- الغابة الكثيفة التي تغطي سفوح جبال الإنديز
- مرحبا بكم في الأرجنتين!
- الغبار البركاني
- بركان قديم نالت منه عوامل التعرية ولم يبق منه إلا ما انصهر وتصلب في فوهته (بازالت)
- النزول إلى المكتب الحدودي الأرجنتيني
- بحيرة إسپخو Lago Espejo
- بحيرة ناول واپي Lago Nahuel Huapi
5-3-2013
بيا لا أنغصتورا Villa la Angostura ـ Lago Villarino بحيرة بيارينو: 65 كلم
طريق البحيرات السبعة: المطر ولا شيء إلا المطر!
قصدت مركز المدينة لأحاول مرة ثانية سحب النقود وكانت النتيجة كالأمس. في الوقت نفسه كنت أرى آخرين يتقدمون للشباك ويسحبون نقودهم بشكل عادي. دخلت أحد الأبناك وسألت موظفا عما يمكن أن يكون السبب فكان جوابه أن البنك ليس مسؤولا على الشبابيك. غريب شأن هذه المدينة! فرغم أنها مدينة صغيرة وجميلة وسياحية بالدرجة الأولى إلا إن مشكل السيولة لا يشجع بإطالة الإقامة هنا ! ما العمل إذن؟ بعد جولة استطلاعية بالمدينة ارتأيت أن أستأنف الرحلة في اتجاه مدينة صان مارتين San Martin de los Andes فرجعت إلى المخيم. وبعد دردشة مع الجيران وتناول الغذاء، أعددت عدتي استعدادا للإنطلاق. في الوقت نفسه كان الجو يتغير تدريجيا فشرعت الرياح بالهبوب، وشيئا فشيئا بدأت الأمواج تتكون في البحيرة، فتصاعد صوت همساتها وهي تعانق رمال الشاطئ وتبدد السكون الذي كان يسود في المخيم. وأخيرا انطلقت وأخذت الطريق في اتجاه بحيرة إسپخو Espejo وكنت أنظر أمامي وأرى السحب تتراكم وتتقدم من بعيد، فبدأت أستعد للمواجهة. لم أنتظر طويلا حتى بدأ المطر بالسقوط فكان رفيقي طوال اليوم. وقد كان رفيقا غيورا يتطلب كامل الإهتمام، فحرم علي الإستمتاع بمناظر البحيرات السبعة .
كان هناك في البداية صعود تدريجي. وبعد حوالي 35 كلم انتهي طريق الأسفلت وأصبحت أسير على طريق غير معبد. كان من أسوء الطرق التي رأيتها لحد الآن، إذ كان غطائه رخوا ويتكون من التراب الأحمر والحجارة، وكانت الأمطار قد زادت الطين بلة بمعنى الكلمة، وأصبحت العجلات تشق الأرض كالمحراث فتعرقل التقدم، وكنت أضطر أحيانا للسير مترجلا ودفع الدراجة. آه لكم اشتقت إلى طريق البحيرات السبعة Camino de los siete lagos! لكن الحظ لم يكن رفيقي هذا اليوم .
بعد حوالي 23 كلم انتهى طريق الأوحال وعاد الأسفلت من جديد. لكني كنت محتاجا للإستراحة، فتوقفت عند مكان خاص للتخييم قرب بحيرة بيارينو Lago Villarino حيث نصبت الخيمة واستسلمت للنوم العميق
- بحيرة كرنطوصو Lago correntoso
- وبدأ المطر في السقوط...
6-3-2013
وسط طريق البحيرات السبعة ـ San Martin de los Andes صان مرتين: 43 كم
3000 كلم على الدراجة الهوائية.
خرجت من الخيمة فألقيت نظرة على الجبال من حولي فرأيت القمم وهي مغطاة بطبقة جديدة من الثلج. ففي هذه المناطق الباردة يبدأ الثلج بالسقوط في وقت مبكر، وتكون المرتفعات العالية أول من يستقبلها. كانت السماء ما تزال غائمة وتهدد بالأمطار. حزمت أمتعتي واستأنفت الرحلة إلى صان مرتين San Martin de los Andes. بما أن عطلة الصيف كانت قد انتهت، فقد أصبحت الحركة في الطريق ضئيلة. بعد البحيرة الباردة Lago frio بحوالي نصف كيلومتر كان العداد يسجل 3000 كلم، وكالعادة كانت هناك وقفة قصيرة للرقصة الألفية والإحتفال. كان الجو باردا ثم بدأ المطر بالسقوط. بعد بضعة كيلومترات، وبينما كنت أصعد مرتفعا مر علي مينيباص minibus يحمل دراجات سباق على سطحه وأخرى خلفه. لما اعتلى المرتفع، توقف فنزل منه مجموعة من الرجال، فأنزلوا الدراجات ثم انطلق المينيباص بوحده وانطلقت الجماعة وراءه على الدراجات. وحين اقتربوا من مرتفع أخر حيث كان ينتظرهم المينيباص توقفوا فأعادوا الدراجات إلى أماكنها فوق السطح ثم ركبوا المينيباص. ضحكت وقلت في نفسي : يالها من لياقة! يمتطون الدراجات نزولا والمينيباص صعودا! لكن فكرت: لا بد أن يأتي ذلك اليوم حيث أجد نفسي أنا كذلك في مثل هذه الحالة.
