الساعة تقترب من منتصف الليل.أكلت مرة أخرى، واستسلمت للنوم مرة أخرى.


- أوصوايا من المطار




- طريق خاص للدراجات من المطار إلى المدينة





3-1-2013

Ushuaia
يوم في أُوْصوَايَا


استيقظت باكرا وذهبت إلى قاعة الأكل لتناول الفطور.كنت من الأوائل، فبدأت دردشة مع العاملين في الفندق حول المدينة ومعالمها. كنت أنظر إلى الحديقة عبر النوافذ الزجاجية وأتسائل عمن يكونا صاحبا الدراجتين اللتين أراهما واقفتان هناك. إنهما من صنف دراجات الرحلات. استفسرت فقيل لي أنهما لزوج سويسري، وصلا هنا منذ بضعة أيام لبداية الرحلة إلى الشمال، لكن إحدى الدراجات أصيبت بعطب أثناء النقل بالطائرة وهما الآن ينتظران أن تصلهم قطع الغيار من أوروپا. يالها من بداية مخيبة ! إنهم سينتظران على الأقل أسبوعين. خرجت إلى الحديقة وبدأت أتصفح الدراجتين فاكتشفت بأحدهما أن البراغي التي تربط رف الأمتعة الخلفي بالإطار قد تكسروا

هذاهو اليوم الوحيد الذي تبقى لي إذن لاستكشاف المدينة ونواحيها.أخذت الدراجة واتجهت غربا عبر الطريق رقم 3في اتجاه المنتزه الوطني أرض النار. ماإن جرجت من المدينة حتى انقطع الأسفلت، وأصبحت الدراجة تتذبذب على الطريق. لكن علي أن أصبر وأتمرن، فهذه الرحلة تتظمن أكثر من 1000 كلم من الطرق الغير معبدة .كانت المناظر جميلة لكن حينما أردت التقاط الصور، اكتشفت أنني نسيت البطارية في جهاز الشحن في الفندق! رجعت من المنتزه عند الظهيرة. وبعداستراحة خرجت لجولة أخرى في المدينة وماحولها. أمافي المساء فكنت أستعد للترحال من جديد. فالمغامرة ستبدأ غدا! التخطيط للمغامرة صعب جدا. فنصيب المجهول كبير جدا.وهذايتطلب أخذ جميع الإحتياطات. تحاول قرائة كل ما ينشر لتكوّن فكرة مفصلة عن الطريق الذي ستسلكه. لكن لا تستطيع التنبأ بكل شيء. فأول تجمع سكني بعد الخروج من أُوْصوَايَا هو تُولْوِينْ Tolhuin، وهي بلدة تقع على بعد 100 كلم.أي مسافة يوم واحد.هذا يعني أن يكون لديك من المأكولات والمشروبات ما يكفي ليوم واحد. لكن إذا حدث وتأخرت في الطريق بسبب الأحوال الجوية أو عطب فإنك ستصبح في مشكل كبير.لذلك يجب دائما أن يكون معك أكثر مما تحتاجه.كذلك يجب أن يكون معك بصفة دائمة احتياطي لحالة الطوارئ، يعني إذا وقع ما لا يحمد عقباه في المناطق النائية. فهذه مغامرة فردية، وبخلاف مغامرات التلفزيون فلا يوجد معي أي طاقم مرافق للتدخل حينما تدعو الضرورة. كذلك فإن هذه المناطق لا يوجد فيها تغطية للتلفون النقال. فحتى إشارات الراديو تنقطع بمجرد الإبتعاد عن المدينة

في المساء ذهبت إلى سوپرماركت supermarket قريب ورجعت بأكياس ثقيلة فيها كل ماسأحتاجه خلال الأيام القليلة التالية. وفي الفندق كنت منهمكا على جوجل Google maps في فحص دقيق للطريق التي سأسافر عبرها في اليوم الموالي






4-4-2013

أُصْوَايَاـ تُولْوِينْ:103 كلم

وأخيرا بدأ الحلم يتحقق! بعدالفطور أعددت وجبة تتكون من دجاج وأرز للطريق، رتبت كل أكياسي ووضعتهم على الدراجة، ودّعت من كان في الفندق واتجهت إلى الطريق رقم 3 في اتجاه الشرق. فكرت: أخيراتخلصت من متاعب السفر بالطائرة واعتنقت الحرية! كم كنت سعيدا وأنا أدفع الدواسة للمرة الأولى هذا اليوم معلنا تدشين هذه الرحلة! لكن سرعان ما بدأ ينتابني القلق. كانت حركة المرور كثيفة والطريق ضيقة والشاحنات كثيرة! كان هذا يسبب لي بعض العصبية والخوف. إلا أنه بمجرد مغادرة محيط المدينة أصبحت حركة المرور تخف. أزدعلى ذلك فجنبات الطريق رغم أنها كانت غيرمعبدة فقد كانت في حالة جيدة ومرتفعة إلى مستوى الطريق المعبد حيث كنت أخرج من الطريق وأرجع إليه بدون صعوبة.

بعد 20 كلم التقيت بدراج أرجنتيني انطلق من مدينة مِنْدُوصَا بوسط غرب الأرجنتين وهاهوالآن يقترب من نهاية رحلته. قدم لي نصائح قيمة حول استعمال الطريق، ثم طمأنني حيث أنه لاحظ احتراما كبيرا من جهة سائقي السيارات والشاحنات. ولكنه شكى لي من كثرة استعمال الأرجنتينيين للبوق (الكلاكسون)غالبا للتشجيع، لكن إذا أتى من الخلف فلا يمكن أن تعرف هل هو تشجيع أو إنذار بخطر، فتضطرأحيانا للخروج من الطريق دون أن يكون هناك داعي. أما في المنعرجات حيث تنعدم الرؤية فيجب دائما الخروج من الطريق إذا كانت هناك سيارة تأتي من الخلف حتى لا تعرقلها في التزام يمينها. بعد التشجيع والتبريك غادر كل واحد إلى حال سبيله

بعد 20 كلم أخرى بدأ الطلوع إلى الممر الجبلي جَارِيبَالْدِي.كانت هناك أجزاء من الطريق لها انحذار قوي وتطلب جهدا عاليا. وصلت إلى أعلى الجبل فأحسست أن الكالوريات توشك أن تنفذ. فقررت أن أستريح لتناول الغذاء. أثناء الإستراحة توقفت عندي سيارتين وكانتا لعائلة من صَانْتَا فِي قاصدين أوصوايا. سألوني عن رحلتي فأخذوا صورة جماعية معي وواصلوا طريقهم .
بعد الأكل بدأت بالنزول وكان الطريق يمر بجانب بحيرة. كان المنظر رائعا. بعد ذلك أصبح الطريق مستويا تتخلله من حين لآخر مرتفعات صغيرة. هن اتوقفت عندي سيارة وسألني صاحبها عما إذاكنت الدراج الأرجنتيني الذي خرج اليوم من أوصوايا ويقصد لاَكِيَاكَا La Quiaca في الشمال. أجبت بالنفي. فأعطاني قنينتين من الماء وقال لقد سمعت بالخبر وأتيت إلى الطريق لعلني أراه فأشجعه. لكن أنت أيضا تستحق هذا الماء ثم استأنف طريقه. وصلت إلى تولوين والساعة قد تجاوزت الخامسة. سألت سيدة عن المخيم فقالت لي بأن أتجه إلى شاطئ البحيرة. كان الطريق في حالة سيئة. وبعد بضعة كيلومترات التقيت برجل يأتي من جهة الشاطئ فسألته للتأكيد فنفى أن يكون هناك مخيم وقال أن المخيم الوحيد يقع على بعد 17 كلم فرجعت أدراجي. لكن لم أكن مرتاحا لأنني كنت قد قرأت أن هناك مخيم. في طريق العودة التقيت بشابين فسألتهما نفس السؤال فأكدا لي وجود المخيم. مرة أخرى غيرت الإتجاه وأخذت الطريق إلى الشاطئ، وفعلا وجدته! إنه مخيم جميل والأماكن محمية من الرياح. لكن كنت النزيل الوحيد. سألت صاحب المخيم عن ذلك، فأجاب أن عطلة نهاية الأسبوع ما زالت في بدايتها وأن لمصطافين لم يصلوا بعد. ليس هناك مطعما ولا مقهى بالقرب ومركز المدينة يبدو بعيدا بسبب ذلك الطريق الوعر. اعتمدت على نفسي فأعددت أكلة خفيفة واستسلمت للنوم العميق


-استراحة بممر جَارِيبَالْدِي



- مخيم هَايْنْ Hain في تُولْوِينْ Tolhuin



- بحيرة فُوغْنَاُنو Fognano



5-1-2013

تولوين Tolhuin ـ Viamonte بِيَامُونْتِي: 50 كلماستيقظت في الصباح على صوت المطر فوق سطح خيمتي فلم أتشجع للخروج وشرعت في القرائة. ولما خرجت في الأخير لاحظت وجود عدة خيام من حولي. إن صاحب المخيم كان على حق حينما قال لي أن المصطافين سيصلون ابتداء من المساء. بعدالفطور رجعت إلى الخيمة في انتظار توقف المطر. طال الإنتظار ولم أغادر المخيم إلا عند الظهر. وصلت إلى مركز المدينة ثم بدأت الأمطار من جديد. فدخلت إلى مطعم لتناول الغذاء. وعند مغادرتي اشتريت إِمْپَانَاذَاصْ Empanadas للأكل في الطريق، ومن إحدى المتاجر اشتريت المشروبات واتجهت إلى الطريق رقم 3في اتجاه رِيُو غْرَانْدِي RioGrande. باستثناء بعض الهضبات فالطريق مسطحة، إلا أنه بهذاالتأخير فإنني لا أستطيع الوصول إلى هذه المدينة اليوم. بعد بضعة كيلومترات التقيت بزوج برازيلي انطلقا من البرازيل منذ خمسة أشهر قاصدين أوصوايا. تبادلنا المعلومات حول الطريق، فأخبراني بوجود مخيم حوالي 50 كلم قبل رِيُو غْرَانْدِي. وبالفعل حينما وصلت إلى هناك قررت اختتام حلقة اليوم والتجأت إلى المخيم. سألت أحد المشرفين عن إمكانية التخييم فأشارإلى طريق ملتوي يلج في الغابة وقال إتبع هذا الطريق وبإمكانك أن تضع خيمتك في أي مكان تشاء سألته عن الثمن، فأجاب أنه سيمر علي في المساء، لكنه لم يمر

- الطريق إلى رِيُوغْرَانْدِي



- تحذير من الرياح الجانبية

 

q8ya metnaqlaمعجبون بهذا.
فريق التطوير غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-10-2015, 02:33 AM   #4

حيث يعمل المبدعون

الصورة الرمزية فريق التطوير
 
تاريخ التسجيل :  Jan 2015
رقم العضوية : 1046
الجنس : ذكر
المشاركات : 685



افتراضي


أمريكا الجنوبية على الدراجة الهوائية 1: رحلة بالتصوير البطيء
الحلقة الأولى. إضافة 3


المعذرة هذا تعديل لآخر فقرة في الإضافة 2


8-1-2013
ريوغراندي ـ الحدود الأرجنتينية الشيلية:65 كلم


استأنفت الطريق إلى الحدود الأرجنتينية الشيلية فوصلت إلى مركز الحدود الأرجنتيني بعد ساعة. فكانت محطة البنزين أول ما أمر به، فأتجهت إليها لشراء البنزين. لكن، وأنا أقترب كنت أرى منظرا أقلقني بعض الشيء، وكان قلقي يزداد بعد كل خطوة. كنت أرى السيارات تقترب من المظخة، وبعد تبادل بعض الإشارات مع أحد العمال يستأنفون سيرهم على التو. ياإلهي ماذا حصل؟ أليس عندهم بنزين؟ وعند وصولي سألت العامل فأكد لي صحة ظنوني، فكدت أنهار. ما العمل؟ هل سأعود 80 كلم إلى الوراء إلى ريوغراندي Rio Grande من أجل ليتر واحد من البنزين؟ هل سأغامر إلى پُورْبِينِيرْ بقنينة غاز توشك على النفاذ؟ المغامرة ستكون سليمة إذا كانت الحالة الجوية جيدة. أما إذا هبت رياح قوية فالندم سيكون النتيجة. حيث أن الرحلة ستدوم أكثر من المقرر وأصبح بلا غاز. بينما كنت شارد الذهن أفكر في هذه الخيارات الصعبة حتى بادرني العامل وهو ينظر إلى القنينة الحمراء بيدي بالسؤال أتريد فقط أن تملأ تلك القنينة فأجبته وبصيص الأمل عندي لم يكن أكثر من نجم بعيد في ليل داكن نعم. مد لي يده فأعطيته القنينة، واتجه إلى المظخة فبدأ يظخ. لكن ولو قطرة واحدة ثم انتقل إلى المظخة الثانية، فوضع الأنبوب في القنينة وما إن بدأ يضخ حتى رأيت بنزين الخير ويملأ القنينة. كم كانت فرحتي كبيرة!


ذهبت إلى محل للأكلات الخفيفة فاشتريت سندويشات إضافية وبضعة قنينات الماء والعصير واتجهت إلى شرطة الحدود لختم جوازي. بهذا أكون قد خرجت من ولاية أرض النار Tierra del Fuego الأرجنتينية ودخلت إقليم مَاجِلاّنِسْيالشيلي. أما التغيير الثاني فهو الأهم وهو أن الطريق غير معدة لحوالي 158 كلم، وأنا قلق حول مدى تأثيرها على جسمي، وخاصة تأثير تذبذب الدراجة على الظهر والمعصمين.


بعد حوالي 15 كلم وصلت إلى المركز الحدودي الشيلي. وهنا اصطدمت بمشكل أكبر وهو أن المأكولات الطازجة من خضر وفواكه ولحوم والحليب ومشتقاته تمنع من دخول البلاد. حكيت قصتي للمفتش وحاولت إقناعه، لكنه أعطاني خياران فقط: إما أكل كل ما عندي من ساندويش وفواكه قبل اجتياز الحدود، أو إيداعها بسلة المهملات. لكن هذا مستحيل فالطريق تحتاج إلى أكل. وخاصة الفواكه حيث أنني لا أراها تباع هنا في هذه الأكشاك قرب الحدود. وهنا تدخلت سيدة من النوع الحنون وكانت تتتبع حديثي مع زميلها فتبادلا بعض الكلمات فسمحولي بالحفاظ بكل ما كان لدي. لم أكن جاهلا بهذا القانون، لكن النسيان هو السبب. والحل في مثل هذه الحالات هو المعلبات، حيث أنها تعتبر سليمة من أي مرض.


غادرت مركز الحدود فتواريت شيئا فشيئا في القفار. الأرض هنا منبسطة وتتخللها هضبات ومرتفعات صغيرة. هناوهناك ترى ثعلبا يغازل الطيور أو يطارد فريسة صغيرة. ومن حين لآخر ترى قطيعا من اللاّمَا تأكل العشب أو تركض من هضبة إلى أخرى. أما الحيوان المفترس الوحيد في هذه المنطقة، أي الْپُومَا، فإنني لم ألتقيه بعد، ولاأنا مشتاق للقياه!


رغم أنني كنت في الشيلي فإن معظم السيارات والشاحنات التي تشاركني الطريق فهي أرجنتينية، وهذا لأن هذا الطريق هو الممر البري الوحيد الذي يربط ولاية أرض النار الأرجنتينية بباقي التراب الأرجنتيني. ولكن بعد نحو 20 كلم من المركز الحدودي الشيلي افترقت طرقنا، حيث تتجه السيارات التي تقصد الأرجنتين شمالا، وواصلت أنا طريقي نحو الغرب إلى پُورْبِينِيرْ فدخلت في أقصى درجة العزلة، حيث أن حركة المرورشبه منعدمة.


كانت قوة الرياح متوسطة، تتطلب بعض الجهد لكن لا تعرقل التقدم. من الصعب في مثل هذه الأراضي المنبسطة أن تجد مكانا محميا من الرياح. ولمامررت بقنطرة صغيرة وكان الوقت الظهيرة وقد أدركني الجوع، قررت الوقوف للإستراحة والأكل. ثم أصبحت استراحة طويلة. اتخذت من أكياسي وسادة فاستسلمت لقيلولة. استيقطت وقد بدأت الرياح في الهدوء، فكانت فرصة لتسجيل الكيلومترات بسرعة أعلى. لكن عند المغرب بدأت الرياح من جديد وكنت قد وصلت إلى مفترق الطرق أُونَايْصِنْ Onaisen .وجدت هناك ملجأ لانتظار الباص، فاتخذته بيتي لهذه الليلة.


صور إضافية


الطريق من مدينة ريو غراندي إلى الحدود







التفكير في أوصوايا!


 

q8ya metnaqlaمعجبون بهذا.
فريق التطوير غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-10-2015, 02:37 AM   #5

حيث يعمل المبدعون

الصورة الرمزية فريق التطوير
 
تاريخ التسجيل :  Jan 2015
رقم العضوية : 1046
الجنس : ذكر
المشاركات : 685



افتراضي


أمريكا الجنوبية على الدراجة الهوائية 1: رحلة بالتصوير البطيء
الحلقة الأولى. إضافة 4


9-1-2013

أُونَايْصِنْ Onaisen ـ Porvenir پُورْبِينِيرْ: 103 كلم

كنت أتوقع أن يهجم مستعملي الباص على بيتي في الصباح الباكر ويطردوني منه، لكن شيء لم يحصل. فأونايسن ليست مدينة أو قرية بل تجمع يتكون من خمسة منازل ومزرعة فقط. كانت الرياح كما تركتها يوم أمس، وكنت أتسائل ما إذا كنت سوف أنجح اليوم من الإقتراب كثيراً بپُورْبِينِيرْ (103 كلم). ففي مثل هذه الرياح وهذا الطريق لم أكن أحلم بالوصول إليها اليوم. حينما وصلت المرسى الغير النافعة (!) Bahia inutil تغيرت التضاريس فأصبحت الهضاب أكثر ارتفاعا وكان الطريق يطلع أحيانا وينزل أخرى. عند الظهيرة التقيت يسيارة آتية من الإتجاه المعاكس فتوقفت وخرج صاحبها فحياني وراح يفتح الصندوق ويقوللقد مررت عليك في الصباح وكنت قاصدا پُورْبِينِيرْ، وفي السوق فكرت فيك فٱشتريت لك بعض الحاجيات ربما ستكون في حاجة إليها فأخرج من الصندوق كيسا فيه فاكهة وخبز وجبن وزبدة وماء وكوكاكولا! لم يكن عندي من كلمات الشكر ما يكفي لمثل هذه الإلتفاتات التشجيعية. كنت لا أريد المزيد من الثقل، ولكن في نفس الوقت الوقت لا يمكن أن أرفض. سألني عن هويتي ورحلتي فحكى لي عن دراجين أمريكيين أدركتهم العاصفة في هذا الطريق منذ عامين، فالتجؤوا إلا المزرعة التي يديرها فأوصلهم في اليوم التالي إلى پُورْبِينِيرْ. ثم افترقنا ومضى كل واحد إلى سبيله.

بعد قليل توقفت عند ملجئ أخر لا أعرف هذه المرة لمن بني هناك، فٱتخذته قاعة للإستراحة أين تناولت غذائي، فشربت قهوتي وٱنطلقت من جديد. كان منظر المرسى جميلا، وكنت أتمتع بالرحلة، وخاصة في العشية حيث هدأت الرياح تماما.


واصلت المسيرة بعد المغرب وعند منتصف الليل كنت على مشارف پُورْبِينِيرْ. 100 كلم في اليوم وفي هذ الطريق السيئ.. إنه إنجاز عظيم! وجدت مكانا مناسبا لخيمتي على جانب الطريق، فحطيت الرحال واستسلمت للنوم العميق.


- سفر سعيد!




- مقياس اتجاه وسرعة الرياح بقرب باهيا إينوتيل



- اللاما غواناكو






- Bahia inutil



- ثعلبان يستمتعان بالشمس




10+11-1-2013
استراحة في پُورْبِينِيرْ Porvenir.

ٱستيقظت اليوم على ثغاء اللاما. خرجت من الخيمة ونظرت إلى هضبة أمامي فرأيت قطيعا على قمتها وهم ينظرون في ٱتجاهي ويثغون بكل ما يملكون من قوة. لا شك أنهم تفاجؤوا بهذا المنظر الغريب في مملكتهم! أخذت آلة التصوير وهممت بالإتجاه إليهم لأخذ صور عن قرب فهربوا مذعورين. بعد الفطور جمعت أكياسي وغادرت المكان وتركت لهم مملكتهم في أمان.

كان مشروع اليوم هو استأناف الطريق إلى پُورْبِينِيرْ (7 كلم)، ومن هناك عبور مضيق مَاجِلاّنْ إلى پُونْتَا أَرِينَاْص Punta Arenas حيث أنوي قضاء بضعة أيام للإستراحة وٱسترجاع القوة. فلما وصلت إلى پوربنير ٱتجهت إلى مكتب العبارة للإستفسار عن مواقيت العبور، فقيل لي أن الإبحار المقبل سيكون على السادسة، وأن الميناء يبعد 5 كلم عن المدينة. لا داعي للتسرع إذن والوقت ما زال صباحا.

پُورْبِينِيرْ مدينة صغيرة ليس فيها ما يجلب السائح، وهي فقط مكان لتنظيم العبور إلى پونتا أريناص. ذهبت إلى البنك وسحبت بعض النقود، فذهبت للبحث عن مقهى في انتظار الغذاء. وبينما كنت أتمشى في شارع دافعا الدراجة حتى رأيت منزلا وعليه علامة فندق. ضغطت على الجرس فخرج رجل في مقتبل العمر فسألته عن الثمن فكان مناسبا فقررت البقاء للإستراحة هناك عوض پُونْتَا أَرِينَاصْ. مكثت يومين وفي اليوم الثالث غادرت إلى الميناء للإبحار إلى پُونْتَا أَرِينَاصْ. أثناء إقامتي قضيت وقتي في كتابة مذكرتي، وقمت بجولات صغيرة حول المدينة، والدردشة مع أهل الفندق وبعض النزلاء الذين كانوا في الحقيقة عمالا ساكنين ويعملون مع أحد شركات الإتصال لنصب أعمدة الإتصال على طول الطريق التي سلكتها خلال اليومين الماضيين وفي أجزاء أخرى من الإقليم لفك العزلة على المزارع النائية.


12-1-2013

العبور إلى پُونْتَا أَرِينَاصْ Punta Arenas.

عند مغادرتي الفندق في پُورْبِينِيرْ متجهاً إلى الميناء كنت مشغولا بالتفكير فيما أفعله بعد وصولي إلى الضفة الأخرى من مضيق ماجلان. فالإبحار سيستغرق ساعتين وربع وسيكون الوصول على الساعة الثامنة والربع. ثم ماذا؟ البحث عن مبيت في پونتا أريناص أم استأناف السفر لبضعة ساعات، ما دام الجو هادئا وضوء النهار يستمر حتى الحادية عشرة؟ ثم جزمت مع نفسي أن وقت الإستراحة قد إنتهى و قررت الإستمرار.

وصلت إلى الميناء فٱشتريت التذكرة وجلست أنتظر. فتقدم إلي رجل وٱمرأة أرجنتينيان قالا أنهما يملكان فندق للدراجين في ريو غراندي. آه.. لقد سمعت بهذا الفندق، لكن حينما مررت بتلك المدينة كنت مرهقا فٱلتجأت إلى أول فندق كان في طريقي. لقد وجدت فيهما أحسن مرافقين للسفر، إذ كنا ندردش في شتى المواضيع. أبحرت العبارة في الوقت الموعود، وبالوصول إلى پونتا أريناص تودعنا وشرعنا في النزول.

بينما كنت أدفع الدراجة على الرصيف. إذ أتى إلي رجل قدم لي نفسه على أن ٱسمه صَامْوِيلْ Samuel، وكان في يده مناشر إشهارية فسلمني واحداً وكان يتعلق بفندق عائلي. سألني عن هويتي، فلما قلت مغربي أبي أن يتركني أمشي لحالي ورجاني أن أنتظر حتى يكمل توزيع المناشر. ثم عاد إلي فقال أنه كان يعيش مع المغاربة في إسپانيا وزار المغرب وتعرف على طريقة التسويق المغربية. أي الإلحاح حتى الإستسلام، وهي الطريقة التي كان ينوي نهجها معي لإقناعي بالذهاب إلى فندقه. فوفرت عليه عناء ذلك فعدلت عن قراري بمواصلة الرحلة، فأخذت المنشور وتبعت الإرشادات حتى وصلت إلى الفندق. تعرفت على عائلة صَامْوِيلْ والنزلاء الذين كانوا هناك وكان الجو عائليا حقا.

- العبور إلى پونتا أريناص




13-1-2013
يوم هاديء في پُونْتَا أَرِينَاصْ Punta Arenas

هذا يوم الأحد. خرجت لجولة في المدينة فكان كل شيء مغلق. رجعت إلى الفندق فأخذت الدراجة وذهبت في جولة خارج المدينة. أحسست بنوع من التكاسل والخمول وأنني ضيعت يوماً كاملا فيما لا جدوى فيه. لو أنني استمررت في طريقي أمس، لكنت الآن متقدماً ب 100 كلم على الأقل. كان يكفيني استراحة پُورْبِينِيرْ، أو بالأحرى كان من الأفضل أني أسترحت هنا في پُونْتَا أَرِينَاصْ فقط. لكن في الليل حاولت اختتام النهار بعمل إيجابي فعدت إلى استكمال كتابة مذكرتي وقرائة بعض المواضيع الجادة، وقررت الإنطلاق غدا في الصباح الباكر.

- في جولة مع العائلة


هذه الصورة تم تصغيرها . الحجم الافتراضي لها هو 1022x678.