شرعت بدوري في الصعود، ولما وصلت إلى أعلى المرتفع رأيت المينيباص متوقفا عند مكان للإستراحة فتوقفت أنا أيضا لأستريح. بعد هنيهة خرج أحد الدراجين من المينيباص وبدأ يأخذ صورا للمناظر الجميلة ثم طلب مني أن أصوره. وبعد ذلك سألني في أي فندق أقيم. استغربت السؤال وأجبته بأنني لا أقيم في أي فندق وأنني كما يرى مازلت على سفر. فسألني أين أقصد، وأجبته صان مرتين San Martin de los Andes. فسأل صان مرتين؟ على هذه الدراجة؟أجبت: نعم فقال: إنها بعيدة جدا. فقلت: كلم;. فقال ولكن الطريق يمر بمرتفعات حادة! فقلت له: يا صديقي لقد أتيت من أصوايا Ushuaia ومررت بكل أنواع التضاريس والمناخ فلم تعد المرتفعات تخيفني ولا المنخفظات . ثم سأل للمرة الثانية: "على هذه الدراجة؟، فأكدت له ;أجل، على هذه الدراجة! . نظر إلي نظرة من يشك في صحة قولي، فعاد إلى المينيباص دون أن يقول شيئا. ربما كان يظن أنني كنت أقيم في إحدى الفنادق القريبة وأنني كنت في نزهة صباحية لاستكشاف المنطقة. لكن، بعد بضعة دقائق رأيت كل أبواب المينيباص تنفتح ويخرج كل من كان بداخلها فيتجهون إلي. أطلقوا على وابلا من الأسئلة حول الرحلة: أين بدأت وأين تنتهي. المسافة اليومية. النظام الغذائي. نوع المنشطات...إلخ. وأخيرا دعوني إلى لشرب الماتي Mate.
استأنف الدراجون رحلتهم إلى فندق قريب على ضفة نهر ريو إرموصو Rio hermoso، وواصلت أنا مسيرتي إلى صان مرتين. وبعد نزول طويل وصلت إلى ضفة بحيرة لاكر Lago Lacar وكان الجو هناك مختلفا تماما عما كان عليه في أعالى الجبال. إذ لم يكن هناك أثر للمطر وكانت الشمس تنشر الدفئ في كل مكان. وصلت إلى صان مرتين، فكان أول ما قمت به هو البحث عن شباك أوتماتيكي. ولما وجدته حاولت سحب النقود فكانت محاولة ناجحة، ثم اتجهت إلى نزل كنت قد أقمت فيه أثناء رحلة 2003 وهناك حطيت رحالي.
- ثلج جديد في طريق البحيرات السبعة !!
- 3000 كلم على الدراجة الهوائية
- إعداد الغذاء
ـ أكلة شهية!
- على ضفاف بحيرة لاكار، وفي العمق صان مرتين
7-3-2013
يوم استرخاء في صان مرتين
- مناظر من المدينة
8-3-2013
صان مرتين ـ الممر الحدودي Mumil Malal مومل ملال 106 كلم.
عودة إلى القفار والحر
غادرت صان مرتين في الصباح وكانت وجهتي هي الممر الدولي مومل ملال Munil Malal للدخول إلى الشيلي. كانت الرحلة متعة. فلقد كان الجو جميلا فكانت الشمس تلمع في السماء الأزرق، وكانت المناظر تشبه تلك التي كنت قد رأيتها في أقصى الجنوب. ولم أنتظر طويلا حتى رأيت ثعلبا يسير بخطى سريعة كمن يريد ألا يتأخر عن موعد مهم. وصلت إلى خنين Junin de los Andes فدخلت مطعم پيتسا للغذاء، ثم مررت بمتجر لشراء بعض العصير والفواكه، فانطلقت إلى الحدود. كان الطريق في صعود ولكن بدرجات قليلة وعلى مسافة طويلة فكنت لا أحس به. وصلت إلى مدخل المنتزه الوطني لانن Lanin فبدأ طريق الحصى واستمر حتى الوصول إلى الحدود، أي لحوالي 10 كلم. لكن إذا لا تمطر فلا بأس. كان بركان لانن Lanin الشامخ هو المعلمة البارزة التي تهيمن بقوة على المنطقة (ارتفاع 3776 متر). لكن حينما كنت أمر بالقرب منه كانت الشمس توشك على المغيب ولم يكن الوقت مناسبا لالتقاط صور جميلة. غدا في الصباح ستكون الصور أجمل. على الساعة الثامنة مساء كنت على بعد3 كلم من الحدود الدولية. توقفت عند مكان جميل على الطريق الفرعي المؤدي إلى بحيرة ترومين Lago Tromen فأعددت الخيمة واستسلمت للنوم العميق.
نواحي خنين Junin de los Andes
- نهر مييو Malleo
- بركان لنين Lanin
9-3-2013
الممر الحدودي مومل ملال Mumil Malal ـ Pucon پوكون: 78 كلم.
الشيلي من جديد
استيقظت هذا الصباح على صوت قطرات المطر وهي تسقط على الخيمة. ظننت أنه ندى الصباح يسقط من الشجرة التي كنت أخيم تحتها. لما خرجت رأيت السحب تغطي كل المنطقة ولم أعد أرى لبركان لانن Lanin أي أثر. كنت قد ظننت أن مرحلة الأمطار قد انتهت لكن على ما يبدو فالقصة ما زالت لم تختتم بعد. وخاصة خلال اجتياز المرتفعات فاحتمال سقوط الأمطار يكون كبيرا جدا. تناولت الفطور ثم استلقيت على الحصيرة ففتحت كتابا وشرعت في القراءة آملا أن يتوقف المطر فأستأنف الرحلة في أحسن الظروف. ولما وصلت الحادية عشرة ولم يتحسن الجو شرعت في تهييء العدة استعدادا للإنطلاق. بعد حوالي كيلومترين وصلت إلى المركز الحدودي الأرجنتيني، فدخلت للقيام بإجرائات الخروج. كان الموظف الذي قابلته من هواة ركوب الدراجة فدخلنا في دردشة حول عالم الدراجات وكانت النار تتوهج في الومقد فاستأنست بالحديث ونسيت المطر. ولكن لكل حديث نهاية. ودعت الجماعة واتجهت إلى المركز الحدودي الشيلي. وصلت هناك فأكلت السندويتش وما كان قد تبقى عندي من فواكه، ثم دخلت طاهرا إلى التراب الشيلي من جديد. بعد اجتياز مكتب الحدود بدأ الطريق ينزل، وكان طريقا غير معبد لحوالي 15 كلم ولذلك فالتقدم كان بطيئا. أحسست بالبرد لأنني لم أكن أقم بأية حركة فتوقفت لارتداء الملابس الدافئة
كانت المناظر جميلة وكانت الرحلة ستكون أجمل لولا حالة الجو. وصلت إلى طريق الأسفلت فاستقبلني العالم القروي بمزارع ومنازل متفرقة على جنبات الطريق. وفي الأخير أشرفت على قرية كراروي Curarrehue. كنت قد أحسست بأولى علامات الجوع منذ مدة طويلة، إلا أنه بسبب الأمطار وانعدام ملاجئ الحافلات في هذا الطريق لم أستطع التوقف لإعداد الغذاء، فكان الصبر والإنتظار هو الحل. دخلت كرارويCurarrehue وكانت الساعة قد تجاوزت الثالثة. كان المطر قد خف شيئا ما وكان أول من خرج لاستقبالي ديك جميل كان يتمشى بجانب الطريق بغطرسة لا مثيل لها. تأملت فخديه فأحسست بأمعائي تتلوى وأسناني ترتجف وكأنها تريد أن تنقض عليه وتبتلعه حيا. حينما وصلت إلى مركز القرية توقفت عند مطعم فطلبت طعاما فبدأت آكل بشراهة حتى أحسست بالقوة تعود إلى جسمي من جديد. أحيانا أتعجب من الكميات الكبيرة من الطعام التي أستهلكها أثناء السفر على الدراجة. فاحتياجي من الطعام ليوم كامل في الأيام العادية أستهلكه في وقت واحد أثناء السفر. عاد النشاط إلى حواسي فأصبحت أهتم بما كان يدور حولي، وبدأت تتناهى إلى سمعي مختلف الأصوات. وماشدني منها هي دردشة بين مجموعة من الرجال كانوا يجلسون حول المائدة التي كانت على يميني. كانت الدردشة تدور حول بيع وشراء القطع الأرضية وتجارة الأبقار بين الأرجنتين والشيلي وكانت الصفقات بالملايين وكان كل واحد يتباهى على الآخر بالأرباح التي حققها باستغلال الفوارق بين البلدين. ظننت أنهم رجال أعمال، لكن لما التفت إليهم رأيت مجموعة من الرجال في حالة بئيسة يجلسون حول مائدة غطتها قنينات خمر فارغة، فأدركت أنهم كانوا يتحدثون عن ذكريات أيام مضت أو كانوا يخترعون قصصا من الخيال لقتل الوقت.