14-1-2013

پُونْتَا أَرِينَاصْ Punta Arenas ـ Villa Tehuelche بِييَا تِيوِلْتْشِي 80 كلم

لم أستيقظ باكرا كما قررت. دخلت إلى المطبخ لإعداد الفطور وكان قد مرمنتصف النهار، فكان الحاضرون يضحكون، وقالت مَارْسِيلاَ Marcela زوجة صامويل أهذه إذن هي الإنطلاقة المبكرة فأتبع صامويل لا، لا أظنه سينطلق يوما، فقد سحرته پونتا أريناص . بالفعل لم أكن أعرف ما إذا كنت سأنطلق اليوم. فصامويل أضاف وهل سمعت النشرة الجوية؟ ابتداء من هذه الليلة ستكون الأمطار والرياح سيدة الموقف. لكن في الأخير تشجعت فذهبت إلى سوبرماركت فاشتريت من الطعام والشراب ما يكفي لبضعة أيام. وعلى الساعة الخامسة كنت قد أنتهيت من تناول الغذاء، فشرعت في إعداد سندويشات للطريق، وكان لا أحد يصدق أنني عازم على الإنطلاق اليوم بالذات.

طلعت إلى غرفتي فأعددت كل أمتعتي وشرعت في الرحيل وقد اقتربت الساعة السادسة. ودعت أهل المنزل والنزلاء وقصدت الطريق رقم 9 في اتجاه الشمال الغربي إلى پْوِيرْطُو نَاطَالِيصْ. كنت سعيداً بالعودة إلى الأسفلت والطريق المسطح. كان الجو هادئاً وكان عداد الكيلومترات يدور بشكل مقبول.

مضت ساعات وكان الليل قد أسدل ستاره وخيم السكون وأنا لم أشعر بعد بالرغبة في الوقوف وكأنني أريد كسب الوقت الضائع. كان الطريق مهجوراً والخلاء حولي لا ترى فيه ما يوحي بوجود حياة بشرية. فجأة سمعت خوار بقرة بكل قواها فذعرت. لا لكوني أخاف البقر، بل لأن الصوت كان كما لو أن حيوانا مفترسا كان ينهش ظهرها أو يغرس أنيابه في رقبتها. فصوت البقر الذي تعودت عليه يكون بطيئاً وهادئاً نوعاً ما على الشكل التالي: ممموووه...ممموووه... أما هذا الذي سمعته الليلة فكان مووه مووه مووه مووه مووه. بتتالي سريع و نغمة عالية. لكن ما كان عندي حيلة إلا الإستمرار في طريقي.

وفي ذلك الوقت لمحت ضوء فلاش في المرآة. التفت إلى الوراء فرأيت أنه يأتي على ما يبدو من سيارة شرطة خلفي. كانت تتقدم ببطئ. ولما وصلت إلي وقفت وحياني أحدهم فخاطبني: ألم يحن بعد وقت النوم؟ فأجبته أجل، إنني أريد التقدم لبضعة كيلومترات ثم أبحث عن مكان للتخييم ثم قال هناك بلدة على بعد حوالي 25 كلم. إذا أردت أن نوصلك فتفضل لكن لا داعي لذلك، فشكرتهم، و تمنوا لي ليلة سعيدة ثم استأنفوا طريقهم. خذ إحتياطك من الشاحنات كان هذا آخر ما سمعت منهم.

وبعد ما يقرب من ساعة ألقيت لمحة على العداد فكان قد سجل 80 كلم وكنت راضيا على الإنجاز، فبدأت أبحث عن مكان لإعداد الخيمة.

ـ تذكار للرياح في الطريق إلى پويرطو نطاليص





هذه الصورة تم تصغيرها . الحجم الافتراضي لها هو 1021x676.


ـ مزرعة





- في ماجلانس




15-1-2013

-بِييَا تِيوِلْتْشِي Villa Tehuelche ـ Villa Renoval بِييَا رِينُوبَالْ: 93 كلم
بينما كنت أعد الفطور إذ رأيت دراجين يمران في الطريق أمامي ويتجهان إلى الشمال مثلي. كانت هذه أول مرة أرى دراجا يسير في نفس اتجاهي. لوّحا إلي فرديت التحية وواصلا طريقهم. بعد الفطور جمعت كل أمتعتي وٱنطلقت ورائهم. وصلت إلى بِييَا تِيوِلْتْشِي، فوقفت للإستراحة. دخلت إلى متجر فاشتريت آيسكريم وخرجت إلى الساحة فجلست على كرسي أستمتع بالشمس و الآيسكريم. إلا أنني كنت قلقاً بعض الشيء، كنت أنظر أمامي فأرى سحبا داكنة تغطي الأفق وكنت أتسائل عما سيكون نصيبي منها. اشتريت بعض الحاجيات الأخرى من المتجر فانطلقت من جديد.

بعد بضعة كيلومترات لحقت بالدراجين الذين مرّا علي هذا الصباح، وكانا في استراحة الغذاء. ثم بدأ المطر في النزول. وقفت للبس اللباس الواقي، فدردشنا قليلا وكانا ألمانيين في اليوم الثاني من مغامرتهم، فقد انطلقا يوم أمس من پونتا أريناص وينويان الوصول إلى پْوِيرْتُو مُونْتْ Puerto Montt في وسط الشيلي. كانوا يتذمرون من حالة الجو. فعلا لقد كان الجو رديئاً، ولكن بالنسبة لي فلا زلت أعتبر نفسي محظوظا. فلحد الآن لم أصادف الرياح العاتية التي تمتاز بها هذه المنطقة. فقد كنت أتذكر رحلتي الأولى في يناير 1999 حيث هبت علينا الرياح في منتزه غير بعيد من هنا، وكنت أرى مياه البحيرات تطير في السماء بفعل قوة الرياح، أما في الليل فقد كنا نتناوب على دعم الخيمة بالأيدي حتي لا تلصقها الرياح بالأرض وتجعلها كومة محطمة.

تركت الألمانيان يجمعان أمتعتهما ويلبسان اللباس الواقي وواصلت الطريق. لكن تلك السحابة الداكنة انجلت بسرعة فظهرت الشمس من جديد. ولما رأيت ملجئاً على جانب الطريق قررت الوقوف لإعداد الغذاء. سرعان ما رأيت الألمانيان يمران أمامي من جديد ويلوحان باليد. لكن عوض الإستمرار في الطريق إلى پْوِيرْطُو نَاطَالِيصْPuerto Natales، انعرجا إلى اليسار واستمرا في طريق غير معبدة، وكانت هناك لوحة ترشد إلى مزرعة/فندق، ومن الواضح أنهما كانا يستعدان لاختتام رحلة اليوم. أما أنا، فبعد الأكل والقهوة واصلت الطريق إلى الأمام. لحد الآن كان الطريق يتجه شمالا وكانت الرياح جانبية، وفي وقت معين انعرج إلى الغرب فأصبحت أصارع الرياح وجهاً لوجه. في هذه الحالة تحس بأكياس الدراجة وكأنهم أشرعة، فأنت تحاول التقدم إلا الأمام وهم يجذبونك إلى الخلف.

كانت الشمس تشرف على المغيب. ولما مررت بمرتفع صغير يوفر بعض الحماية من الرياح، رأيت أنه المكان المثالي لإعداد خيمتي. فكان ما كان واستسلمت للنوم العميق.

- بالقرب من بييا رينوبال




16-1-2013

بِييَا رِينُوبَالْ Villa renoval ـ Puerto Natales پْوِيرْطُو نَاطَالِيصْ: 73 كلم

أصبحت اليوم على جو جميل، فلا رياح ولا أمطار! ومدينة پْوِيرْطُو نَاطَالِيصْ ستكون بدون شك في متناول القدمين! بعد ساعة مررت بقرية بييا رينوبال. كنت أتوقع أن يكون هناك متجرا ما بالقرب من الطريق. فبدأت ألتفت يمينا و شمالا فلم أرى ما يوحي بذلك. دخلت إلى القرية واقتربت من إحدى المنازل وكان بعض الناس يدخلون فيها ويخرجون فسألت أحدهم عما إذا كان هناك متجر، فأجاب بالنفي. كان مائي على وشك النفاذ فملأ لي القنينات وقال أن هناك فندقا على بعد 5 كلم إذا كنت أرغب في أشياء أخرى. وبالفعل وصلت إلى الفندق وفي الحقيقة لم أكن محتاجا إلى شيء. لكني دخلت للإستطلاع. كان يتوفر على مطعم ومقهى، وما إن رأيت الحلويات حتى أدركت أنني محتاج إلى شيأين على الأقل: حلوى وقهوة.

ولحسن الحظ فلقد كانت عندهم قهوة حقيقية. أقول هذا لأن القهوة في الشيلي تعني غالبا نيسكافي. أعود مرة أخرى بالذاكرة إلى يناير 1999 وإلى أول يوم في الشيلي وكان ذلك في پويرطو نطالص. دخلنا في مقهى وطلبنا قهوة، فأتى النادل بكأسين من الماء وضعهما على الطاولة وراح. ولما طال الإنتظار ناديت عليه وسألته عن القهوة فأشار إلى كأسي الماء. نظرت إليه مستفسرا وقلت أن ذلك ماء فقط ثم أشار إلى وعاء نيسكافي ووعاء سكر وشرح لي كيف تعد القهوة! كل المنازل الشيلية التي دخلتها لحد الآن لا تتوفر فيها آلة إعداد القهوة. أما الآن، وبتفتح الشيلي عن الثقافات الأخرى فالقهوة العادية أصبحت متوفرة. لكن حذاري من سوء التفاهم، فحين يسألك النادل هل تريد قهوة عصرية أم تقليدية فالعصرية تعني العادية، والتقليدية تعني نيسكافي. ذلك أن القهوة العادية قد دخلت البلاد مؤخرا بينما نيسكافي من زمان.

أكلت الحلوى وشربت القهوة وٱشتريت قنينة فانتا فغادرت الفندق. وبينما أنا في الساحة مشغول بوضع القنينة في إحدى الأكياس حتى سمعت صوت العجلات يحتك بالحصى في ساحة الفندق . نظرت في اتجاه الباب الرئيسي فرأيت الألمانيان يتقدمان نحوي، فصاح أحدهما لقد قررنا نحن كذلك أن نستريح هنا فقلت القهوة جيدة والحلوى لذيذة فرد الأخر هذا ما كنا نأمله ثم ودعتهم واستأنفت الطريق.

مشكلي اليوم ليس مع الرياح ولا مع المطر لكن مع الشمس. كنت أحس بالجوع فكنت أنتظر أن أمر بمكان يتوفر على ظل لأستريح. لكن من الصعب أن تجد الظل في مكان مسطح كهذا. رأيت أمامي وعلى بعدٍ ما بدى لي كمزرعة فٱستنتجت أن هناك ملجئ للباص أيضا. فخلال هذه الرحلة لاحظت أن أصحاب المزارع غالبا ما يشيدون منازلهم بعيدا عن الطريق، لذلك فهم مظرين لبناء ملاجئ على الطريق أين يمكن لعمالهم انتظار الباص في أمان. لكن هذه المرة كان استنتاجي خاطئاً. فقد كان هناك موقف للباص ولكن بدون ملجئ. واصلت السير، وبعد بضعة كيلومترات وجدت الظل فوقفت للإستراحة.

عند العشية كنت أقترب إلى پويرطو نطالص فكان العمران يزداد شيئا فشيئا، حتى أشرفت على المدينة فكنت أنظر مليا علني أتذكر شيئا من رحلتي الأولى لكن لم تساعدني الذاكرة. اتجهت إلى مخيم بوسط المدينة وهناك حطيت الرحال.


- الحصان الپاتاغوني




ـ اللاما بيكونيا



- ضريح الطريق





ـ على مشارف پويرتو نطالص






ـ الوصول إلى پويرتو نطالص







- الرحلة من أوصوايا إلى پويرطو ناطالص



 

q8ya metnaqlaمعجبون بهذا.
فريق التطوير غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-10-2015, 02:43 AM   #6

حيث يعمل المبدعون

الصورة الرمزية فريق التطوير
 
تاريخ التسجيل :  Jan 2015
رقم العضوية : 1046
الجنس : ذكر
المشاركات : 685



افتراضي


مرحبا بكم في الحلقة الثانية من تقريرأمريكا الجنوبية على الدراجة الهوائية

الخريطة أدناه تمثل الطريق وأسماء المدن والأماكن التي غطتها الحلقة الأولى. وللتذكير فٱتجاه الرحلة كان من الجنوب الى الشمال. الخيمة والمنزل المرسومان بالأخضر يرمزان إلى نوع المبيت. الخيمة تعني أنني قضيت الليلة في الخيمة، وغالبا ما يكون ذلك في الخلاء، أما المنزل فيرمز إلى فندق عائلي في قرية أو مدينة. أما أيقونة الشرطي فترمز إلى الحدود الدولية.





أما الخريطتان التاليتان فيمثلان الحلقة الثانية والتي سأتعرض لها في هذا السرد. في الخريطة الأولى ترى الطريق ينطلق من پويرطو ناطالص، يمر على إل كلفاتي وينتهي بإل تشالتن، حيث تنتهي المرحلة التي أطلقت عليها إسم القفار والرياح العاتية. والخريطة الثانية تمثل العبور إلى الطريق الجنوبي في الشيلي (أو طريق رقم7) وهي تعتبر مرحلة انتقالية من مرحلة الرياح إلى مرحلة الأمطار.








أريد أيضا أن أذكر أن هذا التقرير لا يشتمل على المعلومات الأساسية التي عادة ما يحتاجها المسافر في سفره الأول. فمسرح هذه الرحلة يقع خارج الطريق المعهود والحافز هو تحدي المجهول والرغبة في احتضان الطبيعة والإستمتاع بالحرية والسلام في أحضانها. والتقرير عبارة عن وصف لشعوري وانطباعاتي الشخصية وأنا أعيش لحظات معينة من الرحلة.

عند عودتي من الرحلة ورواية القصة، كان كثير من الناس يسألونني لماذا أستمر في السير حتى في الظلام. ألم أكن بذلك أحرم نفسي بالإستمتاع بالمناظر الجميلة؟ لا شك أن هناك من القراء من يسأل نفس السؤال. جوابي: أولا انك إذا استمررت في السير ساعة أو ساعة ونصف في الظلام بسرعة الدراجة الهوائية فإنك لا تحرم نفسك من أي منظر جميل، لأنك حينما تستيقظ في الصباح الموالي ستصبح تقريبا على نفس المنظر الذي كنت تراه بالأمس قبل حلول الليل، لأنك لا تقود فِيرَّارِي وتتقدم ب 250 كلم في الساعة. ثانيا الليل يسحرني كثيرا بسكونه وأصواته، وأسراره وألغازه، وأشباحه وشجونه، ونجومه والقمر الساطع في سمائه، ولهذا فأنا أحب السير في جو الليل الساحر. ثالثا، أكره الإنطلاق في الصباح الباكر وكأنني ذاهب إلى العمل. لذلك فانطلاقي يكون متأخرا ووصولي متأخرا أيضا. رابعا، وهذا ينطبق خاصة على المناطق الآهلة حيث ينعدم الأمن، أنه يجب ألا تعطي الفرصة لذوي النوايا السيئة من المارين لظبط المكان الذي تقضي فيه ليلتك فيرجعون في الليل ليأذوك. هذه المناطق كما ترون خلاء وجد آمنة إلا أن الإلتزام بالحكمة شيء جميل. في معظم الأحيان أفضل البحث عن مكان لقضاء الليل تحت ستار الظلام فلا يراك أحد ولو كنت على أمتار قليلة من الطريق.


الحلقة الثانية.


7-1-2013

يوم استراحة في پويرطو نطالص Puerto Natales

خرجت في الصباح لأتجول في المدينة، وما إن مررت بالمحطة حتى بدأت تظهر لي بعض الملامح التي بدأت أتذكرها من زيارتي الأولى لهذه المدينة (1999). ولكن المدينة قد تغيرت كثيرا وأصبحت البنايات الجديدة في المدينة و ضواحيها تنافس القديمة. كذلك أصبحت المتاجر الكبيرة متوفرة. وقد أثار انتباهي كثرة المتاجر المتخصصة في المعدات السياحية. وهذا يدل علي الدور المهم الذي تلعبه السياحة في هذه المنطقة.

خلال جولتي كنت في نفس الوقت أبحث عن سوق السمك. الشيلي معروف بثروته السمكية. فطول ساحله يبلغ حوالي 5000 كلم. بالإضافة إلى ذلك فتربية الصلمون جعلته المُصدِّر الثاني لهذا النوع في العالم. وهذا ما كنت أريد شرائه: الصلمون. إلا أنني استغربت حينما قيل لي أنه ليس هناك سوق للسمك الطري. وللتأكد رجعت إلى المخيم وسألت المشرفة وهي تدير أيضا مطعما بجانب المخيم فأكدت لي ذلك. وقالت لي أن لديها صالمون مجمد في المطعم. فطلبت منها أن تبيع لي قطعة صغيرة للغذاء. دخلت المطعم وخرجت بوعاء فيه قطعتين. واحدة صغيرة بثمن دولارين وقطعة كبيرة يقترب وزنها الكِيلُو قالت أنها هدية من زوجها أَلْدُو! طبعا لم أكن أعرف ماذا أفعل بكل ذلك. فانا ليس عندي ثلاجة، أزد على ذلك فأنا سأغادر غدا ولم يكن عندي وقت لاستهلاك كل ذلك. لكن سرعان ما فكرت فاستدعيت جيراني في المخيم فنظمنا غذاء جماعيا.

وأنت تتجول في شوارع پويرطو نطالص تلاحظ أن المدينة تعج بالسياح. هذا لا يعني أن المدينة بالذات مدينة جميلة بمستوى أُوصْوَايَا أو فيها معالم سياحية مهمة. لكن شهرتها تكمن في اعتبارها قاعدة لتنظيم رحلات إلى المنتزهات الطبيعية الموجودة في المنطقة. وأهمها المنتزه الوطني الشهيرطورِّيصْ ذِلْ پاَيْنِ Torres del Paine الذي يبعد بحوالي 112 كلم عن المدينة. يعتبر هذا المنتزه من أجمل المنتزهات الطبيعية في جنوب أمريكا، ويمتد على مساحة قدرها 240000 هكتار. المعلمة المميزة لهذا المنتزه هي الأعمدة الغرانيطية التي تتربع كتاج طبيعي على قمة الجبل الذي يتوسطه. أما قمم الجبال فهي مغطاة بالثلوج الأزلية، وعلى سفوحها يتكدس الجليد ومنه تنحذر الجداول والشلالات فتكون بحيرات جميلة وأنهارا. أهم الحيوانات التي تعيش هناك هي اللاما غواناكو Llmama Guanaco، الويميل Huemel، الكوندور Condor والپوما Puma.

جل الناس يقصدون هذا المنتزه بهدف واحد ألا وهورحلات المشي (Trekking). تستقل الحافلة من پويرطو نطالص، وتتركك عند المدخل الشمالي للمنتزه. لا حاجة للقول أنه يجب أن تتوفر على كل معدات تريكين: الخيمة، كيس و حصيرة النوم، أحذية تريكين، طعام، جهاز ملاحة إلخ.. بمجرد الدخول للمنتزه تتفرع المسالك. وتجد على يسارك المسلك الذي يحيط بالجبل في شكل دائري ويستغرق إتمامه نحو أسبوع. أما المسلك الثاني والذي يمر بمحاذاة السفح الجنوبي للجبل فإنه يختصر الطريق بثلاثة أيام. يتوفر المنتزه على بعض الملاجئ الجبلية التي تتوفر على بعض الضروريات من طعام وسرير، ولكن الإعتماد على النفس أمر ضروري حيث أنك لا تعرف ما إذا كنت تصل إلى الملجئ في نهاية اليوم أم لا. أما حالة الجو فمعروفة بعدم الإستقرار، إذ تتناوب الفصول الأربعة في يوم واحد. تتنتهي الرحلة عند المدخل الجنوبي للمنتزه، وهناك تجد الحافلة في انتظارك للعودة إلى پويرطو نطالص.

لقد قمت بجولتي في هذا المنتزه في يناير 1999 وكانت جولة ممتعة، لذلك فأنا اليوم الشخص الوحيد في المخيم الذي لا يشمل برنامجه زيارة هذا المنتزه. أترككم إذن مع صور من العصر الورقي من رحلتي إلى طُورِّصْ ذِلْ پَايْنِ عام 1999

- المسلك الجبلي: ينطلق من الملجئ ويتبع سفح الجبل




- الرياح تعصف بماء البحيرة، فتحدث قوس قزح صغير







- آخر يوم في الرحلة. العودة إلى محطة الحافلة




18-1-2013

پويرطو نطالص Cerro Castillo - Puerto Natales مركز الحدود: 67 كلم
النوم في مكتب الشرطة

برنامج اليوم هو الإتجاه إلى الحدود للدخول إلى الارجنتين عبر صِيرُّو كَاصْتِيُو Cerro Castillo، ومن هناك التوجه إلى مدينة إِلْ كَلفَاتِي الواقعة على الضفة الجنوبية لبحيرة أَرْجِنْتِينو. المسافة الكاملة: 273 كلم. باستثناء 61 كلم إلى الحدود فالمنطقة كلها قفار لا ماء ولا شجر. إمكانية الحصول على الطعام والشراب محدودة: صِيرُّو كَاصْتِيُو، أي الحدود الشيلية، وفي قرية تَاپِي أَيْكِي. كذلك يمكن الإلتجاء في حالة الطوارئ إلى مزرعة كُنْتْشَا كَرِّيرَا Concha carrera بعد بضعة كيلومترات من المركز الحدودي الأرجنتيني. هناك أيضا بناية لمصلحة الطرق على بعد 65 كلم من طَاپِي أَيْكِي، وهناك مزرعة أخرى على سفح الهضبة التي تشرف على نهر صَانْطَا كْرُوسْ Santa Cruz. جل الطريق معبد باستثناء 10 كلم بين الحدود الدولية، و 65 كلم من طاپي أيكي Tapi aike إلى نقطة تقاطع الطرق 40 و 5. التضاريس على العموم مسطحة. وهذا يعني أنه إذا كان الجو جميلا فهي نعمة. أما إذا هبت الرياح وسقط المطر فنقمة. وخاصة الطريق الغير معبد بعد طاپي أيكي، فتربتها تتكون من الأوحال التي تلتصق بالعجلات وتعرقل دورانها..

هيأت الأكياس فركبت الدراجة وغادرت المدينة في اتجاه الشمال. كنت أسير على نفس الطريق الذي يؤدي إلى منتزه طورِّيصْ ذِيلْ پاَيْنِي وذلك حتى الوصول إلى الحدود أين يتفرق الطرق. إنه اليوم معبد بخلاف ما كان عليه سابقا. في منتصف الطريق كنت أرى على شمالي جبالا بعيدة وملامحا تشبه التاج الطبيعي الذي يعلو المنتزه، فلوحت له بيدي وأنا أتذكر المغامرة الرائعة التي عشتها هناك في 1999. وصلت الى مركز الحدود صيرو كاصتيو وكانت الشمس قد اقتربت من المغيب. بعد ختم الجواز اتجهت إلى المركز الحدودي الأرجنتيني عبر طريق غير معبدة (6 كلم). وبينما أنا بين الحدود أحسست أنه قد حان وقت الأكل فوقفت للإستراحة. بعد الأكل وشرب القهوة استأنفت السير إلى مركز الحدود الأرجنتيني. حينما وصلت هناك وجدت شرطيين في بذلة النوم ينتظران خارج المكتب، وما إن رآني أحدهما حتي بادر بتقديم مرتبته وإسمه وأضاف أهلا وسهلا، لماذا تأخرت هكذا فأجبته لقد انطلقت من پويرطو ناطالص عند الظهيرة وكما ترى فالدراجة بطيئة شيئا ما فأردف لا..لا.. أقصد من الحدود الشيلية إلى هنا. لقد كنا ننتظرك وكنا قلقين من هنا استنتجت أن هناك نوع من التنسيق بين المركزين الشيلي والأرجنتيني. إذ كيف يمكن أن ينتظرونني إذا لم يعرفوا أنني قد مررت على المركز الشيلي؟ أجبتٱه.. لقد وصلت إلى مكان فوق الهضبة فوقفت لإعداد العشاء وشرب القهوة واسترحت قليلا فقال ولكن الآن وقد مرت العاشرة فالمكتب مغلق ولا أعرف ما إذا كان المدير سيسمح لك بالدخول.. هيا.. هيا معنا لنحاول لكن لم أكن في حاجة إلى الدخول للأرجنتين حتى ولو سمحوا لي بذلك، فهذا وقت الإستراحة الليلية، وهذا مكان مناسب لقضاء الليلة. بالفعل فقد رفض المدير ختم الجواز. فقال لي الشرطي هيا معي هيا معي.. سأفتح لك باب المكتب القديم وهناك يمكن أن تبيت الليلة ففكرت: جيد.. جيد! فهذا يوفر عناء إعداد الخيمة. دخلت المكتب القديم، وكان بطبيعة الحال المكان الذي ختمت فيه جوازي حينما مررت من هنا قبل 14 عاما. من كان يظن أنذاك أنه سيأتي يوم فيتحول فيه إلى بيتي! وفي الأخير تمنى لي ليلة سعيدة وأضاف هل تحتاج إلى شيء؟ هل لديك ماء ساخن؟ (الأرجنتينيون لا يفارقهم تِيرْمُو مليء بالماء الساخن لإعداد شراب المَاتِي).
- مغادرة پورطو نطالص




-الطريق 9 إلى مركز الحدود صِيرُّو كَاسْتِيُو وإلى منتزه طُورِّصْ ذِلْ پَايْنِ




- قطعان الماشية أينما نظرت




- ملجأ الباص و مزرعة في عمق الصورة



-في اتجاه المركز الحدودي الأرجنتيني




- التفاتة إلى الوراء إلى المركز الحدودي الشيلي صيرو كاستيو


19-1-2013

الحدود - نقطة تقاطع طريق 40 و 5: 110 كلم
الشمس والحر ولا ماء ولا شجر

استيقظت من النوم على الساعة التاسعة والربع. فتحت الباب وألقيت نظرة على الطريق وكانت الحركة منعدمة. بعد الفطور وبينما كنت أضع أمتعتي على الدراجة استعدادا للإنطلاق، رأيت حافلة تأتي من الأرجنتين وتقف عند الحاجز فينزل منها الركاب ويتجهون نحو المكتب. هذا يعني أن الصف سيكون طويلا! لكن حينما دخلت لدوري ناداني شرطي الأمس أن أتقدم للشباك وطلب مني جوازي، وفي دقائق معدودة أعاده لي وهو مختوم فانطلقت. بعد بضعة كيلومترات وقفت عندي سيارة فسألني صاحبها من أين أتيت وأين أقصد، فدعاني لشرب القهوة. فلما سألته أين، فأجاب هناك ..في تلك المزرعة إنها المزرعة المعروفة كُونْتْشَا كَارِّيرَا، وهي معروفة بتقديمها المساعدة للدراجين في حالة الطوارئ. لو كان الوقت المساء، لما ترددت في قبول الدعوة. لكن فقد كنت في بداية المشوار، ووقت الإستراحة لم يكن قد حان بعد. وبعد نحو 4 كلم من المركز الحدودي كنت قد وصلت إلى الطريق رقم 40 وبذلك كنت قد عدت إلى الأسفلت.

كان الجو جميلا لا رياح ولا مطر. لكن المبالغة في الجمال تؤدي إلى العكس فقد كوتني الشمس كيا. الظل منعدم تماما فلا شجر ولا مرتفع يمكن أن تحتمي به من الشمس. حان وقت الأكل فكنت أعد الغذاء تحت أشعة الشمس المحرقة. وصلت إلى محطة البنزين بطَاپِي أَيْكِي. حييت أحد العمال هناك وقصدت مباشرة الظل وراء حائط المتجر فاستلقيت على ظهري لأستريح كما ينبغي. لكن صاحب المتجر أتى إلي مذعورا يسأل: هل كل شيء بخير؟ هل تريد ماء؟ فطمأنته فقلت أنني محتاج فقط إلى قليل من الظل.

بعد ذلك، انظم إلي الرجلان فجلسنا نتحدث عن الحياة في طَاپِي أَيْكِي ورحلات الدراجات. فالقرية صغيرة تقع وسط القفار وتتكون من 19 نسمة لكن موقعها استراتيجي في ملتقى الطرق، وفي الصيف يتوقف هنا كل دراج قاصدا أو آتيا من الجنوب فيحكي لهم عن مغامرته، وهم الآن موسوعة يعرفون كثيرا من قصص الدراجين. حينما أحسست أن حر الشمس قد نقص، ودعت العاملين وركبت الدراجة فانطلقت. هنا أكون قد شرعت في السير على طريق غير معبد وطوله 65 كلم. إلا أن حالته أسوأ بالمقارنة مع تجربتي الأولى مع الطرق الغير معبد، أي الطريق إلى پوربنير، حيث أن الحصى هنا رخو في عدة أماكن ويتطلب جهدا كبيرا.

وبعد المغرب بقليل كنت أنظر أمامي فأرى من حين لآخر ضوء سيارة يتحرك بسرعة، فٱستنتجت أنني كنت على وشك الوصول إلى نقطة التقاطع مع الطريق المعبد رقم 5. فقررت أن تكون هنا نهاية رحلة هذا اليوم. فكان ما كان فأعددت الخيمة واستسلمت للنوم العميق.

-الطريق إلى إِلْ كَلَفَاتِي




20-1-2013

نقطة تقاطع 40 و 5 - مكان قرب El calafate إِلْ كَلَفَاتِي: 82 كلم1000 كلم على الدراجة الهوائية
بعد الفطور، استأنفت الطريق حتى وصلت إلى نقطة التقاطع مع الطريق رقم 5 . وهناك كانت بناية تابعة لمصلحة الطرق. كان احتياطي من الماء على وشك النفاذ فاستأذنت أحد العمال وملأت القنينات من جديد وواصلت الطريق. كان الجو حارا كيوم أمس وكان الطريق يطلع ولكن بدراجات صغيرة لم أكن أحس بها. وبعد 30 كلم كنت قد اعتليت الهضبة التي تشرف على وادي صَانْطَا كْرُوسْ Santa Cruz ومن هناك كنت أرى أيضا بحيرة أَرْخِنْتِينُوLago Argentino أين تقع مدينة إل كلفاتي. بعد استراحة فوق الهضبة، شرعت في النزول: 9 كلم بدون أي جهد!

وصلت إلى نهر بوتي فألقيت نظرة على العداد وكان يقترب من تسجيل الألفية الأولى. وحين سُجل الرقم وقفت قليلا لأحتفل. وكان الإحتفال عبارة عن رقصة لبضعة ثواني وطواف للدراجة ثم الركوب من جديد لمواصلة الطريق. 1000 كلم في 16 يوما، منها 5 أيام استراحة. سرعان ما بدأت بمراجعة خريطة الطريق. ففي ضوء هذه النتيجة يمكن أن أصل إلى هدف أبعد مما حددته في المخطط الأولي. لكن استدركت ففكرت: تمهل..تمهل..تمهل! فالنجاح في الماضي لا يضمن النجاح في المستقبل. والطريق أمامي ليس هو نفس الطريق الذي تركته ورائي. فقريبا ستأتي المرتفعات ولا أعرف كيف سأتصرف معها.

كان الليل قد أسدل ستاره حينما وصلت إلى مفترق الطرق الذي يتفرع منه الطريق المؤدي إلى مطار إل كلفاتي El calafate. هناك وجدت مكانا مناسبا للتخييم. فأعددت الخيمة واستسلمت للنوم العميق.

- من على مشارف نهر صَانْطَا كْرُوسْ وبحيرة أَرْخِنْتِنُو






- توثيق الألفية الأولى



- سحب من النار في سماء إِلْ كَلَفَاتِي






21-1-2013

مكان قرب إِلْ كَلَفَاتِي El calafate - مدينة إِلْ كَلَفَاتِي: 14 كلم
إِلْ كَلَفَاتِي: قاعدة لزيارة النهر الجليدي Perito Moreno پِيرِيطُو مُورِينُو

استأنفت الكيلومترات المتبقية إلى إِلْ كَلَفَاتِي، وحين دخلت المدينة، واعتمادا على الذاكرة، بدأت أبحث عن الطريق إلى المخيم الذي أقمت فيه عام 1999. إنه يقع على ضفتي واد Calafate كَلَفَاتِي الذي يخترق المدينة من الجنوب إلى الشمال وبهذا يسهل وجوده. فعلا فقد وجدته بسرعة، لكن مكاني القديم كان محجوزا فٱخترت مكانا في جناح آخر. الأرجنتينيون شعب يحب التخييم، فالمخيمات كثيرة في هذا البلد وفي فصل الصيف تكون دائما مكتضة.

وإِلْ كَلَفَاتِي ليست مكتظة بالأرجنتينيين فقط، بل هي أيضا محج لكثير من السياح الأجانب، وذلك لتواجد أحد المعالم الطبيعية المهمة بالمنطقة، ألا وهو النهر الجليدي پِيرِيطُو مُورِينُو. يقع هذا النهر على بعد 80 كلم غرب المدينة، ومصدره هو الثلوج المتراكمة على الجبال والتي تحولت على مدار ملايين السنين إلى حقول جليدية تمتد لمئات الكيلومترات. بفعل الظغط الذي يولده هذا التراكم تتكون سيول جليدية هائلة تتحرك ببطئ في إتجاه البحيرات. يبلغ ارتفاع پِيرِيطُو مُورِينُو Perito moreno حوالي 60 متر، ومن حين لآخر ترى قطعة جليد هائلة تنفصل عن السيل وتسقط في البحيرة فتحدث دويا تسمع صداه يتردد بين الجبال المحيطة به. في 1999 قظيت ثلاثة أيام مخيما على بعد 6 كلم من مقدمة النهر، فكنت أستمتع بهذا الدوي الذي كان يخترق السكون فيظفي على الليل وسحر الخلاء بعدا روحانيا. كنت أريد هذه المرة أن أعود إلى هناك لعيش هذه التجربة من جديد. لكن قيل لي أنه لا يسمح بالتخييم هناك فعدلت عن الفكرة.

في مخيم إِلْ كَلَفَاتِي قضيت بعض الوقت جالسا حول مائدة بالقرب من الخيمة أكتب مذكراتي على صوت رقرقة ماء النهر كلفاتي الذي يمر بوسط المخيم. من حين لآخر كنت أتجول ببصري عبر أرجاء المخيم لأتابع حركة الناس وهم ينتقلون من ضفة إلى أخرى عبر القناطر الصغيرة، فرأيت خيمة في الجناح الشمالي من المخيم وأمامها كان يجلس شابان مشغولان بالكتابة مثلي، وبجانبهما دراجتان من نوع دراجات السفر. فكرت: وأخيرا وجدت رفقاء التجربة! اتجهت إليهم للتعارف فقالا أنهما من البرازيل، وأنهما في نهاية رحلتهما التي بدآها في پْوِيرْطُو مُونْطْ Puerto Montt في وسط الشيلي واتجها جنوبا عبر الطريق الجنوبي. في المساء انظمت إلينا مجموعة من الأرجنتينيين فأعددنا أكلة مشتركة.

صور من من العصر الورقي. رحلتي لنهر الجليد (80 كلم من إِلْ كَلَفَاتِي)عام 1999.







العلو: 60 متر




22-1-2013

يوم استراحة في إِلْ كَلَفَاتِي
مراقبة وصيانة الدراجة

ما أثار انتباهي هو التغيير الكبير الذي حصل في المدينة. ففي 1999 كان عدد السياح قليلا. ففي التسعينيات من القرن الماضي وبفعل سياسة اقتصادية تمحورت حول ربط العملة المحلية بالدولار بسعر واحد لواحد، أصبحت الأرجنتين أغلى بلد في المنطقة وأصبح السياح الأجانب يتفادونها. أما الارجنتينيون فكان قسط منهم في أزمة لا يستطيعون السفر، بينما كان الميسورون يفضلون السفر إلى دول أروپا و أمريكا التى أصبحت آنذاك في متناول يدهم بفعل بفعل ارتفاع سعر الپيصو. كنت أنا كذلك في ذلك الحين أشكو من الغلاء في هذا البلد وأتعجل بالمرور إلى الشيلي حيث كان كل شيء أرخص. أما الآن فالأثمان هنا مناسبة والمتاجر والمقاهي والمطاعم كثيرة.

بعد الظهيرة خصصت جزء من الوقت للدراجة، فبعد 1000 كلم جاء دور المراقبة والصيانة. كان كل شيء على ما يرام، فاكتفيت بالتنظيف والتزييت. وفي المساء انظم إلينا أيضا دراجان أمريكيان وهما في طريقهما إلى أُصْوَيَا. كانوا يخططون للوصول إلى هناك عبر مسالك جبلية وعرة ولكن قد تختصر الطريق ببضعة مئات الكيلومترات ويتجنبان بذلك الطرق المسطحة التي تمتد إلى اللانهاية.

- صور للشارع الرئيسي











23-1-2013

إِلْ كَلَفَاتِي Lago Viedma-El calafate بحيرة بْيِيذْمَا: 115 كلم
هاجس السيولة

عند منتصف النهار كنت أجمع وأرتب أمتعتي استعدادا لمغادرة إِلْ كَلَفَاتِي. وكانت وجهتي هي إِلْ تْشَالْتِنْ (213 كلم)، أين أتوقع الوصول في ظرف يومين أو ثلاثة أيام. بٱستثناء فندق لاَ لِيُونَا شرق بحيرة بْيِيذْمَا وبعض المزارع قرب إِلْ تْشَالْتِنْ El Chalten، فلا يوجد هناك اي عمران على طول الطريق. لهذا فيجب أن أحمل من الطعام والشراب ما يكفي لهذه المدة. لكن الهاجس الكبير في هذه المرحلة هو الهاجس المالي. إلى حد الآن كنت أمر بمدن كبيرة يسهل فيها الحصول على النقود من الشبابيك الأوتماتيكية. أما من هنا وعلى طول الطريق الجنوبي في الشيلي (+1500 كلم) فتقل المدن الكبيرة، وحسب معلوماتي فهناك مدينتين تتوفر على بنوك، وهما كُوكْرَانِي و كُويَايْكِي. ومن الناحية الأمنية، ففي رحلة بالدراجة لا يجب حمل كثير من السيولة. لقد أكد لي البرازيليان والأمريكيان وجود شباك واحد في إِلْ تْشَالْتِنْ. لكن ما العمل إذا أصيب هذا بعطب عند وصولي؟ وهل سيقبل بطاقاتي؟ الحكمة تقول أنه لا يجب الإعتماد على خيار واحد. كان لدي احتياطي من العملة الشيلية سحبته أثناء إقامتي في پْوِيرْطُو نَطَالِصْ ويمكن أن يوصلني إلى كُوكْرَانِي. لكن الإحتياطي يجب أن يحتفظ به لوقت الإحتياط. ثم أن هناك بحيرتان للعبور وثمن التذكرة مرتفع جدا. خلاصة القول هي أن هذه المرحلة تتطلب إنشاء صندوق احتياطي إضافي. وما دامت الحالة الأمنية جيدة فلا بأس. ذهبت إلى البنك فسحبت ما احتجت إليه، ثم مررت بسوپيرماركت وعدت بأكياس ثقيلة إلى المخيم. وبينما كنت أعد الأكل للطريق رأيت الشابين الأمريكيين يعودان من جولة حول المدينة. دردشنا بعض الوقت ثم تودعنا فانطلقت. في الشارع الرئيسي التقيت بالشابين البرازيليان وهم عائدان من رحلة إلى النهر الجليدي پِرِيطُو مُورِينُو فصاح وَالْتِرْ صديقي! جاهز للإنطلاق فأجبته تماما تماما.. وكيف كانت رحلتكم دردشنا قليلا فتودعنا وانصرف كل واحد إلى حاله.

خرجت من المدينة فرجعت مع نفس الطريق الذي أتيت منه قبل يومين وذلك لحوالي 32 كلم حتى التقيت من جديد بنقطة التقاطع مع الطريق رقم 40. إلى هنا كنت أتجه شرقًا وكانت الرياح تدفعني بقوة إلى الأمام فوصلت هناك في وقت وجيز. التقيت بشابين من كولومبيا يسيران في الإتجاه المعاكس، فكانا في مصارعة ضارية ضد الرياح. دردشنا قليلا فاستأنف كل منا طريقه. وعند نقطة التقاطع انعرج طريقي إلى الشمال الغربي، فأصبحت أواجه رياحا جانبية، ولكنها لم تؤثر كثيرا على إنجازي.

وصلت إلى الضفة الشرقية لبحيرة بييذما وكان الليل قد أسدل الستار. كنت أسلط الضوء على الطريق فلا أرى إلا الخطوط البيضاء تمتد في الظلام إلى اللانهاية. فجأة رأيت نقطتين بيضاء تتوسطان الطريق على بعد بضعة مئات أمتار. فاستنتجت أن ذلك ما هو إلا طلاء أبيض أسقطه هناك العمال حينما كانوا يطلون جنبات الطريق. لكن فجأة اختفت النقطتان لتظهرا من جديد بعد مدة وجيزة ولكن على جانب الطريق وخارج الخطوط البيضاء. ثم اختفت من جديد لتظهر في مكان آخر! هي إذن عيني حيوان! فكرت: هل حان الوقت للقاء الپُومَا أحكمت القبضة على القضيب الحديدي الذي أتسلح به في حالات الخوف كهذه وتقدمت إلى الأمام. ولما وصلت إلي ذلك المكان فاجأني ضباح ثعلب يأتي من جانب الطريق. فانشرحت وتبدد الخوف فصحت إليه أهذا هو أنت صديقي الثعلب، رفيق الطريق والغريب أنه كان يتبعني من على جانب الطريق ويضبح في اتجاهي، بينما كل الثعالب التي رأيتها لحد الآن كانوا يهربون بمجرد رؤيتي. فاستنتجت أنها أنثى لها صغار في مكان قريب، وهي الآن بهذا السلوك تحاول الدفاع عن مجالها. تخلصت من الثعلب وكان العداد يسجل 105 كلم فوقفت لاستراحة الليل والإستسلام للنوم العميق

- العودة إلى الطريق والقفار




ـ منبع نهر صَانْطَا كْرُوسْ Santa Cruz (بحيرة أرخنتينو Lago Argentino)




- منبع نهر لاَ لِيُونَا La Leona (بحيرة أَرْخِنْتِينُو)




ـ التفاتة إلى الوراء: إل كلفاتي على ضفة بحيرة أرخنتينو



-القمر الساطع والنجوم المتلألئة في سماء پَاتَاغُونْيَا عند مصب نهر لا ليونا (بحيرة بْيِيذْمَا Viedma)




24-1-2013

بحيرة بْيِيذْمَاViedma - مكان قرب El Chalten إِلْ تْشَالْتِنْ: 86 كلم
آخر يوم في قفار پَاتَاغُونْيَا

واصلت السير في الطريق رقم 40 على الضفة الشرقية لبحيرة بييذما متجها إلى نقطة التقاطع مع طريق رقم 23 التي تتجه إلى إِلْ تْشَالْتِنْ. كانت الرياح في صالحي. لكن بعد نقطة التقاطع اتجهت إلى الغرب وأصبحت وجها لوجه مع الرياح. كانت قوتها متوسطة لا تتطلب جهدا كبيرا لمصارعتها. لكن ما أضجرني هو صوتها. ليوم كامل لا تسمع إلا صوت واحد ومستمر: بْبْبْبْبْبْبْبْبْبْبْبْبْ...فكيف لا يصيبك الضجر؟ أصبحت أذناي لا تطيق هذا الصوت، فالتجأت إلى حقيبة الحلول، فأخذت سدادات الأذنين فأغلقت بهما أذناي فكانت نعمة

وبعد ذلك التقيت بزوج ألماني في الطريق إلى أُوصْوَايَا فحصلت دردشة قصيرة بيننا لتبادل المعلومات حول الطريق. كنت أفكر في مرحلة ما بعد إِلْ تْشَالْتِنْ التي تبدأ باجتياز الحدود إلى الشيلي عبر مسلك جبلي وعر. وكنت أريد معرفة كل شيء عن ذلك المسلك. فقلت لقد قيل لي أن ذلك المسلك صعب شيء ما فرد الرجل: شيء ما؟ إنه لفي منتهى الصعوبة! فكن على استعداد! وخاصة فى حالتك، فالمرحلة الشاقة من المسلك ستجتازها صعودا، وستطلب منك مجهودا أكثر مما تطلبته منا ثم تودعنا واستأنف كل طريقه

مررت بصخرة كبيرة على جانب الطريق فوقفت للاستراحة القهوة. كنت قد أوقفت الدراجة على جانب الطريق وفجأة رأيتها تسقط على الأرض. ظننت أنه فعل الرياح، ولما تفحصتها رأيت أن رِجْلها أو بالأحرى البراغي التي تربط الرجل بالإطار قد تكسرت. لم أستغرب هذا الحادث فخلال تداريبي الأولى على هذه الدراجة كنت راضيا على كل شيء ما عدا هذا الرِّجْل. فقد كان مربوطا بالإطار بواسطة برغيين إثنين فقط وفي شكل أفقي. وهذا تصميم ضعيف، فقد كان يجب استعمال ثلاثة براغي في شكل مثلث ليكون الرجل أقوى على تحمل الظغط. والطامة الكبرى هي أنني وجدت عندي براغي احتياطية لكل الأجزاء ما عدا الرجل! أتمنى أن أجد في إِلْ تْشَلْتِنْ ما أحل به هذا المشكل!

لم أكن اليوم محتاجا لبوصلة أو جهاز ملاحة لتحديد اتجاهي فمنذ الصباح وأنا أرى قمة جبل فِيتْزْ رُويْ أمامي ومقصدي، أي بلدة إِلْ تْشَالْتِنْ، تقع عند قدمه. إنه واحد من أجمل المناظر في هذه المنطقة وتزداد عظمته كل ما ازداد الإقتراب إليه. لكن المساء لم يكن الوقت المثالي لأخذ الصور حيث كانت الشمس تغرب ورائه وتجعلني أصور جهة الظل. فقررت الوقوف لآستراحة الليل قبل إِلْ تْشَالْتِن وأستأنف طريقي غدا في الصباح حينما تكون الشمس تسلط أشعتها على الجهة الأمامية للجبل

- محدثكم، وفي العمق جبل فِيتْزْ رُويْ



- طرق بلا نهاية







- الغطاء النباتي السائد في پتاغونيا









- مزرعة عند قدم فيتز روي





25-1-2013

مكان قرب إِلْ تْشَالْتِنْ - El chalten إِلْ تْشَالْتِنْ: 14 كلم
روعة جبل Fitz Roy فِيتْزْ رُويْ
كانت الكيلومترات التي قطعتها هذا الصباح للوصول إلى إِلْ تْشْالْتِنْ ذروة هذه المرحلة. كان المنظر من أروع اللوحات الطبيعية. هاهو إذن جبل فِيتْزْ رُويْ يقف شامخا بقمته الحادة، وحوله قمم أخرى بنفس الحدة والثلوج الأزلية تكسو جنباتها ببياض ناصع. كان الجو جميلا وكانت الشمس تسلط ضوئها على الجبل، وتجعل اللحظة جاهزة لأخذ أجمل الصور.

وصلت إلى إِلْ تْشَالْتِنْ وكنت بذلك قد اختتمت مرحلة القفار والرياح العاتية. فيما يخص القفار، فخلال هذه المرحلة، وعبر مسافة تزيد عن 1200 كلم، ما كنت أرى إلا قفارا في قفار. أما بالنسبة للرياح العاتية فلقد كان حظي سعيدا. إذ أن الرياح التي صادفتها كانت متوسطة بالمقارنة مع تجربتي في عام 1999 وبعض التقارير التي قرأتها عن المنطقة. دخلت البلدة فاتجهت إلى مخيم على الشارع الرئيسي المؤدي إلى بحيرة الصحراء، فكان مخيما جميلا وهناك حطيت رحالي.

إِلْ تْشَالْتِنْ، وكمثيلتها إِلْ كَلَفَاتِي، مدينة سياحية بالدرجة الأولي وشوارعها تعج بالسياح الأجانب والمحليين. إلا أنه، وبعكس إل كلفاتي أين ترى العائلات والأطفال بكثرة، فجل السياح هنا شباب. وهذا يدل على اختلاف الأنشطة السياحية بين المنطقتين. فمن يزور إل كلفاتي قصده هو رؤية النهر الجليدي پِيرِيطُو مُورِينُو. أما إل تشالتن فأغلب من يقصدها هم من ممارسي تسلق الجبال.

محدثكم على مشارف إِلْ تْشَلْتِنْ








26-1-2013

يوم استراحة في إِلْ تْشَالْتِنْ
التخطيط للعبور إلى الشيلي

كنت أتمنى أن ألتقي بدراجين في المخيم للإستخبار عن أحوال المسلك الجبلي الذي سأمر به غدا أثناء رحلة العبور إلى الشيلي. فهذا اليوم مخصص لوضع النقاط على الحروف. المشكل هو أنه ليس هناك طريق عادي يربط إِلْ تْشَالْتِنْ بالطريق الجنوبي في الشيلي والذي يبتدأ قرب بلدة بِييَا أْوهِغِنْ. فذوي السيارات والدراجات النارية الذين يريدون زيارة هذه البلدة انطلاقا من إِلْ تْشَلْتِنْ عليهم الإتجاه شمالا حتى الوصول إلى لُوصْ أَنْتِيغْوُوصْ، ثم الدخول إلى الشيلى عبر بلدة تْشِيلِي تْشِيكُو ومن هناك الإتجاه جنوبا حتى الوصول إلى بِييَا أُوهِغِنْ. وهذا يتطلب دوران تصل مسافته إلى ما ييزيد عن 1000 كلم. أما العبور عن طريق المسلك الجبلي فإنه يختصر المسافة إلى حوالي 60 كلم بالإضافة إلى عبور بحيرتين. وهذا امتياز خاص لذوي الدواب والراجلين والدراجين.

تتنطلق الرحلة من إِلْ تْشَالْتِنْ فتتبع الطريق المتجه شمالا الى بحيرة الصحراء. وهو طريق غير معبد وطوله 38 كلم. وعند الوصول إلى بحيرة الصحراء تستقل مركبا للعبور إلى الضفة الشمالية للبحيرة أين يوجد المركز الحدودي الأرجنتيني. ويقوم المركب برحلتين يوميا: واحدة في الصباح وأخرى في المساء، ويستغرق العبور 45 دقيقة. وعند الضفة الشمالية للبحيرة يبدأ المسلك الجبلي، وهو طريق دواب طوله حوالي 23 كلم ويستعمله السكان المحليون للتواصل. يمكن أن نقسم المسلك إلى شطرين. الأول ينطلق من مركز الحدود فيطلع حتى يصل إلى قمة الجبل أين توجد علامة الحدود الدولية، وهو مسلك ضيق ووعر. الشطر الثاني يبدأ من قمة الجبل وينزل إلى أن يصل المركز الحدودي الشيلي على الضفة الجنوبية لبحيرة أُوهِغِنْ. من هناك ينطلق مركب آخر للعبور إلى الضفة الشمالية للبحيرة. لكن عدد الرحلات يقتصر عن رحلة واحدة كل يومين لهذا فيجب إعداد مخطط عبور موزع على يومين: اليوم الأول يشمل الإنطلاق إلى بحيرة الصحراء وعبورها ثم طلوع المسلك الجبلي. اليوم الثاني يشمل النزول إلى بحيرة أُوهِغِينْ والعبور إلى الضفة الشمالية.
ذهبت إلى إحدي وكالات السفر لأشتري تذكرة لعبور البحيرة الأولى ووجدت أنه يبيع أيضا تذاكر للبحيرة المتواجدة على التراب الشيلي. الأولى بثمن 25 دولار والثانية بحوالي 80 دولار. إنها أثمان مرتفعة وخاصة الأخير. لكن ما العمل فليس هناك خيار ثاني، ولست مستعدا للسباحة وحمل الدراجة على ظهري. دفعت الثمن بالفيزا واحتفظت بالسيولة.

ـ مناظر من إِلْ تْشَلْتِن












27-1-2013

إِلْ تْشَالْتِنْ El chalten - بحيرة الصحراء Lago del Desierto- المسلك الجبلي: 38+17 كلم
الإنتقال إلى الشيلي والجبال والماء والغابات

كان انطلاقي إلى بحيرة الصحراء للعبور إلى الشيلي انطلاقا متأخرا. لم أكن أنوي عبور البحيرة في رحلة الصباح. فبعد الفطور أعددت وجبة للطريق ثم انطلقت وكانت الساعة تقترب من الزوال. كنت أفكر في العبور في رحلة الساعة الخامسة، فأصل إلى الضفة الشمالية بعد 45 دقيقة فيكون ما يزال لدي أربع ساعات لاجتياز المسلك الجبلي في ضوء النهار.