كنت أتردد بين مواصلة الرحلة إلى پكون Pucon والتوقف للمبيت في هذه القرية. لكن في الأخير تشجعت فامتطيت الدراجة من جديد وانطلقت في اتجاه پكون. كان الطريق جيدا ومنبسطا وسرعان ما توقف المطر. وصلت إلى تلك المدينة وكانت الساعة تقترب من السابعة. توقفت عند زوج لأسألهما عن مكان للمبيت فتبين لي أنهما كانا سائحان أمريكيان وكانا يقيمان في مخيم قريب، فأرشداني إلى المخيم فأصبحت جارهما خلال اليومين التاليين
- الديك الذي دوخني
- الطريق إلى پكون
10-3-2013
يوم استراحة واسترخاء في Pucon پكون
خرجت للقيام بجولة في المدينة فرأيت أنها تتوفر على عدة متاجر ومقاهي ومطاعم وصالون آيس كريم وحلويات من الدرجة الأولى. كنت أحاول استرجاع بعض الذكريات القديمة، لكن لم أتذكر شيئا كثيرا من تلك الرحلة الأولى لأنني في ذلك الوقت قضيت هنا ليلة واحدة فقط وفضلت الإقامة لوقت أطول عند بحيرة كابرغا Lago Caburgaعلى بعد 25 كلم من المدينة. لكن ما أتذكره جيدا هو صوت بائعة أوميطاص Humitas. نزلت آنذاك في محطة الحافلات فرأيتها أمامي تقف وراء عربتها الصغيرة وتنادي بصوت حاد أُومِيطَاصْ كَالْيِنْطِيطَآآآصْ.. أوميطاص كالينطيطآآآص.. أوميطآآآآص!Humitas calientetaaaaas، فاقتربت منها وسألت عما كان ذلك، فقالت أنه ذرة مطحونة وملفوفة في ورق الذرة مع بصل وزبدة ومطبوخة في الماء. اشتريت واحدة فكان ذلك أول مرة آكل أوميطاص. Calientetas هو تصغير ل caliente وتعني ساخن. لقد تعجبت اليوم حينما مررت بنفس المكان بالصدفة لأسمع نفس الصوت ينادي بنفس الحدة أُومِيطَاصْ كَالْيِنْطِيطَآآآصْ.. أوميطاص كالينطيطآآآص.. أوميطآآآآص14 سنة مضت ولم يتغير شيء! لم أتذكر ولم أسألها هل هي نفس المرأة أم أنها وريثة المهنة، لكن كانت بالنسبة لي المرة الثانية التي آكل فيها أوميطاص.
تعتبر پكون Pucon إحدى أهم المنتجعات السياحية بالمنطقة. فهي تقع على الضفة الجنوبية لبحيرة بياريكا Villarica وعند قدم بركان يحمل نفس الإسم. وتعتبر أيضا نقطة انطلاق للقيام بجولات إلى عدة مناطق سياحية أخرى بالمنطقة كبحيرة كبورغا Caburga ومنابع المياه الساخنة مثل ترماس ذي ويفي Termas de Huife وترماس ذي پلكين Termas de Pelquin، وكذلك هناك إمكانية زيارة عدة شلالات وممارسة رياضة الرافتنع Rafting في نهر ترنكورا Trancura. لكن أهم الأنشطة في المنطقة هي تسلق بركان بياريكا Villarica وهو أحد البراكين النشطة في المنطقة. في بعض الأحيان، وخاصة حينما تكون السماء صافية، يمكن أن ترى سحابة من الغازات تنبعث من فوهته. ومن حين لآخر يلفط سيولا من اللاڤا (آخر انفجار وقع في سنة 1984). تتوفر پكون على مختلف التجهيزات السياحية من فنادق ومكاتب للخدمات السياحية، وهي تعج بالسياح في فصل الصيف.
- مناظر من مدينة پكون Pucon
- بحيرة بياريكا Villarica
- بركان بياريكا
- قطان شيليان من پكون
11-3-2013
پوكون Pucon ـ نواحي Perquenco پيركينكو : 148 كلم
بداية المرطون إلى Santiago صنتياغو
هناك عدة طرق تؤدي إلى صانتياغو Santiago. أجملها هي الطرق الثانوية التي تمر بالمناطق الجبلية والأماكن مثل ملپيوكو Melipeuco لنكماي Lonquimay ورالكو Ralco ثم الإتجاه نحو الساحل والمرور بالمدن والقرى الساحلية. لكن هدفي الأول الآن ليس هو الإستمتاع، بل الوصول إلى صانتياغو Santiago في أقرب وقت ممكن لأنطلق بعد ذلك إلى مدينة كتماركا Catamarca الأرجنتينية. لذلك وقع اختياري على الطريق السيار رقم 5، لكونه أقصر طريق بمسافة تبلغ حوالي 800 كلم. كنت فكرت كذلك في ركوب الحافلة، لكني عدلت عن الفكرة وقلت لابأس في الإستمرار بالدراجة واستكشاف المنطقة ولو بشكل سطحي.
.
انطلقت من پكون Pucon في الصباح وكان أملي أن أصل إلى صانتياغوSantiago يوم الجمعة. كان الجو مشمسا وكان الطريق يمر على الضفة الجنوبية لبحيرة بياريكا Lago Villarica فظلّت المناظر الجميلة ترافقني طوال الوقت. بعد استراحة القهوة في مدينة بياريكا تركت البحيرة والبركان ورائي وواصلت الطريق إلى فرايري Freire. وعند الوصول هناك دخلت الطريق السيار رقم 5 فكان الكتف كله مجالي الخاص. كانت تجربة فريدة وإحساس غريب، حيث أنها كانت أول مرة أركب الدراجة الهوائية وأسير في الطريق السيار. عند غروب الشمس كنت على مشارف تيمكو Temuco. لم يكن في مخططي ما يلزم علي الدخول إلى المدينة، فالتزمت الطريق السيار الذي كان شكله عند هذه النقطة يتحول إلى نصف دائرة ليمر عبر الهضاب المحيطة بالمدينة. كنت أنظر إلى تيموكو من هناك فلا أرى إلا أضواءها الباهتة وهي تتلألأ وتودع بقايا ضوء النهار التي كانت مازالت عالقة في الأفق.