لكم كانت المناظر جميلة! أينما نظرت إلا وأرى الجبال الشاهقة، والثلوج الناصعة، والأنهار الجارية والغابات الخضراء. إنه اختلاف كبير بالمقارنة مع القفار التي مررت بها منذ بداية الرحلة إلى الآن. ونظرا لتواجد الماء في كل مكان فإنه لا حاجة لحمل كمية احتياطية كبيرة. لكن ما عكر المتعة هو تذبذب الدراجة بسبب سوء حالة الطريق، فالتجأت إلى إخراج شيء من الهواء من الإطارات، فأصبحت ثقيلة شيء ما ولكن قليلة التذبذب.
عند وصولي إلى بحيرة الصحراء أخبرت أن المركب سينطلق مع السادسة وليس الخامسة. فقلت لا بأس فأنا في إجازة والمنظر جميل. بالفعل فعند السادسة كان المركب قد انطلق وكانت المناظر ساحرة. وصلنا إلى الضفة الشمالية فنزلنا واتجهت إلى مركز الحدود. سلمت الجواز لشرطي وبعد ختمه قال لي لعلك تنوي قضاء الليل هنا والإستمرار غدا إلى الشيلي؟ هناك على ضفة البحيرة مكان جميل للتخييم ثم قاطعته لالا.. فأنا عازم على الإستمرار حالا أدار رأسه إلى اليمين وألقى نظرة على ساعة معلقة على الحائط، ثم نظر إلي وقال مايزال لديك ثلاث ساعات من ضوء النهار وإذا شرعت الآن في الطلوع فسيدركك الليل في قمة الجبل عند علامة الحدود الدولية، وهناك يمكن أن تقضي الليلة وتستمر غدا في الصباح.. فكرة جيدة! إتبعني فأرشدك إلى المسلك فتبعته إلى ساحة وراء المركز، فأشار بيده إلى مرتفع عند نهاية الساحة وقال: هناك..تلك هي بداية المسلك.. أتمنى لك التوفيق ذعرت حينما رأيت ذلك المسلك وهو يطلع عموديا إلى فوق فقلتإن هذا مسلك للماعز ولا يصلح بتاتا للدراجة! ضحك الشرطي وقال: هناك خيار ثاني أسهل من هذا فسألت بشغف وما هو فر العودة إلى إِلْ تْشَالْتِنْ، بيع الدراجة واستأناف الرحلة بوسيلة أخرى هاهاهاها فقلت له دعني أفكر في هذا الخيار حينما أصل إلى قمة الجبل، وحين يكون الرجوع مستحيل ودعت الشرطي واتجهت إلى المسلك

طبعا، لم يكن المسلك صالحا للدراجة. والدفع بكل حمولتها لم يكن سهلا أيضا، فأنزلت كل الأكياس. وطلعت وأنا أدفع الدراجة وحدها، فتركتها على بضعة عشرات الأمتار، ثم عدت إلى الأكياس فطلعت بثلاثة وعدت مرة أخرى إلى ما تبقى. وهكذا دواليك. أحيانا يظهر طريق مسطح بين الأشجار، فافرح وأضع الكياس فوق الدراجة وأدفع، وبعد بضعة أمتار ينعرج الطريق فيبدأ التسلق من جديد: دفع الدراجة، العودة إلى جزء من الأكياس ثم العودة ثانية إلى ما تبقى.

أسدل الليل ستاره وأنا ما زلت في وسط الطريق بين القدم والقمة. كنت أدرك أنني في إحدى المناطق الأكثر عزلة في جنوب أمريكا، وكنت أدرك أيضا أنني الآن في مملكة الپوما، وكان القضيب الحديدي الذي تسلحت به مربوطا بحكم إلى معصمي. كانت الغابة كثيفة، وكانت الأشجار في الظلام تأخذ شتى الأشكال وتحدث شتى الأصوات فتبدو وكأنها أشباح، وخاصة حينما تحركها الرياح. ثم وصلت إلى بحيرة صغيرة في أعلى الجبل وبدأت أسير على ضفتها. فجأة سمعت وكأن جسما ضخما يسقط فيها. فتوجست وتسائلت: ما يكون هذا؟ أيكون الپوما وقد غطس ليستحم قبل الخروج للصيد؟ لكن رجّحت أن تكون صخرة أو شجرة. فبالفعل فقد كان خوفي من الأشجار أكثر من خوفي من الپوما. كان هناك كثير الأشجارة الضخمة وهي ساقطة على الأرض وقد اجتثتها الرياح من عروقها. بعضها لم يسقط على الأرض، بل بقي منحنيا على أغصان أشجار أخرى وهي توشك على السقوط وكنت أخاف أن تسقط على رأسي.

وصلت إلى علامة الحدود الدولية والساعة تقترب من الواحدة ليلا. وجدت هناك ساحة بمختلف التجهيزات الرياضية استنتجت أنها للتداريب العسكرية. استرحت قليلا وأدركت أنني قد أخطأت التقدير. لا لأني لا أحب السير في الليل، بل لأن الطريق وعر وكان من الاحسن الإنطلاق باكرا وعبور بحيرة الصحراء في الصباح واجتياز المسلك في ضوء النهار.

كنت أريد قضاء الليل عند علامة الحدود، لكن كنت أريد أن أُطَمْئِنَ نفسي أكثر فواصلت السير والآن على التراب الشيلي. النقطة الإيجابية هنا هي أن الطريق واسع بخلاف الجانب الأرجنتيني. يبدو أنه كان يستعمل من طرف الشاحنات العسكرية، ولكنه أصبح الآن في حالة مهملة وقد نخرته المياه، فكنت تارة أركب وتارة أدفع. فجأة وجدت نفسي أسير في ساحة كبيرة وعلى جنباتها لوحات حمراء وبيضاء. لكنه لم يكن في شكل ملعب كرة. فحرت فيما يمكن أن يكون ذلك. لما التجأت إلى جهاز الملاحة اكتشفت أنني أخطأت الطريق وأصبحت أسير وسط مدرج مطار عسكري. ويلي ويلي ويلي! فانتقلت بسرعة إلى الطريق وكان موازيا للمدرج. وبعد أن تأكد لي أن هذا الطريق لم يكن بنفس صعوبة الجانب الأرجنتيني، توقفت لاستراحة الليل فأعددت الخيمة واستسلمت للنوم العميق.

- الطريق إلى بحيرة الصحراء

. وتغير كل شيء: أنهار وجبال واخضرار



ـ قارب بحيرة الصحراء



ـ مناظر أثناء العبور


 

q8ya metnaqlaمعجبون بهذا.
فريق التطوير غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-10-2015, 02:49 AM   #7

حيث يعمل المبدعون

الصورة الرمزية فريق التطوير
 
تاريخ التسجيل :  Jan 2015
رقم العضوية : 1046
الجنس : ذكر
المشاركات : 685



افتراضي


الحلقة الثالثة والتي سأقوم بسرد تفاصيلها في هذا التقرير تنطلق أين انتهت الحلقة السابقة، أي من قرية بييا أوهغين، وتتجه شمالا. بقية الحلقات سأحاول نشرها بانتظام في الأسابيع المقبلة. أتمنى أن يعجبكم التقرير.



الحلقة الثالثة

خريطة الحلقة





29ـ1ـ2013

بييا أوهغن Villa O' Higgins ـ Rio Bravo ريو برابو: 102 كلم
في الطريق الجنوبي

استيقظت في الصباح ورأيت أن لا وجود لخيمة الكلومبيان. فقد انطلقا باكرا ليلحقا بآخر رحلة للمركب الذي ينطلق من رِيُو بْرَابُو على بعد حوالي 100 كلم شمالا ويعبر فْيُورْدْ مِيتْشِلْ Fiordo Mitchel إلى پْوِيرْطُو يُونْغَايْ Puerto Yungay. أما أنا فكنت أريد البقاء يوما آخر للتجول في المنطقة. اتجهت إلى قاعة المخيم فلم أجد أي أحد من المشرفين. كنت أريد إعداد الفطور لكن لا تجربة لي بالموقد الذي كان هناك والذي يشتغل بالخشب. كنت قد عرفت أن مَاوْرِسْيُو، وهو أحد المشرفين على المخيم، يعمل بإذاعة محلية فقصدتها. كان الراديو مشغولا بإذاعة خطابات خاصة. فبسبب انعدام التغطية خارج البلدة، فكل الإتصالات مع المزارع والمساكن المتناثرة في أرجاء هذه المنطقة تتم عبر الراديو. وفي باب الإعلانات كنت أستمع لفلاح يعلن أنه سيذبح بقرة يوم الجمعة المقبل ويعلن فتح لائحة لتسجيل للراغبين في شراء اللحم.

تصفحت كتابين للونلي پلانيت Lonely Planet كنت اشتريتهم في أواخر التسعينات استعدادا لرحلتتي الأولى إلى أمريكا الجنوبية فلم أجد شيئا حول بييا أوهغين Villa o' Higgins. كانت هذه المنطقة أدغالا وجبالا تكسوها غابات كثيفة وتتخللها مستوطنات صغيرة ومنعزلة ولا ترتبط ببقية الشيلي إلا عن طريق عن طريق الأرجنتين عبر ممرات جبلية خاصة للدواب. وفي مرشد سياحي آخر نشر عام 2002 اشتريته لرحلة أخرى قمت بها عام 2003 أقرأ أن الطريق الجنوبي الذي ابتدأ شقه في پويرطو مونط قد وصل إلى پويرطو يونغاي وأن هناك مشروع لإمداده حتى يصل إلى هذه القرية التي أتواجد فيها اليوم: بييا أوهغين. أما اليوم فالطريق قد وصل، وبييا أوهغين أصبحت قاعدة لتنظيم رحلات لزيارة الحقل الجليدي الجنوبي ورحلات مشي في الغابات المجاورة لاستكشاف الحياة البرية. لكن لا يزال جو العزلة يخيم علي البلدة ولا ترى حشود السياح يتجولون في شوارعها كما في إِلْ تْشَالْتِنْ أو إِلْ كَلَفَاتِي مثلا. وهذا راجع لبعدها وسوء حالة الطريق وكونها تقع على طريق مسدود، حيث أن الطريق ينتهي هنا ومن يقصدها يظطر للعودة بنفس الطريق من جديد ولمئات الكيلومترات حتى يجد إمكانيات أخرى لتغيير المسار.

اصطحبني مَاوْرِسْيُو Mauricio إلى المخيم فأشعل الموقد. وبعد الفطور أحسست بالطريق الجنوبي وكأنه يناديني. فراجعت رأيي السابق وقررت أن أنطلق اليوم فهيأت وجبة للطريق وأطلقت عنان الدراجة. كانت حالة الطريق متوسطة. بالرغم أنه كان غير معبد فهو صلب وكنت راضيا على السرعة. من حولي كانت تتناوب المناظر الرائعة، فكنت تارة أسير في غابة كثيفة، وتارة على ضفة بحيرة أو بجانب نهر يجري وكانت الجبال مكسوة بالثلوج وعلي سفوحها تسيل العديد من الجداول الصغيرة فتلتقي عند أسفل الجبل وتكون شلالات رائعة. قبل رِيُو بْرَابُو بحوالي 20 كلم تغير الطريق فصار يعتلي مرتفعات ثم ينزل حتى يصل إلى مستوى النهر ثم ينعرج ويطلع من جديد. كان الصعود يتطلب جهدا كبيرا. أما أثناء النزول فكان يجب اتخاذ كامل الحذر. وذلك لسهولة الإنزلاق والسقوط. وهذا اختلاف كبير بالمقارنة مع الطرق المعبدة حيث تستطيع أن تنزل بسرعة عالية فتعوض ما خسرته أثناء الصعود.

بعد ساعتين وصلت إلى مرسى ريو برابو Rio Bravo الواقعة على فيورد ميتشل Fiordo Mitchel فوجدت مكانا جميلا لإعداد الخيمة إلى جانب بناية ظننت في أول وهلة أنه مكتب للشركة التي تنظم العبور. لما أنهيت من إعداد الخيمة قصدت تلك البناية لأرى هل أجد هناك معلومات حول أوقات العبور، فاكتشفت أنها قاعة للإنتظار وكانت مفتوحة. آه! لو علمت ذلك قبل إعداد الخيمة لوفرت علي بعض العمل! لكن لا بأس.

كان الليل جميلا. هيأت فنجان قهوة وقضيت بعض الوقت لتحميل وترتيب الصور، فكان ما كان واستسلمت للنوم العميق.


- الطريق إلى رِيُو بْرَابُو Rio Bravo











30-1-2013

ريو برابو Rio Bravo ـ ضفاف نهر Baker باكر: 30 كلم

استيقظت من النوم على صوت محركات تزأر بقوة، فاستنتجت أن الرحلة الأولى للعبارة القادمة من الضفة الشمالية قد وصلت، وأن الصوت يأتي من محركات السيارات وهي تغادرها، إذ أن الطريق يبدأ في الطلوع بمجرد الخروج. بعد وقت قليل انقطع صوت المحركات فاستسلمت للنوم لأستيقظ بعد ذلك من جديد على نفس الصوت. إلا أنه هذه المرة فقد كان صوتا ضعيفا بالمقارنة مع السابقة. لا شك أنها السيارات وهي تنزل إلى المرسى لتدخل للعبارة. تقلبت في الفراش مرة ثم مرتين فنهضت وفتحت باب الخيمة وخرجت فوقفت أتمدد و أتثاءب وأنظر إلى العبارة أمامي. كان الربان واقفا على ظهر الباخرة يراقب عملية الركوب، وما إن رآني حتى بدأ يصيح إلي، ولكن لم أكن أستطيع سماعه، فاقتربت من الرصيف وعملت حركة باليد أستفسره عما قال فصاح: قلت لك هيا إسرع إسرع إذا أردت العبور الآن فصحت إليه ومتى ستنطلقون؟ فرفع يديه وأشار بأصابعه وهو يصيح: عشر دقائق فسألته: ومتى ستنطلق الرحلة المقبلة؟ فأجاب: الواحدة بعد الزوال فصحت: سأنتظر المقبلة... رحلة سعيدة ثم اتجهت إلى قاعة الإنتظار لأهيء الفطور .
مشكلتي هي أنني لا أستطيع الإنطلاق بدون فطور وعشر دقائق لا تكفي لجمع الأمتعة والفطور. فطوري اليوم يتكون أساسا من ثلاث ساندويشات: سندويش بالبيض المقلي في زيت الزيتون، سندويش ثاني بالجبن وثالث بالعسل أو كرميل الحليب. وشرابي المفضل هو الشاي المغربي المنعنع، فقد أخذت معي أربعة علب تحتوي في المجموع على 100 وحدة. وهي كافية لكل الرحلة. أما بعد الفطور وفي الليل أيضا فأفضل شرب القهوة.

كان الناس يتقاطرون شيئا فشيئا على المرسى وكانت أغلب السيارات من ذات الدفع الرباعي لسياح شيليين أو أجانب وهم يغامرون عبر الطريق الجنوبي فكنا نتعارف ونتحدث عن مغامراتنا فمضى الوقت بسرعة. وصلت الرحلة الثانية فنزل الراكبون وعلى الساعة الواحدة كانت العبارة تغلق بابها استعدادا للإبحار. وصلنا إلى الضفة الشمالية وكان هناك مطعما فقصدته. لم أكن بحاجة للأكل بعد فشربت قهوة وكايك واشتريت وجبة للطريق وانصرفت. ولما خرجت رأيت رجلا في الساحة أمام المطعم وكان يقترب مني بخطا ثقيلة ويردد بصوت ضعيف كلمات لم أفهمها. ولما اقترب أكثر أدركت أنه يخاطبني بالفرنسية! فقلت له بنفس اللغة: أتظن أنك في پاريس Paris أو إكس أون پروفانس Aix en Provence فتخاطبني بالفرنسية؟ فرد: إني أريد التواصل ولا أتكلم إلا الفرنسية، ولما رأيتك حدست أنك تفهم هذه اللغة وبدأت في الكلام هكذا كان هذا Marsot مَارْصُو، رجل فرنسي في مقتبل العمر. أتى إلى الشيلي لزيارة ابنته التي تسكن في مدينة بَالْپَرَايْصُو Valparaiso، فاشترى دراجة وانطلق لاستكشاف الطريق الجنوبي. دردشنا قليلا فانطلقت لمواصلة السير في اتجاه كُوكْرَنِي.

شرعت في الصعود وقبل أن أعتلي الجبل الذي يشرف على پْوِيرْطُو يُونْغَايْ التقيت بمجموعة من الدراجين يسيرون في الإتجاه المعاكس. كانوا من مختلف الجنسيات، وكان معهم زوج أمريكي بدآ رحلتهما في أَلاَسْكَا قبل عام ونصف وكان هدفهما هو الوصول إلى أُوصْوَايَا ليكونا قد اجتازا القارة من شمالها إلى جنوبها. كنا ما زلنا ندردش حينما مرت بنا مجموعة أخرى ، فصاح أحدهم بالذين كانوا يدردشون معي : إسرعوا إسرعوا فالعبارة ستنطلق حالا ثم ودعوني فانطلقوا متسارعين إلى أسفل الجبل.

ٱستأنفت الطريق، فكنت كلما اعتليت جبلا إلا وظهر جبل جديد فابدأ الصعود من جديد، ولكن مهما طال الصعود فلا بد أن يتبعه النزول. وفعلا شرعت في النزول وطال النزول أيضا حتى أشرفت على وادي بَاكِرْ، فأصبح الطريق مسطحا. بعد الغروب شرعت في تفحص جنبات الطريق بحثا عن مكان للاستراحة الليلية. ولما رأيت مكانا جميلا على ضفة الواد لم أتردد فتوقفت فنصبت الخيمة واستسلمت للنوم العميق.
- صعود، نزول، ٱنعراج، لف، دوران بلا نهاية وفي أقصى درجات العزلة








- نهر باكر










31-1-2013

ضفاف نهر باكر ـ قرب مدينة كُوكْرَنِي: 86 كلم

لقد نسيت أن أشتري مزيدا من الخبز من پْوِيرْطُو يُونْغَايْ عند نزولي من العبارة. والذي اشتريته في بِييَا أُوهِغِينْ Villa O' Higgins يوشك على النفاذ. ربما سأضطر إلى إعداد فطائر لتعويض الخبز حتى أصل إلى كُوكْرنِي. فعلى طول المسافة بين بِييَا أُوهِغِينْسْ و Cochrane كُوكْرَنِي (220 كلم) لا يوجد إلا مكان واحد للتبضع، وهو پْوِيرْطُو يُونْغَايْ Puerto Yungay عند النزول من العبارة. سأرى ماذا أفعل في حينه.

عند منتصف النهار التقيت بدراج ياباني في الإتجاع المعاكس، ولما سألته عن حالة الطريق، بدأ يحرك يده في شكل أمواج. وبالفعل فقد بدأت حالة الطريق تسوء وأصبحتُ أسير وكأنني على أمواج. هذا طبعا يؤثر على السرعة وسيأخر وصولي إلى كُوكْرَنِي. وصلت إلى نهر بَرَّنْكُوصُو Barrancoso وكان هناك ملجئ فقررت أن أتوقف لاستراحة الغذاء. مرت بي مجموعة من الدراجين وكانوا قادمين من كُوكْرَنِي Cochrane فوقفوا للدردشة وتبادل أخبار الطريق فبشروني بالإقتراب من المدينة وفي الوقت نفسه أنذروني بصعوبة الطريق. وبالفعل فقد كان الطريق يلتوي ويطلع لعدة كيلومترات، وكانت الحالة السيئة التي كان عليها بفعل التموج تزيده صعوبة.

أسدل الليل ستاره وكنت على مشارف كُوكْرَنِي، فاخترت مكانا مناسبا لنصب الخيمة، واستسلمت للنوم العميق

- لقاء مع دراج ياباني: !We like it





- مناظر من الطريق











- ارجنتيني، فرنسيان وزوج كندي







1-2-2013

قرب مدينة كُوكْرَنِي Cochrane ـ Puerto Bertrand پْوِرْطُو بِرْتْرَانْدْ: 54 كلم



كنت هذا الصباح مجبرا على الإنطلاق بدون فطوري المعتاد، فالخبز كان قد نفذ وكنت مخيما بالقرب من كوكرني ولذلك لم أكلف نفسي عناء إعداد الفطائر لتعويض الخبز. شربت يوغورت Yoghurt سائل مع كعكة وٱستأنفت الطريق فوصلت إلى كُوكْرَنِي في ظرف ساعة. كانت مدينة صغيرة إلا أنها كانت تتوفر على أبناك ومتاجر كبيرة وتتوسطها ساحة واسعة. هنا كان يصل الطريق الجنوبي حتى أواخر التسعينيات. اتجهت أولا إلى البنك لأسحب مزيدا من الدعم لصندوق الإحتياط. تكللت العملية بالنجاح وبعد ذلك اتجهت إلى سوپرماركت وكان يقابل البنك ويقع على الجهة الغربية للساحة. وبينما كنت أسير عبر الساحة وأدفع الدراجة فإذا بي أرى الفرنسي مَارْصُو الذي التقيته قبل ثلاثة أيام في پْوِيرْطُو يُونْغَايْ. كان واقفا على بعد بضعة أمتار من سيدة تبيع المُربَّى على منصة في إحدى جنبات الساحة وكان يحمل في يده اليسرى وعاء مربى وقد فتحه فيغمس فيه أصبع يده اليمنى ويخرجه فيتفحصه بتمعن فيلحسه وملامح وجهه تقول: إنه ألذ مربى أكلته في حياتي! فناديته:مَارْصُو! أهلا وسهلا! أدار وجهه إلي فابتسم وهو يقول عليك بهذا المربى فإنه ألذ مربى أكلته في حياتي بالإضافة إلى أنه مصدر مهم للكالوريات فقلت:إني أصدقك مئة في المئة. ولكن لا أراها تبيع إلا الأوعية الكبيرة وأنا لا أريد المزيد من الثقل في هذا الطريق السيء. ولكن إحكي لي: كيف استطعت الوصول إلى هنا قبلي وقد تركتك ورائي؟. فأجاب: لقد تعرفت على سائحين كنديين بالكارافان وكانوا في طريقهم إلى هنا فدعوني للركوب معهم فقبلت الدعوة . فقاطعته: ;إنك تغش، فالدراج لا يجب أن يركب وسيلة أخرى من غير الدراجة. فأجاب: ;لا لا فأنا لست متشددا إلى هذه الدرجة وليس لدي كل الحاجيات الضرورية كالخيمة واللباس الواقي لأغامر إذا كان الجو يهدد بالمطر. لذلك فأنا أستعمل الدراجة أحيانا وأخرى أركب الحافلة تودعنا، فاتجهت إلى سوپرماركت واشتريت ما كنت أحتاج إليه فاستأنفت الصعود والنزول في اتجاه قرية پْوِيرْطُو بِيرْتْرَانْدْ Puerto Bertrand. وقد وصلت إليها عند الغروب فنصبت الخيمة على ضفة البحيرة واستسلمت للنوم العميق.


- نهر باكر من جديد







2-2-2013

پْوِيرْطُو بِرْتْرَانْدْ ـ قرب Puerto tranquilo پْوِيرْطُو طْرَانْكِلُو: 60 كلم

لليوم الخامس على التوالي وأنا أسير في الطريق الجنوبي. إنها متعة ولو أن الطريق يتطلب جهدا وتركيزا كبيرين. بينما كنت أكافح لصعود مرتفع، التقيت بسيارة فناداني صاحبها: واصل.. وثابر فمكافأتك منظر رائع عند نهاية المرتفع وحينما اعتليت المرتفع كنت حقا أمام أجمل لوحة طبيعية وكانت متمثلة في بحيرة جميلة محاطة بجبال شاهقة تكلل الثلوج قممها. إنها بحيرة خِنِرَالْ كَارِّيرَا. وصلت إلى هناك عند العصر فقررت أن أحط الرحال على ضفتها وأختم رحلة اليوم في أحضان هذا المنظر الجميل. هنا بدأت حركة السيارات تكثر نسبيا وذلك لوجود ممر حدودي بالقرب من هنا
- مناظر من قرية پْوِيرْطُو بِرْتْرَانْدْ















- الغاوتشو Gaucho = Cow boy وأبقاره







الإشراف على بحيرة خِنِرَال كَرِّيرَا General Carrera
















- الطريق المموج




3-2-2013

قرب پْوِيرْطُو طْرَانْكِلُو - الغابة: 75 كلم
دردشة مع الراعي لُورِنْصُو Lorenzo

جمعت أمتعتي فركبت الدراجة وانطلقت في مشوار جديد. كانت تفصلني 6 كلم على بلدة پْوِيرْطُو طْرَانْكِيلُو Puerto Tranquilo. إسمها يعني الميناء الهادىء، ولكن، بينما كنت أقترب منها وهي ما زالت متوارية وراء تل، كنت أسمع هرجا ومرجا لا يعكس تماما معنى هذه الكلمات. على ما يبدو فالميناء الهادىء قد أصبح هائجا هذا اليوم! أشرفت على القرية وتبين لي على الفور مصدر ذلك الهرج والمرج. فمن فوق التل كنت أرى حلقة الروذيو Rodeo وهي في ذروة النشاط. على منصة مغطاة تعتلي المدرج كان يجلس المنشط. وعبر مكبرات الصوت كان صوته ينتشر في كل أرجاء البلدة، وكان الجمهور يصفرون ويهتفون ويصفقون في حماس. في الحلبة كان فرسان الغاوتشو يتبارون، وخارجها كان آخرون يستعدون للدخول، وآخرون يغادرون وهم يتصايحون ويقهقهون، وكلهم في أجمل حلة وقد وضعوا على أكتافهم برانيص (Poncho) بمختلف الألوان وعلى رؤوسهم قبعات شمسية (Sombreros) .

وصلت إلى مكز البلدة فتوقفت لشراء بعض الحاجيات ثم واصلت الطريق. كانت الشمس تدنو من المغيب حينما وصلت إلى مفترق الطرق قرب بَاهِيَا مُورْتَا Bahia Murta. كان هناك ملجئا فتوقفت لاستراحة الأكل والقهوة. بينما كنت أعد القهوة فإذا بي أرى رجلا ينزل من منحذر امامي ويتجه إلي وهو يتكأ على عصا.حياني فاستأنف مباشرة: ما أسوأ حظي هذه الأيام.. ما أسوأ حظي! هل حصل لك يوما أن تتمنى شيئا فلا تجده، وتجده حينما لا تتمناه؟ فسألته: ماذا حصل؟ فقال لقد قضيت أربعة أيام في الأسبوع الماضي مع باحث فرنسي نجوب هذه المرتفعات للبحث عن الپوما. فأنا أعمل هنا كراع بقر منذ أن كان عمري 12 سنة وأعرف المنطقة بكل شعابها. لقد دفع لي 80 ألف پيصو لأرشده في هذه الجبال بحثا عن الپوما لكن بدون جدوى. أربعة أيام و 80 ألف كلها ذهبت عبثا. والآن وبينما أنا في طريقي إلى هنا فإذا بي أراه يتسلل بين الأشجار فصحت به: اللعنة! أين كنت مختبئا حينما كنت أبحث عنك فقاطعته: ياإلهي! هل يوجد الپوما هنا أيضا؟ وماذا تفعل حينما تراه؟ فأجاب: إسأل بالأحرى: ماذا يفعل الپوما حين يراني. يهرب.. يذهب إلى حال سبيله فسألته: وماذا عن القصص التي سمعتها تتحدث عن أناس اعتدى عليهم أو افترسهم الپوما؟ فأجاب: نعم، يجب أن تحذر إذا كانت أنثى بصغارها. أما في الحالات العادية فلا داعي للخوف فسألته: وهل ممكن أن ألتقي به في الطريق؟، فأجاب: ;في هذا الوقت لا. فهو يتحاشى لقاء البشر ويلتجئ إلى المرتفعات المنعزلة، أما في فصل الشتاء فممكن. حيث أن الجبال تكون كلها مكسوة بالثلوج وتظطر حيوانات الغابة إلى النزول إلى السهل، فيتبعها الپوما أيضا وتجده أحيانا يفترس غنمنا كذلك فيصبح عدونا اللذوذ. أما الآن فنحن في هدنة مؤقتة

دعوته لشرب القهوة، فسألني من أين أتيت وأين أقصد، فأجبته أنني من المغرب فقال: نعم..نعم أعرف ذلك البلد فهو يقع جنوب إسپانيا على البحر المتوسط وينتمي للدول العربية. إنني شغوف بكتب التاريخ والجغرافية لذلك أعرف كثيرا عن دول العالم. أما الروايات فلا أحبها. إنها كلها هرا

شرب القهوة فبدأ يستعد للذهاب: سأذهب لأبيت عند صديق في باهيا مورتا، فغدا عندي موعد مع الطبيب في الصباح الباكر.. لذلك تراني قد غادرت اليوم منزلي في الجبل لأبيت عند صديقي. إسمع، لا أعرف ما هو برنامجك، ولكن على بعد 30 كلم من هنا سترى منزلا بالقرب من الطريق وهو لأحد أصدقائي وهو رجل كريم ومظياف. إنني متأكد بأنه سوف يرحب بك إذا طرقت بابه طالبا المبيت. قل له لقد أرسلك لُورِنْصُو Lorenzo"

توارى لُورِنْصُو شيأ فشيئا في الطريق المؤدي إلى بَاهِيَا مُورْتَا Bahia Murta، واستأنفت أنا الطريق الذي أصبح الآن يسير على ضفة نهر مورتا Murta. غربت الشمس وأسدل الليل ستاره وأنا مازلت أسير على ضفة النهر. فجأة، سمعت نباح كلاب يأتي من الظلام، فقلت لا شك أنني الآن أمر بالقرب من منزل صديق لُورِنْصُو. فعلا، كانت المسافة 30 كلم. لكن لم أطرق الباب وواصلت الطريق وكان يطلع ويفترق عن النهر، وبعد بضعة كيلومترات وجدت مكانا مناسبا للتخييم فحطيت رحالي واستسلمت للنوم العميق.


- على مشارف پويرطو طرنكيلو Puerto Tranquilo







- الروذيو في پويرطو طرنكيلو




- بالقرب من باهيا مورتا Mahia Murta





4-2-2013

الغابة ـ قرب Villa Cerro Castillo بِييَا صِرُّو كَاصْتِيُو : 50 كلم
الطريق الجنوبي: مزيج من المتعة والمعاناة.

أحسست اليوم أنني لا أتقدم كثيرا في هذا الطريق. إنه يتطلب مجهودا وتركيزا كبيرين في جميع الحالات، أكان طالعا، نازلا أم منبسطا. لذلك فإنه يسبب أحيانا نوعا من الإحباط. وهذا هو ما كنت أشعر به هذا اليوم. انطلقت من المكان الذي قضيت فيه الليل فبدأت أنزل حتى وصلت مستوى نهر إِبَانْيِصْ فتحولت حالة الطريق من سيء إلى أسوأ. كان الطريق منبسطا، ولكن غطائه كان رخوا وحجم الحصى كان كبيرا فأصبح من المستحيل ركوب الدراجة فكنت تارة أركب وتارة أترجل وأدفع، وذلك لعشرات الكيلومترات. التقيت بدراجين أستراليين يسيرون في الإتجاه المعاكس فبشروني بالأسفلت على بعد نحو 30 كلم. إنها مسافة صغيرة. ولكن، ونظرا لسوء أحوال الطريق فإنني كنت أراها كبيرة. إنه إحباط لا يتصور! فكنت تسمعني أتذمر وأشتم وألعن على طول الطريق. ومن جانب آخر فالمناظر كانت رائعة وطعمها كالعسل، فتجعلك قادرا على تحمل مرارة الطريق. إنه الطريق الجنوبي: متعة ومعاناة في آن واحد! إن هذه الصعوبات والتحديات هي بالظبط ما يضفي على مثل هذه الرحلات روح المغامرة. هناك مشروع لتعبيد هذا الطريق على عدة مراحل تستغرق بضعة سنوات. لذلك فقد قرأت تقارير لدراجين مروا من هنا قبلي فكانوا ينبهون إلى هذا المشروع وينادون من يريد السفر عبر هذا الطريق أن يعجل بالرحلة قبل يُعَبَّد. وهم بذلك يقصدون أنه بتعبيدها سوف تفقد ميزة المغامرة التي تتسم بها الآن.

لم أكن راضيا بإنجاز اليوم، وكنت أيضا مرهقا فهذا هو اليوم التاسع على التوالي دون استراحة وبتقدم بطيء. بعد المغرب بقليل، و بينما كنت أترجل وأدفع الدراجة، توقفت عندي سيارة فدعاني صاحبها للركوب معه إلى بِييَا صِرُّو كَاصْتِيُو Villa Cerro Castillo. لكن هدفي لم يكن الوصول إلى تلك القرية بكل وسيلة، فشكرته فواصل طريقه. وبعد حوالي ساعة كنت قد أشرفت على القرية. فوجدت مكانا مناسبا لقضاء الليل، فأعددت الخيمة واستسلمت للنوم العميق.

- هاهو المكان الذي قضيت فيه ليلة أمس. جميل هاديء وآمن




- ماذا أصاب هذه الغابة؟





- على ضفاف نهر إِبَانْيِصْ Ibanez




- طريق العذاب




- جبل البرج (2675 متر) Cerro Castillo




5-2-2013

بِييَا صِيرُّ كَاصْتِيُو Villa Cerro Castillo ـ Coihaique كويايكي: 84 كلم
الدراجة والكلاب

لا أعرف ما أصل العداوة التي أراها قد نشأت بين الدراجة والكلاب، فبمجرد رأيتهم لها إلا وينطلقون ورائها فينبحون ويحاولون عض عجلاتها أو الدواستين أو قدمي راكبها. قرأت كثيرا من التقارير لدراجين يشكون من تعرضهم لهجوم من طرف الكلاب الضالة وخاصة في المناطق الآهلة بالسكان. وهناك أيضا من أدخلته المستشفي. إحدى الخطط المقترحة لمواجة أي هجوم من هذا النوع هي التوقف والترجل ببطئ حتى تبتعد أو تتوارى عن الكلب. هناك أيضا من يحمل عصا طويلة مخصصة لردع الكلاب. وأخيرا هناك جهاز إلكتروني يصدر موجات فوق الصوتية فيزعج الكلب ويجبره على الحد من الملاحقة. فيما يخص تجربتي فلحد الآن أعتبر نفسي محظوظا إذ أن الكلاب قليلة في هذه الأراضي القليلة العمران. الحادثة الوحيدة التي تعرضت لها كانت في اليوم الثالث من رحلتي وكان ذلك بين تولوين Tolhuin وريو غراندي Rio Grande. كنت أسير في طريق محاذي لشاطئ البحر ففوجئت بكلب ينبح ويحاول عض قدمي. لقد بدا وكأنه قد سقط من السماء. إذ لم يكن هناك عمران ولم آراه إلا وهو عند قدمي. ذعرت فكدت أفقد التوازن فركلته فهرب وقطع الطريق في الوقت الذي كانت فيه سيارة تأتي من ورائي فكادت تصدمه وتفادته بصعوبة. كنت أتسائل من أين أتى ذلك الكلب، فالمنطقة كانت مهجورة تماما. لكن ألقيت بنظرة على الشاطئ فرأيت كوخا وحيدا على شاطئ يمتد إلى اللانهاية، فقلت أنه ربما أتى من ذلك الكوخ عندما رآني وأنا أقترب

كنت أفكر في هذه الحادثة حينما كنت أغادر بِييَا صِرُّو كَاصْتِيُو Villa Cerro Castillo هذا الصباح وأمامي كنت أرى كلبا واقفا بجانب الطريق وكأنه كان ينتظر مروري للشروع في النباح والملاحقة. كنت أيضا أفكر في خطة لصد الهجوم. لكن بينما كنت أقترب منه وأتفحص ملامح وجهه لاستخبار نواياه لاحظت غياب ذلك التعبير العدواني الذي كنت أتوقع في مثل هذه الحالة. فقد كان وجهه يرسم ابتسامة كلبية وذيله يتحرك يمينا ويسارا وكأنه كان يستقبل أحدا من أهله! ظننت أنها خدعة حرب فأخذت كل الإحتياط وأنا أقترب منه. لكن ما إن مررت به حتى انضم إلى الطريق وصار يتبعني. لقد أصبح الآن رفيق طريقي. ولكن كان كلما مرت سيارة إلا وانطلق يجري نحوها ينبح ويحاول أن يعض عجلاتها! كنت أتصورغيظ السائقين وهم يحاولون تفادى الاصطدام به. ولم أستبعد أنهم كانوا يشتمونني ظانين أنه كلبي. ثم شرعت في تلقينه دروس ظبط النفس، فكنت كلما رأيت سيارة تقترب حتى أقف فآمره بالخروج من الطريق والتزام السكون فيطيعني. أطلقت عليه إسم پِيرُّو Perro وهي كلمة تعني كلب بالإسپانية. فكنت أصيح إليه وأشير: پيرو! إلى الجانب فيخرج من الطريق پيرو! إجلس فيجلس ساكنا. لا أعرف ما إذا كان يتبع نبرتي الآمرة أم إشاراتي أم أنه كان يفهم كلماتي. لكن بالنسبة لي فقد كان ذلك نوع من التسلية خصوصا وقد بدأت اليوم أسير على الأسفلت ونسيت إحباط طرق التراب و الحصى.


ابتعدنا من صرو كاصتيو، فأمرته أن يعود إلى أهله فرفض. ثم شرعت في صعود ممر جبلي ولما اعتليته فكرت في حيلة للتخلص منه، وهي أن أعطيه طعاما ثم أنطلق بينما هو يأكل. إلا أنه حينما رآني أنطلق ترك الأكل جانبا وتبعني! ما العمل إذن وقد ابتعدنا الآن كثيرا من بييا صرو كصتيو؟ شرعت بالنزول فضاعفت السرعة، وكنت أنظر في المرآة فأراه يجري ورائي ولكن المسافة بيننا كانت تكبر وتكبر وتكبر وكان حجمه في المرآة يصغر ويصغر ويصغر حتى توارى إلى الأبد. وداعا.. پِيرُّو Perro!

أسدل الليل ستاره وبدأت أبحث عن مكان لحط الرحال، فوجدت مكانا جميلا فوق شلال وكان خرير المياه يداعب أوتار سمعي برفق ويدندن أغنية النوم فٱستسلمت للنوم العميق

- بِييَا صِيرُّ كَصْتِيُو Villa Cerro Castillo وبداية الأسفلت. ياليل ياعين!!!




- صعود طريق حلزوني أو بالأحرى ثعباني




- رفيق الدرب: پِيرُّو Perro





- ما أجمل الهبوط على الأسفلت




6+7+8 -2-2013

مواصلة الطريق فاستراحة في كويايكي Coihaique

استيقظت في الصباح خرجت من الخيمة فبدأت أتفحص المكان عسى أن يكون پيرو قد لحق بي في الليل فلم أجده. إذن لقد عاد إلى أهله. حسنا فعل! بعد الفطور واصلت المسير وأتممت الكيلومترات القليلة إلى كويايكي. عند الوصول سألت فدلوني على مخيم عند المدخل الشمالي للمدينة فقصدته. كان المخيم صغيرا ويقع على ضفة نهر فكان خرير المياه هو الصوت الوحيد الذي يخترق السكون. أما جيراني في المخيم فكانت عائلة ألمانية شابة تتكون من أب وأم وطفلين في الثانية والثالثة من عمرهما وهم أيضا في رحلة بالدراجات الهوائية عبر الشيلي والأرجنتين! قررت أن يكون هذا مكان إقامتي لبضعة أيام. كنت حقا محتاجا للإستراحة. فأخر يوم استراحة كان في إِلْ تْشَالْتِنْ قبل عشرة أيام

تعتبر كُويَايْكِي أكبر مدينة على طول الطريق الجنوبي (1250 كلم). عدد سكانها يقدر ب 60 ألف نسمة وهي كذلك عاصمة إقليم أَيْسِنْ. إسمها مستمد من لغة السكان الأصليين تِيوِلْتْشِ Tehuelche ويعني المخيم الواقع بين الأنهار أسسست عام 1929 كموقع لدعم المستوطنين الذين قدموا لاستغلال هذه الأراضي وتحويلها إلى مراعي للغنم. قبل إنشاء الطريق الجنوبي في الثمانيات من القرن الماضي كان المنفذ الوحيد الذي يربط المدينة بباقي التراب الشيلي هو ميناء تْشَكَبُوكْو Chacabuco الذي يبعد عنها بحوالي 70 كلم ومن هناك تنطلق الباخرة إلي پْوِرْطْو مُونْطْ (تستغتق الرحلة حاليا حوالي 24 ساعة). هناك إمكانية أخرى عن طريق البر وذلك بالدخول إلى الأرجنتين ثم تتبع الطريق رقم 40 حتي بَرِلُتْشِي ثم الدخول إلى الشيلي من جديد. وهذه الإمكانية الأخيرة هي المفضلة عند من يريد تفادي الطريق الجنوبي الغير معبد ومن لا يستهويه السفر البطيء عبر البحر.

إلى يومنا هذا فقلة الطرق في هذه المنطقة لها انعكاسات مختلفة على حياة السكان. بعضهم ينظر إلى هذه الحالة بنظرة ايجابية ويفكر في خطط لتنمية المنطقة بطرق مستدامة تنسجم مع الخصائص الطبيعية التي تتميز بها ويرى في توسيع شبكة الطرق وتحسينها تهديدا لهذه المنطقة. البعض الآخر يرى أن قلة الطرق وسوء حالتها هو السبب في غلاء المعيشة ويطالب الحكومة بالإستثمار في تنمية المنطقة وفك العزلة عنها بتوسيع شبكة الطرق وتحسينها. في مثل هذه الأيام من السنة الماضية كانت المنطقة تمر بحالة عصيبة، إذ أن غضب الناس على سياسة الحكومة تجاه الإقليم تحولت إلى مظاهرات يومية وفي بعض الحالات كان المتظاهرون يضعون حواجز في الطرق مما أدى إلى شل حركة المرورو عدة مرات ولعدة أيام متتالية

على مشارف كويايكي Coihaique













- المخيم وجيراني الألمان في العمق




- دراجات الجيران




- شارع في كويايكي









هنا تنتهي الحلقة الثالثة. سأضيف بعض لقطات فيديو لاحقا. الحلقة الرابعة ستكون جاهزة قبل 4 مارس. شكرا لاهتمامكم.

 

q8ya metnaqlaمعجبون بهذا.
فريق التطوير غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-10-2015, 02:51 AM   #8

حيث يعمل المبدعون

الصورة الرمزية فريق التطوير
 
تاريخ التسجيل :  Jan 2015
رقم العضوية : 1046
الجنس : ذكر
المشاركات : 685



افتراضي


هذه الحلقة تنطلق من تشايتن Chaiten وتستمر حتى الحدود الشيلية الأرجنتينية



خريطة الحلقة الخامسة:





18-2-2013

العبور إلى جزيرة Chiloe تشلوي


بعد الفطور كانت لحظة الوداع، فاتجه روبين Robin ولوسيانا Luciana إلى محطة الحافلات للسفر جنوبا إلى كُويَايْكِي Coihaique، واتجهت أنا وفِرْنَانْدُو Fernando وپَاوْلاَ Paula ونَاتْشَا Nacha إلى الميناء للعبور إلى كِيُونْ Quellon. أثناء الركوب اتضح لپَاوْلاَ ونَاتْشَا أن تذكرتيهما قد وقع فيهما خطأ، فقد كان تاريخ السفر المحدد فيهما هو يوم الإثنين من الأسبوع الماضي! آه.. ليتهما انتبهتا لهذا الخطأ في وقته! ولكن بعد مفاوضة طويلة مع الكاپتان سمح لهما في النهاية بالركوب.

يقع ميناء كيون Quellon على بعد بضعة كيلومترات من المدينة. وعند النزول هناك ودعت رفاق السفر وتركتهم ينتظرون الحافلة بينما انطلقت أنا في على الدراجة. ولما وصلت إلى مركز المدينة توقفت عند بنك وسحبت ما كنت أحتاجه من النقود ثم واصلت الطريق للبحث عن مكتب الإرشادات السياحية. مررت بمحطة الحافلات فرأيت فِرْنَانْدُو وپَاوْلاَ ونَاتْشَا واقفين قرب مدخل المحطة وكانوا قد حجزوا التذاكر لمواصلة السفر إلى كُوكَاوْ Cucao.اتجهت إليهم فقررنا أن نذهب لتناول سندويش في محل للأكلات الخفيفة أمام المحطة. وفي الوقت نفسه اقترب منا رجل فسألنا ما إذا كنا محتاجين إلى مخيم، وقال أن لديه مكانا للتخيييم في حديقة المنزل. رحبت بالفكرة، إذ أنني كنت أريد أن أقضي اليوم هنا وأنطلق غدا إلى كَاصْتْرُو Castro. فسألته ما إذا كان بإمكانه انتظاري ريثما نأكل سندويتش، فرد بالإيجاب.

قصدنا محل الأكلات الخفيفة، جلسنا فأتى النادل بالسندويتشات وما إن شرعنا في الأكل حتى أتى صاحب المخيم فوقف عند الباب ينتظر. أحسست بالضغط فوضعت السندويتش في كيس وأخذته معي ثم ودعت رفاقي وانصرفت. كان الرجل يتقدمني وأنا أتبعه وأدفع الدراجة. كان شخصا قليل الكلام فلم نكن نتبادل إلا الكلمات الضرورية. وبعد صمت طويل، إلتفت إلي وسألني:ألا تعطيني ذلك السندويتش إذا لا تأكله؟ تعجبت للطلب. لم أكن أتوقعه ممن سأكون ضيفه بعد قليل، فسألته عفوا، ماذا تقصد؟ فأجاب: إنني جائع لم آكل شيئا طوال اليوم. فازدادت حيرتي فسألته:ولماذا لم تأكل؟، فأجاب: ليس لدي ما يكفي من النقود لذلك أقتصر على وجبة واحدة في اليوم...في المساء فقط . أعطيته السندويتش وقنينة فانتا فبدأ يأكل. فسألته: وهل تشتغل؟، فأجاب: نعم، أحيانا في السوق، وأحيانا في المحطة لكن الأجر الذي أتقاضاه لا يكفي . بدأت أفكر وأتسائل هل من المعقول الذهاب للمبيت عند شخص ليس عنده ما يأكل؟ هل سيكون مكانا آمنا؟ وهل يعقل أن يعامل صاحب مخيم زبنائه بهذه الطريقة؟ ألم يكن من الأحسن الإنتظار حتى أدفع له ما يستحقه على المبيت فيذهب ويشتري ما يأكل. وهل سأجد هناك في المخيم نزلاء آخرون، أم سأكون أنا الوحيد؟ كنت أتخيل عدة احتمالات سلبية. ومن جهة أخرى فلم أكن لدي أدلة كافية للتشكيك في نواياه. فلو كان كذلك وكان ينوي استدراجي إلى فعل شر لما عاملني بهذا السلوك المنفر. كان لغزا وكنت كل الوقت أسير ورائه وأفكر في الحل

كانت حيرتي أكبر حينما وصلنا إلى أحد الشوارع فاتجه إلى منزل جميل ففتح باب السياج ودخل. رأيت بعض الخيام في الحديقة فاطمأننت لكن كنت أتسائل: أهذا هو منزل من يقضي النهار جائعا؟ لكن حينما وصل إلى باب المنزل رأيته يقف ويظغط على الجرس وسمعت صوتا جهورا يأتي من الحديقة، فرد عليه: پلار Pilar! ها هو أحد.. ثم نظر إلي وقال: تقدم.. تقدم.. أدخل إلى الحديقة ثم ودعني وانصرف في اتجاه المحطة. بعد ذلك، انجلى كل شيء فانحل اللغز واتضحت خيوط القصة، فالرجل ليس بصاحب الدار ولا المخيم وإنما على ما يبدو فهو مجرد وسيط.

هذا هو الجديد في رحلتي إذن. لقد رجعت إلى العالم العادي بكل جوانبه، وبدأت أصطدم بمختلف
الظواهر الإجتماعية، ولأول مرة أسمع كلمات مثل إحترس! إحذر! تجنب وغيرها.




پاولا وناتشا والفرحة بنجاحهما في إقناع الكاپتن




مغادرة تشايتن





الإقتراب من ميناء كيون




مخيم في حديقة مارتا







ميناء لقوارب الصيد




زورق ينتظر الصياد




لوحة تشير إلى طريق الإخلاء في حالة تسونامي




19-2-2013

يوم استراحة بكيون


استيقظت في الصباح على صوت پلار Pilar وهي في حديث مع أحد المخيمين.. فهي سيدة ذات شخصية اجتماعية وتحب الدردشة. تعرف كل الناس وتتحدث في كل المواضيع. تنطلق في الصباح، ولا تسكت عن الكلام حتى يدركها الليل، فتراها تتحدث مع الجيران ومع المخيمين والباعة المتجولين وكل من هب ودب. كانت تتحدث بصوت جهور وقوي، وكنت أتتبع الحديث بكل تفاصيله من داخل الخيمة، ولما هيأت الفطور انظممت أنا أيضا لحلقة الدردشة. كانت پلار تحكي عن المدينة وضواحيها والأماكن التي تستحق الزيارة. كان الجو مشمسا، وكانت الدردشة في الحديقة مؤنسة، فغيرت رأيي وقررت أن أمدد إقامتي بكيون Quellon ليوم أو يومين إضافيين
أثناء رحلتي الإستكشافية للمدينة لاحظت وفرة كميات كبيرة ومتنوعة من الخضر والفواكه الطازجة وبثمن مناسب. وهذا بخلاف الجنوب حيث وجودها شحيح وثمنها مرتفع بسبب البعد وتكلفة المواصلات

20-2-2013

يوم استراحة إضافي بكيون


كباقي مدن تشلوي Chiloe، تعتمد كِيُونْ Quellon على البحر في تنشيط اقتصادها. كان الصيد التقليدي يعتبر أهم حركة اقتصادية في المنطقة، لكن في العقود الثلاثة الأخيرة أصبحت تربية الصلمون هي التي تسيطر وتحدد النمو في المنطقة. كنت أفكر في شراء الصلمون لإعداد الغذاء فسألت پلار عن سوق السمك. لكن، بدل أن تدلني على الطريق إلى السوق بدأت في سرد قصة طويلة عن مراكز تربية الصلمون، فنبهتني إلى أن الصلمون الموجود في السوق يأتي من تلك المراكز. وهذه الأخيرة تعمل على تكثيف الإنتاج بطرق تنعكس سلبيا على صحة الصلمون. ولتفادي انتشار الأوبئة وإتلاف الإنتاج، يلتجأ المربون إلى استعمال كميات كبيرة من الأدوية والمضادات الحيوية. ولهذا فلا أحد يعرف ما إذا كان الصلمون المعروض في السوق سالما من بقايا تلك الأدوية، خاصة وأن المراقبة من طرف المصالح المختصة شبه منعدم. ولهذه الأسباب فإن پلار لا تأكل الصلمون ولا تنصح بأكله. وكعادتها فقد أسهبت في الحديث وتناولت موضوع الصلمون من كل جوانبه، فاستأنفت بنبرة غاضبة نحن السكان الأصليون في هذه الجزيرة قد ورثنا هذه الأرض أبا عن جد، ونحن نعيش هنا منذ الأزل وعشنا دائما في انسجام مع محيطنا. كانت الأرض ملكا لنا نتصرف فيها حسب ما تمليه مصلحتنا الجماعية، فأتي أصحاب النفوذ مؤخرا من كل حد وصوب فاشتروا الأراضي، فأصبحنا الآن محرومين من التجول في الجزيرة واستغلال أراضيها كما اعتاد أجدادنا. أما البحر فقد أصبح ملكية لشركات تربية الصلمون فلوثوه فأبادوا السمك الذي كنا نصطاده بطرقنا التقليدية وحرمونا من مصدر قوتنا فأصبح أغلب الصيادون يتشردون في الشوارع بدون عمل وفي فقر مدقع.

كان حديثا طويلا ومفيدا أيضا. كنت قبل سماعه لما أرى سمكة كان أول ما يأتي إلى ذهني هو الزيت والملح والمقلاة والسلاطة والآن أصبحت أراها وهي محاطة بشتى الحقول المعرفية.