تيموكو هي المدينة التي ترعرع فيها شاعر الشيلي الكبير پابلو نيرودا Pablo Neruda. في أحد أيام سنة 2003 كنت أسافر عبر هذا الطريق في رحلة بالحافلة من بالپرايصوValparaiso إلى تيموكو Temuco. وأثناء الرحلة وضعوا لنا شريط فيديو وثائقي حول حياة هذا الشاعر، ومن القصائد التي كان يقرأها قصيدة يبدأها هكذا:
أستطيع هذه الليلة أن أكتب أكثر الأشعار حزنا
أكتب مثلا: كانت السماء مزينة بالنجوم
وكانت الكواكب الزرقاء تتلألأ من بعيد
رياح الليل تدور في السماء وتغني.
أستطيع هذه الليلة أن أكتب أكثر الأشعار حزنا
لقد أحببتها، وأحيانا هي أيضا أحبتني.
في ليال كهذه كنت أحتظنها بين ذراعي.
وكنت أقبلها تحت السماء اللامتناهية.
لقد أحبتني، وأحيانا أنا أيضا كنت أحبها
كيف لا تحب أعينها الكبيرة والثابتة .
أستطيع هذه الليلة أن أكتب أكثر الأشعار حزنا
….
مع الأسف لم أجد ترجمة على النيت. سأحاول ترجمتها في المستقبل وسأضيفها إلى هذه الحلقة
- الطريق السيار رقم 5
- موسم الحصاد
12-3-2013
نواحي Perquenco پيركينكو ـ نواحي Bulnes بولنس: 202 كلم
اليوم الثاني في الطريق السيار
كان الجو صيفيا بمعنى الكلمة وكانت الشمس تسطع في السماء الصافية فأحسسست بالحر يكوي جسمي كلفح اللهيبه كان نهرا عظيما ماؤه السيارات والشاحنات، وأن التيار يجرفني إلى الأمام بقوة لا تقاوم. تحولت مراعي البقر والغنم إلى حقول ذرة وشعير تمتد إلى بعيد. من حين لآخر كنت أمر بكوخ على جانب الطريق يبيع ويصيوص Mote con huesillos وبعض الأكلات المنزلية، فكان أفضل مكان للإستراحة. ويصيوص Mote con huesillos هو مشروب يحضر بالقمح المطبوخ في الماء وعصير المشمش المجفف. إنه مشروب منعش يشفي الغليل ويزود بالكالوريات اللازمة لمواصلة الطريق. وصلت إلى نواحي بولنس Bulnes فرأيت العداد يسجل 200 كلم. إنه رقم قياسي جديد كمسافة يومية لهذه الرحلة! بهذا التقدم أصبحت الآن متأكدا من الوصول إلى صانتياغو يوم الجمعة. بدأت أتحين الفرصة للخروج من الطريق والبحث عن مكان لقضاء الليل. لكن لما رأيت مكانا صغيرا على جانب الطريق توقفت فاتخذته مكانا لحط الرحال. كنت على يقين أنه بسبب الإرهاق سأتمكن من النوم دون الإكتراث بضجيج السيارات. ولكن بمجرد استلقائى على الحصيرة، أصبحت لا أكترث إلا بضجيج السيارات فوضعت يدي في إحدى الأكياس أبحث على العلبة التي تحتوي على سدادات الأذن، إلا أنني قبل أن أجدها كنت قد استسلمت للنوم العميق
- نهر ماييكو Malleco
13-3-2013
نواحي بولنس Bulnes ـ نواحي San Javier صان خافيير: 157 كلم
مشاكل تقنية لكن لا بأس
لقد حصل اليوم ما كنت أخافه. لقد أرغمت مرتين للتوقف لإصلاح الأنبوب الداخلي للإطار. ولم أستغرب كون العجلة الخلفية هي التي كانت الضحية في كلا المرتين. فكون الإطار الذي اشتريته في پويرطو منط Puerto Montt لا يتوفر على طبقة وقائية جعل الأنبوب الداخلي عرضة لكل الأشياء الحادة. وما أكثرها في هذا الطريق. عدا هاتين الحادثتين وضجيج السيارات، فاليوم الثالث في الطريق السيار قد مر بخير. هناك أيضا أشياء أجابية في مثل هذه الطرق كوجود محطات بنزين عصرية وأماكن خاصة للإستراحة مجهزة بكل المرافق وحتى الوايفاي موجود. بالإضافة إلى هذا، وبما أن الطريق يمر بمناطق آهلة، فهناك أيضا مطاعم على طول الطريق وحين تمر بين الحقول تجد أيضا أكواخا لبيع الفواكه الطازجة. فأنا الآن أتواجد في الوادي المتوسط Valle central. وهي منطقة تقع وسط الشيلي وتمتد على مسافة 600 كلم من صانتياغو إلى نهر بيوبيو Biobio (مررت به يوم أمس عند الظهيرة) جنوبا. تحدها من الشرق جبال الأنديز ومن الغرب سلسلة الجبال الساحلية. تشكل هذه المنطقة القلب