21-2-2013

كيون Quellon ـ نواحي Chonchi تشنتشي: 77 كلم


ما ألذ الإسترخاء تحت أشعة الشمس والإستمتاع بالدردشة في الحديقة! فبعد أيام المطر في الطريق الجنوبي، هاهي الشمس تسطع طوال اليوم في السماء الصافية وتبعث الدفئ في كل مكان فيحلو الخمول وتصبح كل حركة عبئا كبيرا يجب تجنبه بكل ثمن. لكن كنت أحس بأنني قد استرحت بما فيه كفاية والآن قد حان وقت الإنطلاق. بعد الغذاء بدأت أهيء أمتعتي استعدادا للرحيل. كان جيراني ينظرون إلي ويسألون كيف يمكن أن أحمل كل تلك الأكياس المليئة على الدراجة. وتعجبوا حين رأوا أن العملية لم تستغرق إلا دقيقة واحدة حتى أصبح كل كيس معلقا في مكانه! ودعت پلار والمخيمين فانطلقت.

بينما كنت في طريقي للخروج من المدينة، مررت بأحد الشوارع المكتظة بالسيارات فإذا بي أرى سكيرا يمشي أمامي على الهامش الذي كنت أسير فيه، وكان يترنح يمينا وشمالا، فكلما حاولت تجاوزه من اليمين مال هو أيضا إلى اليمين، وإذا حاولت من اليسار مال هو أيضا إلى اليسار. فصرت أتبعه بسرعة حفيفة وأتحين الفرصة لتجاوزه. لكن، بدا وكأنه أحس بحركة ورائه، وبعد جهد جهيد توقف والتفت إلى الوراء فتوقفت أنا أيضا. نظر إلي وتفحصني بتمعن وتفحص الدراجة ورسم علامة الدهشة على وجهه فسألني، أو بالأحرى تسائل: ما هذا؟ ما هذا الذي يسير ورائي بكل سكون؟ أهي دراجة نارية؟.. لالا.. دراجة هوائية..لا مستحيل! تبدو وكأنها دراجة نارية... لالالا.. إنني في حيرة.. قل لي يا هذا.. أهي دراجة نارية أم دراجة هوائية ؟ كنت أريد أن أخلصه من حيرته، لكن ضحكت وقلت: إنها دراجة نارية ألا تسمع صوت المحرك؟;. حكيت له قصتي باختصار فازدادت حيرته. كان رجلا قصير القامة، غليظ البدن، أحمر الوجه والعينين (بفعل الخمر طبعا)، متدلي البطن وقد غطاه بقميص صوفي. وكان يلبس سروالا هابطا حتى أصبح يحتك بالأرض. أما رأسه فقد كان مغطيا بقبعة من الصوف تميل إلى الأمام فتغطي كل جبهته وتتجاوز الحاجبين. وكان حين يتكلم يتبع كل جملة بغمزة وكل غمزة يرافقها بعبارة هِييهْ . وبفعل كثرة الغمز فقد كان فمه يميل إلى اليسار وعينه اليسرى أصغر من اليمني. وعلي الرصف المقابل كان يقف شرطي يراقب الموقف بنظرة ثاقبة وهيأة تعبر عن حالة تردد وكأنه كان يريد التدخل ثم يرى تعاملي المرن مع الحالة فيتراجع. كان السكير يحس بتلك الأعين فاقترب مني ثم قال بصوت منخفض : إسمع جيدا يا صديقي (غمزة/هييه)...أنا مپوتشي (غمزة/هييه)... هل تعرف من هم المپوتشي؟ (غمزة/هييه)... هم ناس أحرار وكرماء (غمزة/هييه) (المپوتشي = سكان جنوب الشيلي الأصيون)..صديقي.. لا أريد أن أزعجك لكني (غمزة/هييه).. محتاج لبعض النقود لشراء ما آكله (غمزة/هييه) قلت له أن يتبعني إلى الشارع الرئيسي، فرد لالالا.. أريد كمپليتو من ذلك السناك قصدت السناك فاشتريت له كمپليتو وتمنيت له شهية طيبة وانطلقت

بمغادرتي تشايتن في اتجاه تشلوي أكون قد غادرت الطريق الجنوبي. غادرت العزلة ودخلت مناطق تكثر فيها التجمعات الحضرية وتمتاز بكثافة سكانية مرتفعة نسبيا. الجانب الإيجابي لهذا الإنتقال هو عدم الحاجة لحمل الكثير من الطعام والشراب. أما من سلبياته فهناك وجود حركة كثيفة وضجيج كثير على طول الطريق كان الطريق مكتضا بالشاحنات. لكنه كان يتوفر على كتف واسع جعلني أحس بالسلامة وأتمتع بالمناظر بدون توتر. كنت أنظر إلى الحقول المترامية أمامي والمنازل المتناثرة هنا وهناك على طول الطريق فتيقنت أنني قد عدت بالفعل إلى العالم العادي. ففي المراحل السابقة كنت لا أرى عمرانا حتى أصل إلى مدينة أو قرية ما. أحيانا أسير 100 كلم أو أكثر دون رؤية أي بنيان أو إنسان. تتكون تضاريس الجزيرة في غالبيتها من التلال الصغيرة، ولذلك فالطرق هنا يتناوب فيها الصعود والنزول باستمرار. هناك اشغال جارية لحذف التلال الصغيرة أو النقص من حدة ارتفاعها.

أدركني الليل وأنا لم أصل بعد إلى كاصطرو Castro. رأيت طريقا فرعيا صغيرا فتبعته حتى أبتعد قليلا عن الطريق الرئيسي ولما وجدت مكانا ملائما للتخييم، حطيت رحالي فنصبت الخيمة ثم استسلمت للنوم العميق.





طرق تشيلوي














22-2-2013

نواحي تشنتشي Chonchi ـ Castro كاصطرو: 15 كلم


استأنفت السير إلى كاصطرو Castro ووصلت هناك بعد ساعة ونصف. كنت أريد القيام بجولة عبر المدينة ثم الإستمرار إلى أنكود Ancud. لكن، ما إن وصلت إلى ساحة المدينة وشرعت في التقاط بعض الصور لكنيسة صان فرنسيسكو حتى بدأ المطر بالسقوط. كنت أظن أن ذلك لا يدوم طويلا. لكن لما وليت وجهي شطر الغرب رأيت السحب تتلبد وتغطي السماء الأزرق بلحاف داكن وتتقدم فترسل إلى الأرض مطرا غزيرا أجبر كل من كان يتجول في الشارع للهرع بحثا عن ملجئ. انتظرت تحت مظلة أحد المتاجر، إلا أن المطر لم يتوقف. كنت مصمما على مواصلة السير فلبست اللباس الواقي وانطلقت. لكن حينما رأيت نزلا في أحد الشوارع الجانبية للشارع الرئيسي ، أحسست بالدراجة تميل نحوه فأعلنت انهزامي أمام المطر واتجهت إليه بحثا عن المبيت

كانت قاعة الجلوس تتوفر على مكتبة صغيرة وفيها كتب بمختلف المواضيع، لكن ما شد انتباهي هي بعض الكتيبات التي كانت محطوطة علي المائدة. وجودها هناك كان يدل على اهتمام النزلاء بها. من خلال عناوينها علمت أنها تتحدث عن خرافات تشلوي Chiloe. بخلاف مخيم كيون Quellon حيث كانت پلار Pilar تحب الحديث في المواضيع السياسية والإجتماعية والبيئية، فالمواضيع المفضلة عند أهل هذا النزل هي الثقافة والفن، وكان موضوع خرافات تشلوي يعود من وقت لآخر إلى حلقة الدردشة. تشتهر الجزيرة بخرافاتها، والتي كان يستعملها السكان الأصليون لتفسير كل ما استعصى عليهم فهمه بالعقل. فميلاد الجزيرة حسب إحدى هذه الخرافات كان نتيجة لصراع طويل بين قوى الخير وقوى الشر. الأولى كان يجسدها ثعبان الأرض تين تين Ten Ten، والثانية يمثلها ثعبان البحر كاي كاي Kay Kay. كانت تشلوي أنذاك جزأ لا يتزجأ من القارة الأمريكية، فكانت تتعرض باستمرار لهجمات من ثعبان البحر تين تين الذي كان يحاول إغراقها، وكان ثعبان الأرض كاي كاي (قوى الخير) يتصدى لتلك الهجمات ويعمل على إنشاء أماكن آمنة للسكان برفع الأرض وتحويلها إلى تلال. وهذا ما يفسر كثرة التلال في الجزيرة. فكرت: من يدري فربما قد تكون الأعمال التي تجري الآن في الطرق لحذف وتخفيض التلال مؤامرة من الثعبان تين تين في محاولة جديدة لإغراق الجزيرة!

هكذا أكون الآن قد كونت صورة متكاملة حول الجزيرة . لذلك شكرت المطر الذي أرغمني على الجوء إلى هذا النزل. فلكل حادث سلبي جانب إيجابي، والعكس صحيح






البحر والتلال بين تشنتشي وكاصطرو







الساحة المركزية بكاصطرو




كاتدرائية صان فرنسيسكو بكاصطرو




منازل جميلة



23-2-2013

كاصطرو Castro ـ نهر Puntra پونترا: 41 كلم


استيقظت في الصباح وكان المطر مازال يسقط بدون انقطاع. لذلك فهمي الأول كان الإطلاع علي التوقعات المنتظرة في حالة الطقس. دخلت أحد المواقع، وقرأت أن المطر يتوقف بعد الظهر. أعددت كل شيء للإنطلاق وجلست أنتظر. توقف المطر وكانت الساعة قد تجاوزت الخامسة فودعت أهل النزل والنزلاء وانطلقت.

كنت أنوي السير لجزء كبير من الليل لكسب الوقت الضائع. وبعد 40 كلم توقفت عند ملجئ للاستراحة. وبينما كنت أعد الموقد لإعداد القهوة رأيت رجلا يخرج من منزل بجانب الطريق ويتجه نحوي. كان اسمه ماركوص. حياني فسألني كالعادة من أين أتيت وأين أقصد، فعرضت عليه مختصرا من قصتي للمرة الألف. لكن حينما قلت له أنني أريد الإستمرار بعد شرب القهوة نصحني بألا أفعل فقال أن في عطلة نهاية الأسبوع، وخاصة أثناء الليل، فهناك من الناس من يسوق وهو في حالة سكر فيكون الطريق خطيرا للغاية، بالإضافة أن الكتف كان سيختفي بعد نصف كيلومتر أو أقل. ثم سألني هل كان لدي خيمة، فدعاني للذهاب وقضاء الليل في حديقته: أنصحك بأن تذهب إلى حديقة منزلي وتنصب خيمتك فتقضي الليلة في أمان وتستمر رحلتك غدا في الصباح

قبلت نصيحته وعملت باقتراحه فاتجهت للتخييم في حديقته بينما استمر ماركوص إلى منزل والديه. لكن بعدما انتهيت من نصب الخيمة رأيته يتجه نحوي. لقد أتي هذه المرة ليدعوني إلى بيت والديه حيث كانت العائلة كلها مجتمعة لقضاء عطلة نهاية الأسبوع. قبلت الدعوة بكل فرح فكانت جلسة عائلية مؤنسة وكانت قصتي ورحلاتي من بين أهم مواضيع الحديث.




الإستعداد لمغادرة كاصطرو






پلفيتوس Palafitos أو منازل على أعمدة من خشب




24-2-2013

نهر پونترا Puntra ـ مشارف Puerto Montt پويرطو منط: 106 كلم


انطلقت في الصباح فبدأت بالصعود. ولكن تشلوي لا توجد فيها جبال عالية. فبعد كيلومتر ونصف كنت قد اعتليت التل وشرعت في النزول. تحولت الحقول إلى غابة وكانت أغصان الأشجار والأعشاب البرية قد زحفت على الطريق فغطت كتفه. فأصبحت أسير على الجزء الذي تستعمله السيارات. لقد صدق ماركوص إذن، وقد فعلت خيرا باتباع نصيحته. وصلت إلى أنكود Ancud عند الظهيرة. بعد الأكل اتجهت إلى ساحة المدينة حيث يوجد مكتب الإرشادات السياحية. فقد كنت أريد السؤال عن أوقات العبور من Chacao تشاكاو (30 كلم من أنكود) إلى پاروا Pargua. بينما كنت أتمشى في وسط الساحة وأنظر في كل الإتجاهات بحثا عن المكتب سمعت صوتا يناديني باسمي فلم أكترث. لم أكن أتوقع أن ألتقي في هذه الأراضي النائية بشخص يعرفني. ثم ما لبثت أن رأيت أمامي پاولا Paula وهي تلوح إلي بيدها. يالها من صدفة! وعلى كرسي بالقرب منها كان يجلس فرناندو Fernando وناتشا Nacha. كان هؤلاء زملاء السفر. إلتقينا في تشايتن Chaiten وافترقنا في كيون Quellon وها نحن نلتقي من جديد. كان لقاء قصيرا ثم أنطلقت لمواصلة الطريق إلى تشاكاو Chacao ومن هناك العبور إلى پاروا Pargua.
استغرق العبور نصف ساعة. وبعد النزول في پاروا انطلقت في اتجاه پويرطو منط. كان هناك عمران كثير على طول الطريق. حين اقتربت الشمس للمغيب بدأت أسأل الناس عن نزل أو مخيم، لكن لا وجود لشيء من هذا القبيل. وكالعادة، انتظرت حتي يسدل الظلام جناحه فتسللت إلى ساحة كبيرة على جانب الطريق تتوسطها أشجار قصيرة فنصبت الخيمة واستسلمت للنوم العميق.





ميناء أنكود




الطريق إلى أنكود




عبارة تشكاو/پاروا

25-2-2013

مشارف پويرطو منط Puerto Montt ـ پويرطو منط: 25 كلم


كانت رحلة اليوم قصيرة. وصلت إلى پويرطو منط ودخلت المدينة من الناحية الجنوبية فكان أول ما رأيت هو حي أنغلمو Angelmo المشهور بسوق السمك ومحلات الصناعة التقليدية. اتجهت إلى النزل الذي أقمت فيه في رحلاتي السابقة، لكن لم يكن لديهم مكان شاغر. سلمني أحد المكلفين ورقة فيها بعض العناوين لأماكن بديلة فغادرت. وأخيرا وجدت ضالتي في حي بغرب المدينة وهناك حطيت الرحال

تقع پويرطو منط على بعد 1000 كلم جنوب العاصمة صانتياغو Santiago وهي عاصمة إقليم البحيرات (في الحقيقة فإسم الإقليم يجب أن يكون: إقليم البحيرات والبراكن). أسست في عام 1853 وكان للمستوطنين الألمان، الذين كانوا يقيمون في عدة مستوطنات حول بحيرة يانكوي Llanquehue، دور كبير في هذا الحدث. لقد كانت المنطقة كلها غابات كثيفة ويسود فيها شجر ألرس Alerce الذي يمتاز بصلابته. وبسبب هذه الخاصية فقد كان مطلوبا لاستعماله في تشييد المنازل. ولذلك فالآن يصعب أن ترى هذا النوع من الشجر في السهول ولم يبقى منه إلا بعض الجذوع هنا وهناك كشاهد على صلابتها، وتحولت المنطقة كلها إلى حقول ومراعي. آخر معقل يمكن فيه رؤية شجر ألرس هي المرتفعات الجبلية الواقعة بين الشيلي والأرجنتين. ولحمايته من الإنقراض فقد قامت السلطات مؤخرا بإعلان هذه المناطق كمحميات طبيعية، ومن أهمها وأقربها إلى پويرطو منت المنتزه الوطني ألرس أندينو Parque Nacional Alerce Andino

بعد تأسيسها أصبحت پويرطو منط محطة لانطلاق الحملات الإستيطانية إلى الجنوب ولدعم الوستوطنين في تلك المناطق. يعتبر ميناء المدينة من أهم الموانئ حيث منه تنطلق الرحلات البحرية إلى تشلوي Chiloe، تشايتن Chaiten، پويرطو تشاكابوكو Puerto Chacabuco (قرب كويايكي Coihaique) وپويرطو نطالس Puerto Natales في أقصي الجنوب. حينما زرت المدينة لأول مرة في عام 1999 وجدتها وكأنها كانت تتخبط للنهوض والإقلاع على وتيره أسرع. كان اقتصاد المنطقة يرتكز على الفلاحة والصيد والخشب. إلا أن أغلب الأراضي الفلاحية كانت تعتمد علي وسائل تقليدية. وكذلك كان الصيد البحري. في التسعينيات بدأت عصرنة هذه القطاعات، حتى أصبح قطاع تربية الصلمون من أهم القطاعات الإقتصادية في منطقة البحيرات من حيث المداخيل وفرص العمل. أضف إلى هذا فقد عرف القطاع السياحي نموا هاما. فمنطقة البحيرات منطقة سياحية بمعني الكلمة وتتوفر فيها عدة أنواع وأشكال الترفيه والإستمتاع بالمناظر الطبيعة. كل هذه التطورات غيرت معالم پويرطو منط فأصبحت مدينة في توسع دائم




شارع مزدحم وسط پويرطو منط







الكورنيش




عملاقي پويرطو منط




محلات الصناعة التقليدية بحي أنغلمو











26-2-2013

استراحة في پويرطو منط
يوم الحسم


خصصت هذا اليوم للتجول في المدينة وأكل السمك في سوق أنغلمو. في المساء طلعت إلى غرفتي وجلست أفكر في مخطط الرحلة. رجعت إلى المخطط الذي رسمته قبل أيام في پويواپي Puyuhuapi، فاستعبدت الرجوع إلي تشايتن Chaiten عبر هرنپيرن Hornopiren والدخول إلى الأرجنتين عبر فوتليوفو Futaleufu. لا أريد العودة إلى الطريق الجنوبي والمطر. كذلك فلقد تلاشى حلمي ولم أعد أفكر في بالوصول إلى أقاليم شمال غرب الأرجنتين مثل كتماركا Catamarca. على ما يبدو فالوقت لا يسمح لي بمداعبة هذا الحلم. كنت أفضل الإنطلاق غدا إلى الحدود الشيلية الأرجنتينية عبر إنصناذا Ensenada و إنتر لاغص Entre Lagos ثم الإتجاه إلي صان مارتن San Martin de los Andes عبر طريق البحيرات السبعة. بعد ذلك، تأتي عدة خيارات للرجوع إلى تشيلي وقضاء ما تبقى من إجازتي في إقليم البحيرات ثم التقدم شمالا عبر إقليم الأنهار، ثم المدن الشاطئية إلي بالپرايسو Valparaiso والإنتهاء في صانتياغو santiago. استسلمت للنوم وأنا في سلام مع نفسي. فلا مجال للأحلام البعيدة المنال. نهاية الرحلة ستكون في صانتياغو. أكثر من هذا يبدو مستحيلا


27-2-2013

پويرطو منط Puerto Montt ـ Ensenada إنصناذا: 64 كلم
حنين إلى المغرب


استيقظت من النوم وأنا في حرب مع نفسي. اطلقت العنان للأحلام البعيدة المنال وقررت: صانتياغو لن تكون نهاية الرحلة! فتحت النوتبوك وفتحت غوغل خرائط فبدأت أعد المسافات و الأيام وأجمع وأقسم فكانت النتيجة: النهاية ستكون في كتماركا أحد أقاليم شمال غرب الأرجنتين وعلى بعد أكثر من 1000 كلم من صانتياغو. كنت أحس أن المخطط الذي رسمته ليلة أمس تنقصه روح المغامرة ويسيطر عليه جو الخمول. بعكس الطريق الجنوبي، فالرحلة إلى صانتياغو تمر بمناطق آهلة وطرق مزدحمة. هي مناطق ممتازة للسياحة، حيث أن الطبيعة خلابة وكل الأنشطة السياحية ووسائل الترفيه متوفرة. لكن تنقصها التحديات والصعاب التي تستهوي المغامر. أضف إلى هذا، فمغامرتي لحد الآن تبدو وكأنها نزهة في دزني لاند. رغم القفار والأدغال التي مررت بها، فإنني ما صارعت ليثا ولا اختطفني الهنود الحمر ولا سُرقت دراجتي ولا تهت في الصحراء فنفذ الماء..إنها تخلو تماما من الأحداث المشوقة التي تسيطر على خيال المستمع أو القارئ فيطلب المزيد. إذن سأحاول أن أندفع بسرعة إلي صانتياغو ثم التيه شمالا إلى الأرجنتين بحثا عن العناصر التي تجعل هذه المغامرة تستحق هذا الإسم

بعد الفطور ذهبت إلى حديقة النزل وشرعت في تنظيف وتزييت الدراجة وتفحص حالتها حتى أصبحت على أتم الإستعداد للمرحلة المقبلة. كنت محتاجا لمرآة لتعويض التي تكسرت منذ ثلاثة أيام. فهي ضرورية في مثل هذه المدن الكبيرة والطرق المكتظة. قصدت بعض المتاجر إلا إنها كانت مغلقة لاستراحة الظهيرة، فانتظرت حتى الساعة الرابعة ثم ودعت أهل النزل وانطلقت في اتجاه إنصناذا Ensenada على بحيرة يانكوي Llanquehue. وصلت إلى پورطو باراص Puerto Varas فوجدت هناك معرضا للصناعة التقليدية والمأكولات المحلية. كما ذكرت سابقا، فالمستوطنون الأوائل لهذه المنطقة كانوا من أصل ألماني وقد تركوا أثرهم في مختلف المجالات. لذلك فپويرطو باراص ونواحيها مشهورة بكعكها الألماني كوخن Kuchen. وإذا زرت المدينة ولم تأكل كوخن فإنه كما لو أنك لم تزرها. وكان في المعرض عدة محلات لبيع الكعك بمختلف أنواعه وأشكاله، فتقدمت إلى أحدها واشتريت قطعة ثم طلبت قهوة فقطعة ثانية وكنت على وشك شراء ثالثة، إلا أنها كانت قطعا كبيرة فعدلت عن ذلك.

غادرت پويرطو باراص Puerto Varas وأصبحت أسير في طريق جميل على ضفة بحيرة يانكوي Llanquehue وأستمتع بالمناظر. فجأة سمعت صوتا غريبا يأتي من العجلة الخلفية. توقفت وتفحصت العجلة، لكن لم أرى شيئا غريبا. دفعت الدراجة ثم عاد ذلك الصوت من جديد. بعد فحص ثاني اكتشفت المصدر وكان ضربة قاسية لأحلامي. لقد تقطع الإطار المطاطي الخارجي وحصلت في جانبه فتحة واسعة. وبفعل الظغط من الداخل أصبح مكان الفتحة منتفخا مما جعل الإطار يحتك بالفرامل. لم أكن أتوقع مثل هذه الضربة في هذه المرحلة. فقد فقد كنت أستعمل إطارات من نوع شوالب Schwalbe وهي تمتاز بجودة عالية. أكدت التجارب والتقارير أن عمرها يمتد إلى 7000 كلم وأحيانا يصل إلى 10000 كلم. لكن، ها هي إذن وقد خارت قواها بعد 2600 كلم! كنت أركل الأرض وأشتم وألعن بلا حدود. أخيرا قمت بإصلاح مؤقت وأرخيت الفرامل الورائية حتى لا يحتك بها الإطار، ثم واصلت السير إلى إنصناذا وأملي ألا يتعقد المشكل.

بدأت أشكك في إمكانة إنجاز المخطط الذي رسمته هذا الصباح. فهو لا يقبل أي تأخر. لكن ما حدث اليوم لا شك أنه سيؤخرني يوما كاملا. إذ لا بد من العودة غدا إلى پويرطو منط Puerto Montt لشراء إطار جديد. كنت حزينا ومشحونا بطاقة سلبية قابلة للإنفجار لأتفه الأسباب، وكانت أفكاري شاردة ولم أعد أكترث بالمناظر الجميلة. فجأة انتابني إحساس غريب، وبدون شعور شرعت أدور برأسي إلى مختلف الجهات وأنفي مرفوعا في الهواء وكأنه جهاز رادار يحاول التقاط شفرات مبهمة حملها الأثير من بعيد. وفي وقت وجيز كانت كل خلايا دماغي تعمل بسرعة ملايين ميغابايت في الثانية (!) لتختزل وتحلل المعطيات وتربط المحيط بالذاكرة لتحدد مصدر ذلك الإحساس. وفي الأخير تعرفت على المصدر: إنها رائحة أشجار الأكلپتوس Eucaliptus! أظن أن دماغي كان يحاول ربط تلك الرائحة بذكرياتي في المغرب فاختلط لديه الزمان بالمكان وتقلصت المسافات، فنتج عنه ذلك الإحساس الغريب! كانت أشجار الأكلپتوس منتشرة على جنبات الطريق، وكانت هذه أول مرة خلال هذه الرحلة أرى هذه الأشجار وأشم رائحتها. وهذه دلالة على أنني قد دخلت منطقة المناخ المتوسطي والتي تمتد حتي صانتياغو. لقد حملتني هذه الرائحة المفعمة على جناح الأشواق وحطتني في القرية التي ترعرعت فيها بالمغرب حيث كانت اشجار الأكلپتوس تصطف على جنبات الطريق الذي يمر بها. كنا صغارا وكنا نذهب للعب وتسلق تلك الأشجار فكان ذلك العطر يملأ أنوفنا. وخاصة في الصيف عند الغروب أو في المساء بعد يوم حار كمثل هذا اليوم، فحينئذ يكون عطرها قد بلغ ذروته. هل كنت في تلك الأيام أعرف أنه سيأتي يوم وأجد نفسي في هذا الطريق الطويل البعيد وهذا العالم الغريب فأمر بهذه الأشجار وتطلق رائحتها المفعمة لتذكرني بتلك الأيام وذلك المكان؟

فكرت في المسافة المسجلة في العداد فتعجبت لغرائب الصدف. فلو كنت خرجت من هولندا في اتجاه المغرب لكنت اليوم قد وصلت إلى ذلك الطريق الذي يؤدي إلى قريتي، ولكنت الآن أشم رائحة أشجار الأكليپتوس المصطفة على جنباته . فالمسافة من هولندا إلى هناك هي 2600 كلم. وهي نفس المسافة التي قطعتها إلى حد الآن من أصوايا Ushuaia إلى هنا. بدأت أحلم برحلة كهذه إلى المغرب، أو من المغرب إلى المشرق فنسيت مشكل الإطار وتحولت الطاقة السلبية إلى شحنة من التفكير الإيجابي، فوصلت إلي إنصناذا بدون أن أحس بالوقت والتجأت إلى مخيم على شاطيء بحيرة يانكوي للإستراحة الليلية.