النابض للبلد، إذ بها توجد معظم المدن التي بنيت أثناء المرحلة الإستعمارية وتتمركز فيها أغلب الأنشطة الفلاحية. عند قدوم الإسپان كان يسكن المنطقة مزيج من السكان الأصليين (ماپوتشي Mapuche) والإنكا Inca. كان عددهم حوالي 25000 نسمة لكنه تراجع بسرعة نتيجة هلاك بعضهم في مزارع المستعمريين وفرار من تبقى إلي الجنوب. كانت أغلب أراضي المنطقة تغطيها الغابات، وكان النشاط الفلاحي يقتصر على الشريط الساحلى حيث كانت تتمركز أيضا بعض التجمعات السكنية. بدأ التوسع إلى الشرق تدريجيا وسرعان ما أصبحت المزارع الكبيرة تمثل المحور الأساسي لاقتصاد المنطقة وأصبحت تنتج فائضا يتم تصديره إلى پيرو وبوليفيا. خلال الأربعينيات من القرن الثامن عشر تم تأسيس معظم مدن المنطقة التي توجد الآن على مسار الطريق السيار إلى صانتياغو. ولعل أهم عامل غير المنطقة هو إنشاء قنوات الري في القرن التاسع عشر مما أدى إلى انتشار الزراعة المسقية وانتقال النشاط الرعوي إلى الجنوب. والآن فقد أصبح النشاط الفلاحي السائد هو استغلال الأشجار المثمرة للتصدير إلى مختلف الأسواق العالمية. كنت أرى من الطريق العديد من معامل تلفيف الخضر والفواكه وحقول الكرم لا يحدها البصر. ولذلك فليس من الغريب أن أختار اليوم مكانا جميلا بين تلك الحقول لنصب الخيمة.
14-3-2013
نواحي صان خافيير San javier ـ نواحي Curico كوريكو: 108 كلم
عراقل في الطريق
ركبت الدراجة في الصباح وكان هدفي هو الوصول إلى رانكاواRancagua. عند الظهيرة توقفت للإستراحة عند إحدى محطات البنزين. كان الحر قد اشتد، وبعد تناول الغذاء وشرب القهوة استسلمت للخمول. قررت أن أمدد فترة الإستراحة وأعوض المسافة الضائعة في الليل، ففتحت الإنترنيت واستسلمت للتسلية إلى أن خف الحر. استأنفت الرحلة فوصلت إلى نهر لنتوي Lontue قرب كوركو Curico وكان الظلام قد خيم على المنطقة. لكن فوجئت بكون الطريق على طول القنطرة لايتوفر على كتف. كان هناك رصيف ضيق إلا أنه حسب تقديري لا يتسع إلا لشخص نحيل الجسم. كانت قنطرة طويلة والطريق مزدحم فلم أتشجع لاجتيازها. حسب جهاز GPS فليس هناك قنطرة أخرى قريبة. ما العمل إذن؟ رجعت حوالي نصف كيلومتر إلى محطة بنزين كنت قد مررت بها قبل قليل وسألت ماذا يفعل أهل البلد من الدراجين عند الوصول إلى تلك القنطرة، فقالت لي إحدى المستخدمات أن هناك مكانا آخرا للعبور. إلا أنها أضافت أن ذلك يتطلب المرور بحي سيء السمعة. وخاصة في ذلك الوقت بالذات فالسلامة غير مضمونة. فخيرتني بين المجازفة بحياتي فأمر على القنطرة أو بمالي فأمر بالطريق البديل.. أو أنصب الخيمة في ساحة المحطة وأقضي الليل بأمان. فأجبتها: سأجازف أولا بحياتي وإن فشلت المحاولة سأجرب الخيارين الآخرين ، ثم رجعت مرة ثانية إلى القنطرة فانتظرت حتى انقطع سيل السيارات ثم تركت الدراجة ورائي وجربت مترجلا لأقدر المسافة. كان طولها حوالي 300 متر. عند العودة إلى الدراجة انتظرت مرة أخرى حتى انقطعت حركة المرور ثم انطلقت مسرعا. مر كل شيء بسلام. لكن بعد حوالي 15 كلم وصلت إلى نهر تينو Teno فوجدت أمامي قنطرة ثانية وكانت أطول من الأولى. (700 متر) وبدون كتف! لا مجال للمجازفة! تركت الطريق السيار وتبعت طريقا من التراب يؤدى إلى النهر. لم يكن فيه ماء كثير، لكن لم يكن في استطاعتي تقدير عمقه في الظلام فقررت أن أحط رحالى هناك وأنتظر ضوء النهار، فنصبت الخيمة واستسلمت للنوم العميق
- خيمة بين حقول الكرم
15-3-2013
نواحي كوريكو Curico ـ نواحي Mostazal مصطصال: 123 كلم
عراقل لليوم الثاني