منظر من مدينة پويرطو باراص




وبدأت المتاعب



28-2-2013

بالحافلة إلى Cochamo كتشمو


كان برنامج اليوم هو ركوب الحافلة والعودة إلى پويرطو باراص Puerto Varas أو پويرطو منط Puerto Montt لشراء إطار جديد. لكن لم أكن متحمسا لقضاء يوم آخر مشتغلا و منشغلا بمسائل بالدراجة. تركت أمتعتي عند صاحب المخيم وركبت الحافلة في اتجاه كتشمو وهي قرية جميلة تقع في خليج رلنكابي Reloncavi على بعد 40 كلم جنوب إنصناذا Ensenada. لقد سبق لي أن زرتها أثناء رحلة 1999 ومرة أخرى خلال رحلة 2003 ولا بد من زيارتها هذه المرة أيضا وزيارة العائلة التي أقمت عندها في الرحلات السابقة. فهم أناس طييبون وتحلو معهم العشرة. ركبت الحافلة ووجدت مقعدا شاغرا في الصفوف الخلفية فجلست ثم انطلقت الحافلة. تذكرت أنها أول مرة أركب ذات الأربعة عجلات منذ بداية شهر يناير حينما كنت في بوينص أيرص Buenos Aires. وصلنا قرية رالون فتوقفت الحافلة فنزل بعض الركاب وطلع آخرون وكان من بينهم امرأة كنت أرى في ملامح وجهها ما يشبه مارتا صاحبة النزل الذي أقصده. كانت قصيرة القامة شعرها أشقر ويتدلى على الجبهة مثل مارتا Marta. إلا أن مارتا كانت سمينة شيئا ما، وهذه ليست بالنحيفة ولكن ليست بشكل مارتا، وكانت أيضا تحمل نظارة. ظلت معظم الوقت واقفة تتحدث مع السائق وأنا أنظر إليها وأقارن. لكن حينما توقفت الحافلة في كتشمو ورأيتها هي أيضا تتأهب للنزول تأكدت من أنها مارتا.

ناديتها فالتفتت وصاحت: آه..عبدو.. المغربي! يالها من مفاجأة! مرحبا بك في كتشمو! فقلت:إنني مسرور جدا بالعودة إلى أجمل قرية في الشيلي!! بالنسبة لي فأنا أعتبر زيارة الشيلي دون المرور بكتشمو زيارة ناقصة فقالت: لقد سحرتك القرية ولن تطلقك أبدا! بدأنا السير نحو المنزل فسألتها : كيف حال العائلة؟ وكيف حال غاستون Gaston (زوجها)؟ فأجابت وقد تغيرت نبرتها: غاستون لم يعد يعيش في هذا العالم..لقد رحل إلى العالم الآخر منذ ما يقرب من سنتين لم أكن أتوقع هذا الخبر المحزن، فعبرت لها عن مواساتي، ومضت تتحدث عن الفراغ الذي خلفه رحيله. كان غاستون إنسانا إجتماعيا وحلو المزاج يعرف الكثير عن تاريخ وثقافة الشيلي. كنت أتذكر أول يوم اجتمعنا مع العائلة في قاعة الجلوس وكان يتحدث عن أحداث السبعينيات في الشيلي وعن شاعر الشيلي الكبير پابلو نيرودا Pablo Neruda ويقرأ بعض قصائده. وحين بدأ يتكلم عن البحر والصيد سألته هل يوجد سمك كثير بكتشمو، فأجاب: نحن هنا نبدأ أولا بوضع الزيت في المقلاة، والمقلاة على النار ثم نأخذ الصنارة ونذهب إلى البحر فنعود بالسمك والزيت لم يغلي بعد! كنت أريد أن أواصل معه الحديث في هذا الموضوع وخاصة في ضوء التحولات التى عرفتها المنطقة والتى سبق لي أن تعرفت عليها من خلال حديثي مع پلار في كيون. يعني، كيف انتشرت مراكز تربية الصلمون في خليج رلنكابي فنشرت الأوبئة وقضت على السمك الطبيعي ثم رحلت إلى الجنوب مخلفة ورائها كارثة اجتماعية وبيئية كبيرة. لكن الأقدار لم تشأ أن يكون لذلك الحديث بقية


مناظر من قرية كتشمو
































1-3-2013

يوم استراحة إضافي بكتشمو




ذكريات كتشمو 1999













2-3-2013

إنصناذا Ensenada ـ بحيرة Rupanco رپانكو: 62 كلم


ودعت أهل النزل وركبت الحافلة للذهاب إلى پويرطو منط Puerto Montt لشراء إطار جديد. كنت أريد إطارا يتوفر على طبقة سميكة وصلبة على طول المكان الذي يتلامس مع الأرض لوقاية الأنبوب الداخلي من الأشياء الحادة. قصدت بعض المتاجر المتخصصة في بيع الدراجات، لكن كنت كلما سألت عن ذلك النوع إلا وكان الجواب استغرابا يدل على عدم علمهم بوجوده. وأخيرا اعتمدت على الثمن لتقدير الجودة، فكان أغلى نوع لا يتعدى 10 يورو. لم أكن سعيدا بما حصلت عليه، خاصة وأن الطريق السيار بين فريري وصانتياغو تكثر فيه الأشياء الحادة من بقايا الزجاج المحطم والبراغي وغيرها.

وللتذكير فإنني أتوفر أيضا على إطار احتياطي. عرضه 37 ميلميتر (بينما الذي أستعمله عرضه 50 ميلم)، ويتوفر على طبقة وقائية متوسطة الصلابة. هذا يجعله خفيف الوزن وسهل الطوي لحمله في أحد الأكياس مع باقي الأمتعة. وبسبب هذه المواصفات أفضل الإحتفاظ به لحالات الضرورة القصوى.

رجعت إلى مخيم إنصناذا فاستبدلت الإطار وانطلقت في اتجاه إنتر لاغص Entre Lagos. هناك طريق بديل للعبور إلى الأرجنتين. وهو طريق سياحي جميل ينطلق من پيتروي Petrohue ويشمل عبور بحيرة توذص لوص صانطص Todos Los Santos على الجانب الشيلي ثم بحيرة ناول واپي Nahuel Huapi على الجانب الأرجنتيني وينتهي في مدينة بارلوتشي San Carlos de Bariloche. لكن خياري وقع على طريق آخر يمر على مدينة إنتر لاغص Entre Lagos. كان الطريق في البداية يمر على ضفة بحيرة يانكوي Llanquehue وسط غابة كثيفة. فكنت أتمتع بمنظر البحيرة على شمالي وبركان أصورنو Osorno الشامخ على يميني، ثم تحولت الغابة إلى مراعي وكانت قطعان البقر وأكوام العشب الملفوف بأكياس پلاستيكية هي سيدة الموقف. كانت هذه المناظر تستحوذ على ذهني، وفي لحظة معينة انتبهت فأدركت أنني قد تجاوزت نقطة الخروج إلى إنتر لاغص وتهت في اتجاه پويرطو أكتاي. كانت مسافة التيه 12 كلم فعدت أدراجي وأناغاضب بسبب هذا الضياع. وقد تضاعف غضبي حين وجدت أن الطريق إلى إنتر لاغص Entre Lagos كان غير معبد. وصلت إلى بحيرة رپانكو Rupanco بعد غروب الشمس فرأيت على شاطئها مخيما مكتضا بالمصطافين فانظممت إليهم وقضيت هناك ليلة ممتعة




كتف خاص للدراجات على ضفاف بحيرة يانكوي




بركان أوصرنو










منزل مستدير


\

 

q8ya metnaqlaمعجبون بهذا.
فريق التطوير غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-10-2015, 02:54 AM   #9

حيث يعمل المبدعون

الصورة الرمزية فريق التطوير
 
تاريخ التسجيل :  Jan 2015
رقم العضوية : 1046
الجنس : ذكر
المشاركات : 685



افتراضي


مرحبا

بكم في الحلقة السادسة من تقرير أمريكا الجنوبية على الدراجة الهوائية






خريطة هذه الحلقة







التقرير


4-3-2013


المركز الحدودي الشيلي ـ Villa la Angostura بيا لا أنغصتورا: 62 كلم


عودة إلى الأرجنتين



استيقظت في الصباح وفتحت باب الخيمة، فألقيت نظرة على السماء فوقي، ثم حولت نظري إلى الأرض أتأمل المكان الجميل الذي فتحت فيه عيناي وسط غابة كثيفة على سفح جبال الأنديز أمام نهر يجري وشلال يخرخر بقوة فأحسست بالهدوء والإنسجام الكامل مع المحيط. لكن سرعان ما وقع نظري على شيء سبب لي حيرة كبيرة. كنت ليلة أمس قد وضعت حذائي تحت مائدة خشبية كانت بالقرب من الخيمة، وذلك لكي لا يبتلا إذا سقط المطر. أما الآن فقد أصبح كل واحد في مكان مختلف. أحدهما على نحو نصف متر من المائدة ، والآخر حوالي ثلاثة أمتار في اتجاه حافة النهر، ولو تدحرج قليلا لكان قد سقط في النهر وجرفته المياه، الشيء الذي كان سيسبب لي حيرة أكبر! تسائلت: عجبا، من كان يلعب بحذائي أثناء الليل؟! أهو الپوما، أم الثعلب، أم الكندور Condor. على أي حال، فحين أستسلم للنوم العميق في مثل هذا الخلاء لا أبالي بما قد يكون يدور حولي من حياة ليلية وحركة لحيوانات الغابة. فهو استسلام بمعنى الكلمة. أما الآن فها هو الدليل على أن المكان كان مسرحا لنشاط ما أثناء الليل. لكن ماذا حدث بالفعل يبقى لغزا. كانت الأرض مغطاة بطبقة كثيفة من العشب وأوراق الشجر الميتة، فلم يكن باستطاعتي اكتشاف أي أثر يحل اللغز. لا مجال للتخمين إذن. حزمت أمتعتي واتجهت إلى الحدود، وبعد الإجرائات الضرورية استأنفت المسير ثم ما لبث أن بدأ الصعود. كانت الشمس محرقة والهواء ساكنا، ولذلك فرغم أن الإنحذار لم يكن شديدا، إلا أن الصعود كان يتطلب مجهودا كبيرا.


كان الغطاء النباتي يتغير كلما صعدت أكثر. ففي بداية الصعود كانت الأشجار حولي كلها خضراء. أما في المناطق المرتفعة فكانت الأشجار مجردة من الأوراق كما تكون حالتها في فصل الخريف أو الشتاء. إلا أن المثير للإنتباه هو الغبار الأبيض الذي كان يكسو الأرض وقمم الجبال. وهذا مصدره هو بركان پويوي Puyuhue الذي انفجر في عام 2011 وظل يلفظ الغبار لمدة طويلة، ووصل حتى أن عرقل الملاحة الجوية في مدن بعيدة كبوينص أيرص Buenos Aires. اعتليت الممر الجبلي، فتوقفت للإستراحة. ثم شرعت في النزول إلى المركز الحدودي الأرجنتيني، والذي كان على بعد حوالي 15 كلم من الممر. ولما اقتربت من المركز توقفت مرة أخرى للقيام ببعض الطقوس التي لا بد منها قبل الدخول إلى الشيلي أوالأرجنتين، وتشمل أكل كل ما أحمل من فواكه وساندويتش والحليب ومشتقاته. فهذه المواد لا تدخل البلد. جلست على حافة الطريق فأكلت كل ما كان عندي منها، ولم يتأخر النمل كثيرا حتى أتى وتكلف بالفتات التي سقطت على الأرض فأخذ يجر قطعة تلو أخرى حتى أصبح كل شيء نقيا طاهرا، ثم تقدمت لختم الجواز. مر كل شيء على ما يرام فاستأنفت الطريق إلى بيا لا أنغصتورا Villa la Angostura.


كانت المناظر جميلة على طول الطريق، ثم أشرفت على البحيرات فكان أولها بحيرة ناول واپي Lago Nahuel Huapi ، ثم تلتها بحيرة إصپخو Lago Espejo فبحيرة كرنتوصو Lago Correntoso. وصلت إلى بيا لا أنغصتورا Villa la Angostura فبدأت في البحث عن بنك لسحب النقود. حاولت في ثلاثة أبناك وكانت كلها محاولات فاشلة. وأخيرا التجأت إلى الإحتياط الذي كان معي، فاشتريت ما كنت أحتاجه، واتجهت إلى مخيم على شاطيء بحيرة كرنتوصو Lago Correntoso حيث قضيت الليلة. كان هناك ثلاثة خيام فقط. وهذا دليل على أن العطلة الصيفية قد انتهت.



- الغابة الكثيفة التي تغطي سفوح جبال الإنديز










- مرحبا بكم في الأرجنتين!











- الغبار البركاني






- بركان قديم نالت منه عوامل التعرية ولم يبق منه إلا ما انصهر وتصلب في فوهته (بازالت)






- النزول إلى المكتب الحدودي الأرجنتيني










- بحيرة إسپخو Lago Espejo










- بحيرة ناول واپي Lago Nahuel Huapi











5-3-2013


بيا لا أنغصتورا Villa la Angostura ـ Lago Villarino بحيرة بيارينو: 65 كلم

طريق البحيرات السبعة: المطر ولا شيء إلا المطر!



قصدت مركز المدينة لأحاول مرة ثانية سحب النقود وكانت النتيجة كالأمس. في الوقت نفسه كنت أرى آخرين يتقدمون للشباك ويسحبون نقودهم بشكل عادي. دخلت أحد الأبناك وسألت موظفا عما يمكن أن يكون السبب فكان جوابه أن البنك ليس مسؤولا على الشبابيك. غريب شأن هذه المدينة! فرغم أنها مدينة صغيرة وجميلة وسياحية بالدرجة الأولى إلا إن مشكل السيولة لا يشجع بإطالة الإقامة هنا ! ما العمل إذن؟ بعد جولة استطلاعية بالمدينة ارتأيت أن أستأنف الرحلة في اتجاه مدينة صان مارتين San Martin de los Andes فرجعت إلى المخيم. وبعد دردشة مع الجيران وتناول الغذاء، أعددت عدتي استعدادا للإنطلاق. في الوقت نفسه كان الجو يتغير تدريجيا فشرعت الرياح بالهبوب، وشيئا فشيئا بدأت الأمواج تتكون في البحيرة، فتصاعد صوت همساتها وهي تعانق رمال الشاطئ وتبدد السكون الذي كان يسود في المخيم. وأخيرا انطلقت وأخذت الطريق في اتجاه بحيرة إسپخو Espejo وكنت أنظر أمامي وأرى السحب تتراكم وتتقدم من بعيد، فبدأت أستعد للمواجهة. لم أنتظر طويلا حتى بدأ المطر بالسقوط فكان رفيقي طوال اليوم. وقد كان رفيقا غيورا يتطلب كامل الإهتمام، فحرم علي الإستمتاع بمناظر البحيرات السبعة .


كان هناك في البداية صعود تدريجي. وبعد حوالي 35 كلم انتهي طريق الأسفلت وأصبحت أسير على طريق غير معبد. كان من أسوء الطرق التي رأيتها لحد الآن، إذ كان غطائه رخوا ويتكون من التراب الأحمر والحجارة، وكانت الأمطار قد زادت الطين بلة بمعنى الكلمة، وأصبحت العجلات تشق الأرض كالمحراث فتعرقل التقدم، وكنت أضطر أحيانا للسير مترجلا ودفع الدراجة. آه لكم اشتقت إلى طريق البحيرات السبعة Camino de los siete lagos! لكن الحظ لم يكن رفيقي هذا اليوم .


بعد حوالي 23 كلم انتهى طريق الأوحال وعاد الأسفلت من جديد. لكني كنت محتاجا للإستراحة، فتوقفت عند مكان خاص للتخييم قرب بحيرة بيارينو Lago Villarino حيث نصبت الخيمة واستسلمت للنوم العميق


- بحيرة كرنطوصو Lago correntoso










- وبدأ المطر في السقوط...







6-3-2013


وسط طريق البحيرات السبعة ـ San Martin de los Andes صان مرتين: 43 كم


3000 كلم على الدراجة الهوائية.



خرجت من الخيمة فألقيت نظرة على الجبال من حولي فرأيت القمم وهي مغطاة بطبقة جديدة من الثلج. ففي هذه المناطق الباردة يبدأ الثلج بالسقوط في وقت مبكر، وتكون المرتفعات العالية أول من يستقبلها. كانت السماء ما تزال غائمة وتهدد بالأمطار. حزمت أمتعتي واستأنفت الرحلة إلى صان مرتين San Martin de los Andes. بما أن عطلة الصيف كانت قد انتهت، فقد أصبحت الحركة في الطريق ضئيلة. بعد البحيرة الباردة Lago frio بحوالي نصف كيلومتر كان العداد يسجل 3000 كلم، وكالعادة كانت هناك وقفة قصيرة للرقصة الألفية والإحتفال. كان الجو باردا ثم بدأ المطر بالسقوط. بعد بضعة كيلومترات، وبينما كنت أصعد مرتفعا مر علي مينيباص minibus يحمل دراجات سباق على سطحه وأخرى خلفه. لما اعتلى المرتفع، توقف فنزل منه مجموعة من الرجال، فأنزلوا الدراجات ثم انطلق المينيباص بوحده وانطلقت الجماعة وراءه على الدراجات. وحين اقتربوا من مرتفع أخر حيث كان ينتظرهم المينيباص توقفوا فأعادوا الدراجات إلى أماكنها فوق السطح ثم ركبوا المينيباص. ضحكت وقلت في نفسي : يالها من لياقة! يمتطون الدراجات نزولا والمينيباص صعودا! لكن فكرت: لا بد أن يأتي ذلك اليوم حيث أجد نفسي أنا كذلك في مثل هذه الحالة.


شرعت بدوري في الصعود، ولما وصلت إلى أعلى المرتفع رأيت المينيباص متوقفا عند مكان للإستراحة فتوقفت أنا أيضا لأستريح. بعد هنيهة خرج أحد الدراجين من المينيباص وبدأ يأخذ صورا للمناظر الجميلة ثم طلب مني أن أصوره. وبعد ذلك سألني في أي فندق أقيم. استغربت السؤال وأجبته بأنني لا أقيم في أي فندق وأنني كما يرى مازلت على سفر. فسألني أين أقصد، وأجبته صان مرتين San Martin de los Andes. فسأل صان مرتين؟ على هذه الدراجة؟أجبت: نعم فقال: إنها بعيدة جدا. فقلت: كلم;. فقال ولكن الطريق يمر بمرتفعات حادة! فقلت له: يا صديقي لقد أتيت من أصوايا Ushuaia ومررت بكل أنواع التضاريس والمناخ فلم تعد المرتفعات تخيفني ولا المنخفظات . ثم سأل للمرة الثانية: "على هذه الدراجة؟، فأكدت له ;أجل، على هذه الدراجة! . نظر إلي نظرة من يشك في صحة قولي، فعاد إلى المينيباص دون أن يقول شيئا. ربما كان يظن أنني كنت أقيم في إحدى الفنادق القريبة وأنني كنت في نزهة صباحية لاستكشاف المنطقة. لكن، بعد بضعة دقائق رأيت كل أبواب المينيباص تنفتح ويخرج كل من كان بداخلها فيتجهون إلي. أطلقوا على وابلا من الأسئلة حول الرحلة: أين بدأت وأين تنتهي. المسافة اليومية. النظام الغذائي. نوع المنشطات...إلخ. وأخيرا دعوني إلى لشرب الماتي Mate.


استأنف الدراجون رحلتهم إلى فندق قريب على ضفة نهر ريو إرموصو Rio hermoso، وواصلت أنا مسيرتي إلى صان مرتين. وبعد نزول طويل وصلت إلى ضفة بحيرة لاكر Lago Lacar وكان الجو هناك مختلفا تماما عما كان عليه في أعالى الجبال. إذ لم يكن هناك أثر للمطر وكانت الشمس تنشر الدفئ في كل مكان. وصلت إلى صان مرتين، فكان أول ما قمت به هو البحث عن شباك أوتماتيكي. ولما وجدته حاولت سحب النقود فكانت محاولة ناجحة، ثم اتجهت إلى نزل كنت قد أقمت فيه أثناء رحلة 2003 وهناك حطيت رحالي.


- ثلج جديد في طريق البحيرات السبعة !!










- 3000 كلم على الدراجة الهوائية







- إعداد الغذاء







ـ أكلة شهية!






- على ضفاف بحيرة لاكار، وفي العمق صان مرتين






7-3-2013


يوم استرخاء في صان مرتين



- مناظر من المدينة






















8-3-2013


صان مرتين ـ الممر الحدودي Mumil Malal مومل ملال 106 كلم.


عودة إلى القفار والحر



غادرت صان مرتين في الصباح وكانت وجهتي هي الممر الدولي مومل ملال Munil Malal للدخول إلى الشيلي. كانت الرحلة متعة. فلقد كان الجو جميلا فكانت الشمس تلمع في السماء الأزرق، وكانت المناظر تشبه تلك التي كنت قد رأيتها في أقصى الجنوب. ولم أنتظر طويلا حتى رأيت ثعلبا يسير بخطى سريعة كمن يريد ألا يتأخر عن موعد مهم. وصلت إلى خنين Junin de los Andes فدخلت مطعم پيتسا للغذاء، ثم مررت بمتجر لشراء بعض العصير والفواكه، فانطلقت إلى الحدود. كان الطريق في صعود ولكن بدرجات قليلة وعلى مسافة طويلة فكنت لا أحس به. وصلت إلى مدخل المنتزه الوطني لانن Lanin فبدأ طريق الحصى واستمر حتى الوصول إلى الحدود، أي لحوالي 10 كلم. لكن إذا لا تمطر فلا بأس. كان بركان لانن Lanin الشامخ هو المعلمة البارزة التي تهيمن بقوة على المنطقة (ارتفاع 3776 متر). لكن حينما كنت أمر بالقرب منه كانت الشمس توشك على المغيب ولم يكن الوقت مناسبا لالتقاط صور جميلة. غدا في الصباح ستكون الصور أجمل. على الساعة الثامنة مساء كنت على بعد3 كلم من الحدود الدولية. توقفت عند مكان جميل على الطريق الفرعي المؤدي إلى بحيرة ترومين Lago Tromen فأعددت الخيمة واستسلمت للنوم العميق.


نواحي خنين Junin de los Andes






- نهر مييو Malleo










- بركان لنين Lanin








9-3-2013


الممر الحدودي مومل ملال Mumil Malal ـ Pucon پوكون: 78 كلم.


الشيلي من جديد



استيقظت هذا الصباح على صوت قطرات المطر وهي تسقط على الخيمة. ظننت أنه ندى الصباح يسقط من الشجرة التي كنت أخيم تحتها. لما خرجت رأيت السحب تغطي كل المنطقة ولم أعد أرى لبركان لانن Lanin أي أثر. كنت قد ظننت أن مرحلة الأمطار قد انتهت لكن على ما يبدو فالقصة ما زالت لم تختتم بعد. وخاصة خلال اجتياز المرتفعات فاحتمال سقوط الأمطار يكون كبيرا جدا. تناولت الفطور ثم استلقيت على الحصيرة ففتحت كتابا وشرعت في القراءة آملا أن يتوقف المطر فأستأنف الرحلة في أحسن الظروف. ولما وصلت الحادية عشرة ولم يتحسن الجو شرعت في تهييء العدة استعدادا للإنطلاق. بعد حوالي كيلومترين وصلت إلى المركز الحدودي الأرجنتيني، فدخلت للقيام بإجرائات الخروج. كان الموظف الذي قابلته من هواة ركوب الدراجة فدخلنا في دردشة حول عالم الدراجات وكانت النار تتوهج في الومقد فاستأنست بالحديث ونسيت المطر. ولكن لكل حديث نهاية. ودعت الجماعة واتجهت إلى المركز الحدودي الشيلي. وصلت هناك فأكلت السندويتش وما كان قد تبقى عندي من فواكه، ثم دخلت طاهرا إلى التراب الشيلي من جديد. بعد اجتياز مكتب الحدود بدأ الطريق ينزل، وكان طريقا غير معبد لحوالي 15 كلم ولذلك فالتقدم كان بطيئا. أحسست بالبرد لأنني لم أكن أقم بأية حركة فتوقفت لارتداء الملابس الدافئة


كانت المناظر جميلة وكانت الرحلة ستكون أجمل لولا حالة الجو. وصلت إلى طريق الأسفلت فاستقبلني العالم القروي بمزارع ومنازل متفرقة على جنبات الطريق. وفي الأخير أشرفت على قرية كراروي Curarrehue. كنت قد أحسست بأولى علامات الجوع منذ مدة طويلة، إلا أنه بسبب الأمطار وانعدام ملاجئ الحافلات في هذا الطريق لم أستطع التوقف لإعداد الغذاء، فكان الصبر والإنتظار هو الحل. دخلت كرارويCurarrehue وكانت الساعة قد تجاوزت الثالثة. كان المطر قد خف شيئا ما وكان أول من خرج لاستقبالي ديك جميل كان يتمشى بجانب الطريق بغطرسة لا مثيل لها. تأملت فخديه فأحسست بأمعائي تتلوى وأسناني ترتجف وكأنها تريد أن تنقض عليه وتبتلعه حيا. حينما وصلت إلى مركز القرية توقفت عند مطعم فطلبت طعاما فبدأت آكل بشراهة حتى أحسست بالقوة تعود إلى جسمي من جديد. أحيانا أتعجب من الكميات الكبيرة من الطعام التي أستهلكها أثناء السفر على الدراجة. فاحتياجي من الطعام ليوم كامل في الأيام العادية أستهلكه في وقت واحد أثناء السفر. عاد النشاط إلى حواسي فأصبحت أهتم بما كان يدور حولي، وبدأت تتناهى إلى سمعي مختلف الأصوات. وماشدني منها هي دردشة بين مجموعة من الرجال كانوا يجلسون حول المائدة التي كانت على يميني. كانت الدردشة تدور حول بيع وشراء القطع الأرضية وتجارة الأبقار بين الأرجنتين والشيلي وكانت الصفقات بالملايين وكان كل واحد يتباهى على الآخر بالأرباح التي حققها باستغلال الفوارق بين البلدين. ظننت أنهم رجال أعمال، لكن لما التفت إليهم رأيت مجموعة من الرجال في حالة بئيسة يجلسون حول مائدة غطتها قنينات خمر فارغة، فأدركت أنهم كانوا يتحدثون عن ذكريات أيام مضت أو كانوا يخترعون قصصا من الخيال لقتل الوقت.


كنت أتردد بين مواصلة الرحلة إلى پكون Pucon والتوقف للمبيت في هذه القرية. لكن في الأخير تشجعت فامتطيت الدراجة من جديد وانطلقت في اتجاه پكون. كان الطريق جيدا ومنبسطا وسرعان ما توقف المطر. وصلت إلى تلك المدينة وكانت الساعة تقترب من السابعة. توقفت عند زوج لأسألهما عن مكان للمبيت فتبين لي أنهما كانا سائحان أمريكيان وكانا يقيمان في مخيم قريب، فأرشداني إلى المخيم فأصبحت جارهما خلال اليومين التاليين



- الديك الذي دوخني






- الطريق إلى پكون







10-3-2013


يوم استراحة واسترخاء في Pucon پكون



خرجت للقيام بجولة في المدينة فرأيت أنها تتوفر على عدة متاجر ومقاهي ومطاعم وصالون آيس كريم وحلويات من الدرجة الأولى. كنت أحاول استرجاع بعض الذكريات القديمة، لكن لم أتذكر شيئا كثيرا من تلك الرحلة الأولى لأنني في ذلك الوقت قضيت هنا ليلة واحدة فقط وفضلت الإقامة لوقت أطول عند بحيرة كابرغا Lago Caburgaعلى بعد 25 كلم من المدينة. لكن ما أتذكره جيدا هو صوت بائعة أوميطاص Humitas. نزلت آنذاك في محطة الحافلات فرأيتها أمامي تقف وراء عربتها الصغيرة وتنادي بصوت حاد أُومِيطَاصْ كَالْيِنْطِيطَآآآصْ.. أوميطاص كالينطيطآآآص.. أوميطآآآآص!Humitas calientetaaaaas، فاقتربت منها وسألت عما كان ذلك، فقالت أنه ذرة مطحونة وملفوفة في ورق الذرة مع بصل وزبدة ومطبوخة في الماء. اشتريت واحدة فكان ذلك أول مرة آكل أوميطاص. Calientetas هو تصغير ل caliente وتعني ساخن. لقد تعجبت اليوم حينما مررت بنفس المكان بالصدفة لأسمع نفس الصوت ينادي بنفس الحدة أُومِيطَاصْ كَالْيِنْطِيطَآآآصْ.. أوميطاص كالينطيطآآآص.. أوميطآآآآص14 سنة مضت ولم يتغير شيء! لم أتذكر ولم أسألها هل هي نفس المرأة أم أنها وريثة المهنة، لكن كانت بالنسبة لي المرة الثانية التي آكل فيها أوميطاص.


تعتبر پكون Pucon إحدى أهم المنتجعات السياحية بالمنطقة. فهي تقع على الضفة الجنوبية لبحيرة بياريكا Villarica وعند قدم بركان يحمل نفس الإسم. وتعتبر أيضا نقطة انطلاق للقيام بجولات إلى عدة مناطق سياحية أخرى بالمنطقة كبحيرة كبورغا Caburga ومنابع المياه الساخنة مثل ترماس ذي ويفي Termas de Huife وترماس ذي پلكين Termas de Pelquin، وكذلك هناك إمكانية زيارة عدة شلالات وممارسة رياضة الرافتنع Rafting في نهر ترنكورا Trancura. لكن أهم الأنشطة في المنطقة هي تسلق بركان بياريكا Villarica وهو أحد البراكين النشطة في المنطقة. في بعض الأحيان، وخاصة حينما تكون السماء صافية، يمكن أن ترى سحابة من الغازات تنبعث من فوهته. ومن حين لآخر يلفط سيولا من اللاڤا (آخر انفجار وقع في سنة 1984). تتوفر پكون على مختلف التجهيزات السياحية من فنادق ومكاتب للخدمات السياحية، وهي تعج بالسياح في فصل الصيف.


- مناظر من مدينة پكون Pucon






- بحيرة بياريكا Villarica










- بركان بياريكا










- قطان شيليان من پكون






11-3-2013


پوكون Pucon ـ نواحي Perquenco پيركينكو : 148 كلم


بداية المرطون إلى Santiago صنتياغو



هناك عدة طرق تؤدي إلى صانتياغو Santiago. أجملها هي الطرق الثانوية التي تمر بالمناطق الجبلية والأماكن مثل ملپيوكو Melipeuco لنكماي Lonquimay ورالكو Ralco ثم الإتجاه نحو الساحل والمرور بالمدن والقرى الساحلية. لكن هدفي الأول الآن ليس هو الإستمتاع، بل الوصول إلى صانتياغو Santiago في أقرب وقت ممكن لأنطلق بعد ذلك إلى مدينة كتماركا Catamarca الأرجنتينية. لذلك وقع اختياري على الطريق السيار رقم 5، لكونه أقصر طريق بمسافة تبلغ حوالي 800 كلم. كنت فكرت كذلك في ركوب الحافلة، لكني عدلت عن الفكرة وقلت لابأس في الإستمرار بالدراجة واستكشاف المنطقة ولو بشكل سطحي.

.

انطلقت من پكون Pucon في الصباح وكان أملي أن أصل إلى صانتياغوSantiago يوم الجمعة. كان الجو مشمسا وكان الطريق يمر على الضفة الجنوبية لبحيرة بياريكا Lago Villarica فظلّت المناظر الجميلة ترافقني طوال الوقت. بعد استراحة القهوة في مدينة بياريكا تركت البحيرة والبركان ورائي وواصلت الطريق إلى فرايري Freire. وعند الوصول هناك دخلت الطريق السيار رقم 5 فكان الكتف كله مجالي الخاص. كانت تجربة فريدة وإحساس غريب، حيث أنها كانت أول مرة أركب الدراجة الهوائية وأسير في الطريق السيار. عند غروب الشمس كنت على مشارف تيمكو Temuco. لم يكن في مخططي ما يلزم علي الدخول إلى المدينة، فالتزمت الطريق السيار الذي كان شكله عند هذه النقطة يتحول إلى نصف دائرة ليمر عبر الهضاب المحيطة بالمدينة. كنت أنظر إلى تيموكو من هناك فلا أرى إلا أضواءها الباهتة وهي تتلألأ وتودع بقايا ضوء النهار التي كانت مازالت عالقة في الأفق.


تيموكو هي المدينة التي ترعرع فيها شاعر الشيلي الكبير پابلو نيرودا Pablo Neruda. في أحد أيام سنة 2003 كنت أسافر عبر هذا الطريق في رحلة بالحافلة من بالپرايصوValparaiso إلى تيموكو Temuco. وأثناء الرحلة وضعوا لنا شريط فيديو وثائقي حول حياة هذا الشاعر، ومن القصائد التي كان يقرأها قصيدة يبدأها هكذا:


أستطيع هذه الليلة أن أكتب أكثر الأشعار حزنا

أكتب مثلا: كانت السماء مزينة بالنجوم

وكانت الكواكب الزرقاء تتلألأ من بعيد


رياح الليل تدور في السماء وتغني.


أستطيع هذه الليلة أن أكتب أكثر الأشعار حزنا

لقد أحببتها، وأحيانا هي أيضا أحبتني.


في ليال كهذه كنت أحتظنها بين ذراعي.

وكنت أقبلها تحت السماء اللامتناهية.


لقد أحبتني، وأحيانا أنا أيضا كنت أحبها

كيف لا تحب أعينها الكبيرة والثابتة .


أستطيع هذه الليلة أن أكتب أكثر الأشعار حزنا

….


مع الأسف لم أجد ترجمة على النيت. سأحاول ترجمتها في المستقبل وسأضيفها إلى هذه الحلقة


- الطريق السيار رقم 5







- موسم الحصاد






12-3-2013


نواحي Perquenco پيركينكو ـ نواحي Bulnes بولنس: 202 كلم


اليوم الثاني في الطريق السيار



كان الجو صيفيا بمعنى الكلمة وكانت الشمس تسطع في السماء الصافية فأحسسست بالحر يكوي جسمي كلفح اللهيبه كان نهرا عظيما ماؤه السيارات والشاحنات، وأن التيار يجرفني إلى الأمام بقوة لا تقاوم. تحولت مراعي البقر والغنم إلى حقول ذرة وشعير تمتد إلى بعيد. من حين لآخر كنت أمر بكوخ على جانب الطريق يبيع ويصيوص Mote con huesillos وبعض الأكلات المنزلية، فكان أفضل مكان للإستراحة. ويصيوص Mote con huesillos هو مشروب يحضر بالقمح المطبوخ في الماء وعصير المشمش المجفف. إنه مشروب منعش يشفي الغليل ويزود بالكالوريات اللازمة لمواصلة الطريق. وصلت إلى نواحي بولنس Bulnes فرأيت العداد يسجل 200 كلم. إنه رقم قياسي جديد كمسافة يومية لهذه الرحلة! بهذا التقدم أصبحت الآن متأكدا من الوصول إلى صانتياغو يوم الجمعة. بدأت أتحين الفرصة للخروج من الطريق والبحث عن مكان لقضاء الليل. لكن لما رأيت مكانا صغيرا على جانب الطريق توقفت فاتخذته مكانا لحط الرحال. كنت على يقين أنه بسبب الإرهاق سأتمكن من النوم دون الإكتراث بضجيج السيارات. ولكن بمجرد استلقائى على الحصيرة، أصبحت لا أكترث إلا بضجيج السيارات فوضعت يدي في إحدى الأكياس أبحث على العلبة التي تحتوي على سدادات الأذن، إلا أنني قبل أن أجدها كنت قد استسلمت للنوم العميق


- نهر ماييكو Malleco











13-3-2013


نواحي بولنس Bulnes ـ نواحي San Javier صان خافيير: 157 كلم


مشاكل تقنية لكن لا بأس



لقد حصل اليوم ما كنت أخافه. لقد أرغمت مرتين للتوقف لإصلاح الأنبوب الداخلي للإطار. ولم أستغرب كون العجلة الخلفية هي التي كانت الضحية في كلا المرتين. فكون الإطار الذي اشتريته في پويرطو منط Puerto Montt لا يتوفر على طبقة وقائية جعل الأنبوب الداخلي عرضة لكل الأشياء الحادة. وما أكثرها في هذا الطريق. عدا هاتين الحادثتين وضجيج السيارات، فاليوم الثالث في الطريق السيار قد مر بخير. هناك أيضا أشياء أجابية في مثل هذه الطرق كوجود محطات بنزين عصرية وأماكن خاصة للإستراحة مجهزة بكل المرافق وحتى الوايفاي موجود. بالإضافة إلى هذا، وبما أن الطريق يمر بمناطق آهلة، فهناك أيضا مطاعم على طول الطريق وحين تمر بين الحقول تجد أيضا أكواخا لبيع الفواكه الطازجة. فأنا الآن أتواجد في الوادي المتوسط Valle central. وهي منطقة تقع وسط الشيلي وتمتد على مسافة 600 كلم من صانتياغو إلى نهر بيوبيو Biobio (مررت به يوم أمس عند الظهيرة) جنوبا. تحدها من الشرق جبال الأنديز ومن الغرب سلسلة الجبال الساحلية. تشكل هذه المنطقة القلب النابض للبلد، إذ بها توجد معظم المدن التي بنيت أثناء المرحلة الإستعمارية وتتمركز فيها أغلب الأنشطة الفلاحية. عند قدوم الإسپان كان يسكن المنطقة مزيج من السكان الأصليين (ماپوتشي Mapuche) والإنكا Inca. كان عددهم حوالي 25000 نسمة لكنه تراجع بسرعة نتيجة هلاك بعضهم في مزارع المستعمريين وفرار من تبقى إلي الجنوب. كانت أغلب أراضي المنطقة تغطيها الغابات، وكان النشاط الفلاحي يقتصر على الشريط الساحلى حيث كانت تتمركز أيضا بعض التجمعات السكنية. بدأ التوسع إلى الشرق تدريجيا وسرعان ما أصبحت المزارع الكبيرة تمثل المحور الأساسي لاقتصاد المنطقة وأصبحت تنتج فائضا يتم تصديره إلى پيرو وبوليفيا. خلال الأربعينيات من القرن الثامن عشر تم تأسيس معظم مدن المنطقة التي توجد الآن على مسار الطريق السيار إلى صانتياغو. ولعل أهم عامل غير المنطقة هو إنشاء قنوات الري في القرن التاسع عشر مما أدى إلى انتشار الزراعة المسقية وانتقال النشاط الرعوي إلى الجنوب. والآن فقد أصبح النشاط الفلاحي السائد هو استغلال الأشجار المثمرة للتصدير إلى مختلف الأسواق العالمية. كنت أرى من الطريق العديد من معامل تلفيف الخضر والفواكه وحقول الكرم لا يحدها البصر. ولذلك فليس من الغريب أن أختار اليوم مكانا جميلا بين تلك الحقول لنصب الخيمة.











14-3-2013


نواحي صان خافيير San javier ـ نواحي Curico كوريكو: 108 كلم


عراقل في الطريق



ركبت الدراجة في الصباح وكان هدفي هو الوصول إلى رانكاواRancagua. عند الظهيرة توقفت للإستراحة عند إحدى محطات البنزين. كان الحر قد اشتد، وبعد تناول الغذاء وشرب القهوة استسلمت للخمول. قررت أن أمدد فترة الإستراحة وأعوض المسافة الضائعة في الليل، ففتحت الإنترنيت واستسلمت للتسلية إلى أن خف الحر. استأنفت الرحلة فوصلت إلى نهر لنتوي Lontue قرب كوركو Curico وكان الظلام قد خيم على المنطقة. لكن فوجئت بكون الطريق على طول القنطرة لايتوفر على كتف. كان هناك رصيف ضيق إلا أنه حسب تقديري لا يتسع إلا لشخص نحيل الجسم. كانت قنطرة طويلة والطريق مزدحم فلم أتشجع لاجتيازها. حسب جهاز GPS فليس هناك قنطرة أخرى قريبة. ما العمل إذن؟ رجعت حوالي نصف كيلومتر إلى محطة بنزين كنت قد مررت بها قبل قليل وسألت ماذا يفعل أهل البلد من الدراجين عند الوصول إلى تلك القنطرة، فقالت لي إحدى المستخدمات أن هناك مكانا آخرا للعبور. إلا أنها أضافت أن ذلك يتطلب المرور بحي سيء السمعة. وخاصة في ذلك الوقت بالذات فالسلامة غير مضمونة. فخيرتني بين المجازفة بحياتي فأمر على القنطرة أو بمالي فأمر بالطريق البديل.. أو أنصب الخيمة في ساحة المحطة وأقضي الليل بأمان. فأجبتها: سأجازف أولا بحياتي وإن فشلت المحاولة سأجرب الخيارين الآخرين ، ثم رجعت مرة ثانية إلى القنطرة فانتظرت حتى انقطع سيل السيارات ثم تركت الدراجة ورائي وجربت مترجلا لأقدر المسافة. كان طولها حوالي 300 متر. عند العودة إلى الدراجة انتظرت مرة أخرى حتى انقطعت حركة المرور ثم انطلقت مسرعا. مر كل شيء بسلام. لكن بعد حوالي 15 كلم وصلت إلى نهر تينو Teno فوجدت أمامي قنطرة ثانية وكانت أطول من الأولى. (700 متر) وبدون كتف! لا مجال للمجازفة! تركت الطريق السيار وتبعت طريقا من التراب يؤدى إلى النهر. لم يكن فيه ماء كثير، لكن لم يكن في استطاعتي تقدير عمقه في الظلام فقررت أن أحط رحالى هناك وأنتظر ضوء النهار، فنصبت الخيمة واستسلمت للنوم العميق


- خيمة بين حقول الكرم
















15-3-2013


نواحي كوريكو Curico ـ نواحي Mostazal مصطصال: 123 كلم


عراقل لليوم الثاني



استيقظت في الصباح وألقيت نظرة على القنطرة فرأيت حركة دؤوبة في كلا الإتجاهين. لكن كنت أريد اختبار النهر أولا قبل اللجوء إلى القنطرة أو البحث عن قنطرة أخرى، فكان أول ما فعلته هو القيام بجولة استطلاعية بحثا عن مكان مناسب لعبور النهر. ولما وجدته، أخذت عصا طويلة وبدأت بالعبور لاستكشاف حالة الأرضية والعمق وقوة التيار. مرت التجربة بسلام، ثم عدت إلى الخيمة فأعددت الفطور وجلست آكل سندويتش بالبيض المقلي في زيت الزيتون وأحتسي الشاي بالنعناع


انتهيت من الأكل فهيأت الدراجة والعدة وانطلقت. بعد عبور النهر دخلت من جديد إلى الطريق السيار. كانت لا تزال تفصلني حوالي 190 كلم عن صانتياغو. بسبب القنطرة والنهر فقد توقفت أمس قبل تسجيل الحد الأدنى للمسافة التي كنت أريد تحقيقها. لذلك فمرحلة اليوم أصبحت أطول مما كان في الحسبان. على أي حال، هذا إذا كنت أريد الإلتزام ببرنامجي والوصول إلى صانتياغو ليلة اليوم. لكني لست متحمسا لمثل هذه المسافة ولا لدخول مدينة كبيرة أثناء الليل. لذلك فهدف اليوم هو الوصول إلى نواحي مدينة Paine پايني.


توقفت لتناول وجبة الغذاء عند أحد المطاعم الطرقية ثم واصلت السير في اتجاه Paine پايني. ولما وصلت إلى محطة بنزين في نواحي رانكاواRancagua عرجت عليها للإستراحة. بينما أنا جالس أشرب القهوة، اقترب مني شاب قال أنه من صانتياغو وسألني من أين أتيت وأين أقصد. كان هو أيضا من عشاق ركوب الدراجة ويعرف كل صانتياغو وشعابها. تصفحنا الخريطة فبين لي الطريق المناسب للدخول إلى المدينة. لكنه نبهني بكون ذلك الطريق يمر ببعض الأحياء المهمشة في الضاحية الجنوبية من المدينة. سألته عن الحالة الأمنية في تلك الأحياء، فقال أنها على العموم تكون آمنة خلال الصباح. لا حرج إذن، إذ سيكون الوصول إلى صانتياغو في صباح الغد.


تودعنا فانطلقت من جديد. بعد بضعة ساعات كنت أستعد لاجتياز أول نفق في هذه الرحلة. كنت قلقا لأنني سمعت أنه لا يتوفر على كتف. قصة القنطرة تتكرر من جديد ولا أعرف ما عسى أن يكون الحل هذه المرة. كان الليل قد أسدل ستاره حين وصلت إلى مركز للأداء يقع على حوالي 2 كلم قبل النفق. سألت أحد المستخدمين فقال أن الدراجات تستعمل الطريق الذي يأتي من الإتجاه المعاكس ، إذ أن ذلك لا يمر في النفق. لكنه نصحني بالإنتباه والحذر، لأنه هو أيضا لا يخلو من المخاطر، إذ أن الكتف يختفي بمجرد الوصول إلى نقطة معينة ليتحول إلى مسلك يستعمل للدخول من طريق ثانوي. ولتفادي أي مواجهة مباغتة مع السيارات فإنه كان من الأفضل انتظار ضوء النهارحيث تكون الرؤية أحسن. عملت بالنصيحة فرجعت حوالي 5 كلم إلى الوراء حيث كان هناك مكان مجهز للإستراحة، فنصبت الخيمة واستسلمت للنوم العميق.


- القنطرة التي قضت علي بالمبيت في هذا النهر






- العبور






- الفواكه الطازجة متوفرة







16-3-2013


نواحي مصطصال Mostazal ـ Santiago صانتياغو: 68 كلم


4000 كلم على الدراجة الهوائية



انطلقت في الصباح فاتجهت إلى النفق من جديد. قبل الوصول بنحو نصف كيلومتر انتقلت إلي الإتجاه المعاكس فأصبحت وكأنني أسبح ضد التيار. لم أتأخر كثيرا حتى وصلت إلى المكان الذي ينعدم فيه الكتف. لكن الرؤية كانت جيدة والمسافة قصيرة ولم يكن طريق الدخول مزدحما فمررت بسلام. وبعد بضعة كيلومترات رجعت من جديد إلى الطريق الذي كنت قد غادرته قبل النفق. بعد حوالي 4 كلم وصلت إلى طريق المدخل الجنوبي Acceso sur فعملت بنصيحة الدراج الذي التقيته في رانكاوا Rancagua فتبعته وودعت الطريق 5 . كانت حركة المرور ضئيلة جدا في هذا الطريق والحرارة مرتفعة وكان العمران قليلا والمتاجر منعدمة تماما. من حسن حظي فقد كان معي من الماء ما يكفي لأروي عطشي خلال المسافة المتبقية إلى صانتياغو. لكم كنت سعيدا بالعودة إلى السكون والخلاء بعد 5 أيام في ضجيج لا ينقطع!


عند الإقتراب من صانتياغو ألقيت نظرة على العداد وكان يقترب من تسجيل 4000 كلم، وكنت أستعد للرقصة الألفية. إلا أنني فوجئت بكثافة حركة المرور وفي غمرة ذلك نسيت الإنتباه إلى العداد فأضعت الفرصة. وصلت إلى مركز المدينة بسلام فطرقت باب نزل بالقرب من الشارع الرئيسي ففتح الباب واتجهت إلى مكتب الإستقبال. كان كلام المستخدمة يدل على أنها ملمة بجميع قواعد الماركتنغ. بعد الحجز بدأت تعرض عل الأنشطة التي يقدمونها للنزلاء فقالت وهي ترسم ابتسامة عريضة على محياها الجميل : أنت من محبي ركوب الدراجات إذن.. شيء جميل! لدي عرض لا شك أنه سوف يعجبك. عندنا في برنامج الغد رحلة بالدراجات الهوائية إلى.. مسكينة كانت تظن أنه بعد قطع حوالي 800 كلم بشكل متواصل ما زلت أتشوق للمزيد فقاطعتها على التو: لالالا..أنا آسف! فابتداء من الآن لم أعد من هواة ركوب الدراجة. لقد تخليت عن تلك الهواية وأصبحت هوايتي الآن هي الإستلقاء على السرير أوالإسترخاء على أريكة مريحة حتى يحين الوقت للإنطلاق من جديد.. طبعا كان السرير مريحا، وكانت الأرائك في الحديقة تتوفر على كل متطلبات الإسترخاء


دخلت الغرفة فاستلقيت علي السرير واستسلمت لقيلولة قصيرة. ولما استيقظت نزلت إلى الحديقة حيث كان يجلس مجموعة من النزلاء من مختلف الجنسيات فانظممت إليهم . كانت الدردشة لطيفة لولا مشادة كلامية حصلت بين سائحين أمريكيين فعكرت الجو. حصل ذلك حينما بدأ أحدهما يتكلم بالهاتف مع أمه. ولما انتهى خاطبه صديقه بغضب: هذه هي المرة الخامسة التي تتكلم فيها مع أمك.. في يوم واحد. لا يمر حدث إلا واتصلت معها لتفيها بالتقرير. قل لي إذن هل أتيتُ إلى جنوب أمريكا لأغامر مع رجل أم مع صبي لا يقوى على فراق أمه؟ فقاطعه الآخر: ماذا تقول؟ المرة الخامسة؟ لا إنها المرة.. فصرخ الآخر: لا تحاول أن تكذب! إني أتذكر كل شيء! ويوم أمس كذلك وقبله وقبله.. لقد حذرتك حينما كنا في بوليفيا Bolivia بالكف عن هذا السلوك الصبياني. إنني صراحة أخجل منك ولم أعد في حاجة لمصاحبتك، أتفهم؟ فرد الآخر: إنه من حقي أن أتكلم مع أمي.. فقاطعه الأخر: لا! هذه ليست قضية حق، وإنما أنت صبي لا تستطيع فراق أمك، وقد أخطأت حينما استدعيتك لمرافقتي في هذه الرحلة. كنت أظن أنك رجل صلب، ولكنك لا تعدو أن تكون صبيا..;. كانا الشابان في أوائل العشرينات، وعلى ما يبدو في أول رحلة للمغامرة وإثبات رجولتهما في جنوب أمريكا. من العادي أن يقع مثل هذا الصدام. لكن طريقتهما في التعامل معه استقطبت كل الإهتمام. طالت المشادة فكلما حاول الأول نطق كلمة للدفاع على نفسه إلا وقاطعه الثاني وبصوت أعلى بوابل من الإتهامات ثم يكررها ويعيد تكرارها بدون ملل. لحسن الحظ لم أمكث طويلا للاستماع إلى هذا الشجار فقد كان عندي موعد مع پاولا Paula و ناتشا Nacha فخرجت وتركت الجو ما زال عكرا. تعرفت على پاولا وناتشا في نزل مويا Moya في مدينة تشايتن Chaiten. ثم التقيت بهما بالصدفة في مدينة أنكود Ancud في جزيرة تشلوي فتواعدنا أن نلتقي في صانتياغو حيث يسكنان. پاولا تدرس التاريخ بالجامعة الكاثولكية بصانتياغو، وناتشا تدرس علم النفس بنفس الجامعة. ولهذا فلم أكن في حاجة إلى مرشد سياحي في هذه المدينة.












فريق التطوير يتمنى لكم رحلات ممتعة








 

q8ya metnaqlaمعجبون بهذا.

التعديل الأخير تم بواسطة فريق التطوير ; 31-10-2015 الساعة 03:00 AM
فريق التطوير غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-10-2015, 09:39 PM   #10

مجلس الإدارة

 
 
تاريخ التسجيل :  Dec 2014
رقم العضوية : 15
المشاركات : 15,812



افتراضي


مساء الخير
تقرير اتحفنا به عاشق الدراجه
قرأته بأجازائه السابقه
رقصاته عند تسجيل الالفيه
علاقاته مع من سكن عنجهم من قبل وكررها
خط سيره
وكيف ينام في جانب الطريق

شكرا لك

 

توقيع : فيصل

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ

معرفاتنا بوسائل التواصل الإجتماعي


نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

فيصل غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
رحلة شكبم الى امريكا ( بقلم شكبم ) فريق التطوير بوابة امريكا 9 06-11-2015 06:29 AM
مسافر ماليزيا بمارس (لاتفوت مهرجان بوتراجايا الدولي للمناطيد الهوائية) himzmz ماليزيا 13 25-04-2015 11:52 AM

الساعة الآن 10:59 AM
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Optimization by vBSEO