استيقظت في الصباح وألقيت نظرة على القنطرة فرأيت حركة دؤوبة في كلا الإتجاهين. لكن كنت أريد اختبار النهر أولا قبل اللجوء إلى القنطرة أو البحث عن قنطرة أخرى، فكان أول ما فعلته هو القيام بجولة استطلاعية بحثا عن مكان مناسب لعبور النهر. ولما وجدته، أخذت عصا طويلة وبدأت بالعبور لاستكشاف حالة الأرضية والعمق وقوة التيار. مرت التجربة بسلام، ثم عدت إلى الخيمة فأعددت الفطور وجلست آكل سندويتش بالبيض المقلي في زيت الزيتون وأحتسي الشاي بالنعناع
انتهيت من الأكل فهيأت الدراجة والعدة وانطلقت. بعد عبور النهر دخلت من جديد إلى الطريق السيار. كانت لا تزال تفصلني حوالي 190 كلم عن صانتياغو. بسبب القنطرة والنهر فقد توقفت أمس قبل تسجيل الحد الأدنى للمسافة التي كنت أريد تحقيقها. لذلك فمرحلة اليوم أصبحت أطول مما كان في الحسبان. على أي حال، هذا إذا كنت أريد الإلتزام ببرنامجي والوصول إلى صانتياغو ليلة اليوم. لكني لست متحمسا لمثل هذه المسافة ولا لدخول مدينة كبيرة أثناء الليل. لذلك فهدف اليوم هو الوصول إلى نواحي مدينة Paine پايني.
توقفت لتناول وجبة الغذاء عند أحد المطاعم الطرقية ثم واصلت السير في اتجاه Paine پايني. ولما وصلت إلى محطة بنزين في نواحي رانكاواRancagua عرجت عليها للإستراحة. بينما أنا جالس أشرب القهوة، اقترب مني شاب قال أنه من صانتياغو وسألني من أين أتيت وأين أقصد. كان هو أيضا من عشاق ركوب الدراجة ويعرف كل صانتياغو وشعابها. تصفحنا الخريطة فبين لي الطريق المناسب للدخول إلى المدينة. لكنه نبهني بكون ذلك الطريق يمر ببعض الأحياء المهمشة في الضاحية الجنوبية من المدينة. سألته عن الحالة الأمنية في تلك الأحياء، فقال أنها على العموم تكون آمنة خلال الصباح. لا حرج إذن، إذ سيكون الوصول إلى صانتياغو في صباح الغد.
تودعنا فانطلقت من جديد. بعد بضعة ساعات كنت أستعد لاجتياز أول نفق في هذه الرحلة. كنت قلقا لأنني سمعت أنه لا يتوفر على كتف. قصة القنطرة تتكرر من جديد ولا أعرف ما عسى أن يكون الحل هذه المرة. كان الليل قد أسدل ستاره حين وصلت إلى مركز للأداء يقع على حوالي 2 كلم قبل النفق. سألت أحد المستخدمين فقال أن الدراجات تستعمل الطريق الذي يأتي من الإتجاه المعاكس ، إذ أن ذلك لا يمر في النفق. لكنه نصحني بالإنتباه والحذر، لأنه هو أيضا لا يخلو من المخاطر، إذ أن الكتف يختفي بمجرد الوصول إلى نقطة معينة ليتحول إلى مسلك يستعمل للدخول من طريق ثانوي. ولتفادي أي مواجهة مباغتة مع السيارات فإنه كان من الأفضل انتظار ضوء النهارحيث تكون الرؤية أحسن. عملت بالنصيحة فرجعت حوالي 5 كلم إلى الوراء حيث كان هناك مكان مجهز للإستراحة، فنصبت الخيمة واستسلمت للنوم العميق.
- القنطرة التي قضت علي بالمبيت في هذا النهر
- العبور
- الفواكه الطازجة متوفرة
16-3-2013
نواحي مصطصال Mostazal ـ Santiago صانتياغو: 68 كلم
4000 كلم على الدراجة الهوائية
انطلقت في الصباح فاتجهت إلى النفق من جديد. قبل الوصول بنحو نصف كيلومتر انتقلت إلي الإتجاه المعاكس فأصبحت وكأنني أسبح ضد التيار. لم أتأخر كثيرا حتى وصلت إلى المكان الذي ينعدم فيه الكتف. لكن الرؤية كانت جيدة والمسافة قصيرة ولم يكن طريق الدخول مزدحما فمررت بسلام. وبعد بضعة كيلومترات رجعت من جديد إلى الطريق الذي كنت قد غادرته قبل النفق. بعد حوالي 4 كلم وصلت إلى طريق المدخل الجنوبي Acceso sur فعملت بنصيحة الدراج الذي التقيته في رانكاوا Rancagua فتبعته وودعت الطريق 5 . كانت حركة المرور ضئيلة جدا في هذا الطريق والحرارة مرتفعة وكان العمران قليلا والمتاجر منعدمة تماما. من حسن حظي فقد كان معي من الماء ما يكفي لأروي عطشي خلال المسافة المتبقية إلى صانتياغو. لكم كنت سعيدا بالعودة إلى السكون والخلاء بعد 5 أيام في ضجيج لا ينقطع!
عند الإقتراب من صانتياغو ألقيت نظرة على العداد وكان يقترب من تسجيل 4000 كلم، وكنت أستعد للرقصة الألفية. إلا أنني فوجئت بكثافة حركة المرور وفي غمرة ذلك نسيت الإنتباه إلى العداد فأضعت الفرصة. وصلت إلى مركز المدينة بسلام فطرقت باب نزل بالقرب من الشارع الرئيسي ففتح الباب واتجهت إلى مكتب الإستقبال. كان كلام المستخدمة يدل على أنها ملمة بجميع قواعد الماركتنغ. بعد الحجز بدأت تعرض عل الأنشطة التي يقدمونها للنزلاء فقالت وهي ترسم ابتسامة عريضة على محياها الجميل : أنت من محبي ركوب الدراجات إذن.. شيء جميل! لدي عرض لا شك أنه سوف يعجبك. عندنا في برنامج الغد رحلة بالدراجات الهوائية إلى.. مسكينة كانت تظن أنه بعد قطع حوالي 800 كلم بشكل متواصل ما زلت أتشوق للمزيد فقاطعتها على التو: لالالا..أنا آسف! فابتداء من الآن لم أعد من هواة ركوب الدراجة. لقد تخليت عن تلك الهواية وأصبحت هوايتي الآن هي الإستلقاء على السرير أوالإسترخاء على أريكة مريحة حتى يحين الوقت للإنطلاق من جديد.. طبعا كان السرير مريحا، وكانت الأرائك في الحديقة تتوفر على كل متطلبات الإسترخاء
دخلت الغرفة فاستلقيت علي السرير واستسلمت لقيلولة قصيرة. ولما استيقظت نزلت إلى الحديقة حيث كان يجلس مجموعة من النزلاء من مختلف الجنسيات فانظممت إليهم . كانت الدردشة لطيفة لولا مشادة كلامية حصلت بين سائحين أمريكيين فعكرت الجو. حصل ذلك حينما بدأ أحدهما يتكلم بالهاتف مع أمه. ولما انتهى خاطبه صديقه بغضب: هذه هي المرة الخامسة التي تتكلم فيها مع أمك.. في يوم واحد. لا يمر حدث إلا واتصلت معها لتفيها بالتقرير. قل لي إذن هل أتيتُ إلى جنوب أمريكا لأغامر مع رجل أم مع صبي لا يقوى على فراق أمه؟ فقاطعه الآخر: ماذا تقول؟ المرة الخامسة؟ لا إنها المرة.. فصرخ الآخر: لا تحاول أن تكذب! إني أتذكر كل شيء! ويوم أمس كذلك وقبله وقبله.. لقد حذرتك حينما كنا في بوليفيا Bolivia بالكف عن هذا السلوك الصبياني. إنني صراحة أخجل منك ولم أعد في حاجة لمصاحبتك، أتفهم؟ فرد الآخر: إنه من حقي أن أتكلم مع أمي.. فقاطعه الأخر: لا! هذه ليست قضية حق، وإنما أنت صبي لا تستطيع فراق أمك، وقد أخطأت حينما استدعيتك لمرافقتي في هذه الرحلة. كنت أظن أنك رجل صلب، ولكنك لا تعدو أن تكون صبيا..;. كانا الشابان في أوائل العشرينات، وعلى ما يبدو في أول رحلة للمغامرة وإثبات رجولتهما في جنوب أمريكا. من العادي أن يقع مثل هذا الصدام. لكن طريقتهما في التعامل معه استقطبت كل الإهتمام. طالت المشادة فكلما حاول الأول نطق كلمة للدفاع على نفسه إلا وقاطعه الثاني وبصوت أعلى بوابل من الإتهامات ثم يكررها ويعيد تكرارها بدون ملل. لحسن الحظ لم أمكث طويلا للاستماع إلى هذا الشجار فقد كان عندي موعد مع پاولا Paula و ناتشا Nacha فخرجت وتركت الجو ما زال عكرا. تعرفت على پاولا وناتشا في نزل مويا Moya في مدينة تشايتن Chaiten. ثم التقيت بهما بالصدفة في مدينة أنكود Ancud في جزيرة تشلوي فتواعدنا أن نلتقي في صانتياغو حيث يسكنان. پاولا تدرس التاريخ بالجامعة الكاثولكية بصانتياغو، وناتشا تدرس علم النفس بنفس الجامعة. ولهذا فلم أكن في حاجة إلى مرشد سياحي في هذه المدينة.
فريق التطوير يتمنى لكم رحلات ممتعة