تونس الخضراء، تونس السياحة الثقافية، أرض التاريخ والحضارة، عشرات المواقع التاريخية والمعالم والمتاحف تنتظر السواح
لتعريفهم بحضارات الأمازيغ والبونيق والرومان والوندال والبيزنطيين والعرب المسلمين، حيث يهتم بتطوير هذا النوع من
السياحة وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية التي تقوم بإنشاء منتزهات أثرية حول المواقع الموجودة، وبإصلاح وترميم المعالم
التاريخية، وبإدارة شبكة المتاحف الوطنية مثل باردو وقرطاج والأثرية كنابل، صفاقس، قفصة والمكثر وغيرها، متحف الفنون
والتقاليد الشعبيّة بالمنستير، متحف رقادة للفنون الإسلامية، والمتحف الإسلامي برباط المنستير .. ومن المتاحف المنتشرة عبر
مناطق تونس هناك متحفان بولاية سوسة، المتحف الأثري النفيضة، والمتحف الأثري بسوسة داخل القصبة.
وسط السواحل الشرقية لتونس الخضراء، تقع مدينة سوسة مطلة على البحر المتوسط، متربعة ضمن عرش أكثر المدن التونسية
الساحلية جاذبية، سواحلها الرملية وتضاريسها السهلية ومناخها المعتدل جعلها وجهة لكثير من السياح الأوروبيين، “جوهرة
الساحل” مقصد الكثيرين لا سيما أنها تقع قريبة من المدن السياحية الأخرى، على بعد 140 كلم جنوب العاصمة تونس و120
كلم شمال صفاقس، 50 كيلومترا عن القيروان العريق، و 65 كلم عن منطقة الحمامات.
ندخل هناك في سوسة حيث المدينة العتيقة والمصنفة في قائمة التراث العالمي، نتجول بين تراثها وعمرانها وداخل قلعتها
(القصبة) التي بناها الأمير الأغلبي أبو العباس محمد سنة 851 م جنوب غرب المدينة، هناك يوجد المتحف الأثري الجديد الذي
أعيد افتتاحه في يونيو 2012 بعدما أعيد ترميمه طيلة خمس سنوات نظرا لتردي حالته ولضيق مساحته، وهو المتحف الذي تم
إنشاؤه سنة 1897م ليعرض مجموعة كبيرة من اللوحات الفسيفسائية من فترات تاريخية وحضارات مرت على منطقة سوسة.
مخلفات تاريخية وآثار تروي تاريخ “أدريم” الاسم القديم لمدينة “سوسة” في العصر البونيقي والذي تحول إلى “هدرومتوم”
أيام الحضارة الرومانية ثم “هونيريكوبوليس” في الحقبة الوندالية وفي عصر البيزنطيين تحول اسمها إلى “جوستينيا نوبوليس”
، عصور وحضارات ترويها العديد من اللّوحات الفسيفسائية والمنحوتات والأثاث الجنائزي والتماثيل والمسلات والنصب
النذرية الحجرية.
في جناح الاستقبال الموجود بمدخل المتحف الرئيسي توجد مكتبة صغيرة تعرض لمحة عن تاريخ منطقة “الساحل” التونسية
خلال العصور القديمة والإسلامية، هناك أيضا يوجد مكان حجز التذاكر، حيث يمكنك الحصول على تذكرة الدخول مقابل 9
دنانير تونسية، وللعلم فإن المتحف يفتح أبوبه كل يوم ابتداء من التاسعة صباحا إلى السادسة مساءً، في الفترة الممتدة من
منتصف سبتمبر إلى نهاية مارس، ومن التاسعة صباحا إلى السابعة مساء في الفترة من أبريل إلى سبتمبر.
أما المدخل فهو في شكل بهو مربع تحيط به أعمدة قديمة أعيد ترميمها، يُعرض به نحتٌ لموكب نصر روماني من القرن الثالث
الميلادي، ويفضى إلى قاعة المعارض والندوات الثقافية، وتوجد القاعات الرئيسة للعرض في طابق أرضي تحت أرضية الفناء
الأكبر للقلعة، تغلب العتمة والجو المهيب على المتحف ويدخله الضوء الطبيعي من خلال الفتحات الجانبية للقلعة، وتغمر قاعات
العرض أضواء اصطناعية تبرز المجموعات الثرية الموجودة.
ثلاث قاعات أخرى تقوم بعرض القطع المرتبطة بالطقوس الجنائزية البونيقية والرومانية وأخرى من أواخر الحقبة القديمة،
توجد القاعة البونيقية التي تعرض مجموعة من مسلات وجرار جنائزية عثر عليها في معبد التوفيت بمنطقة سوسة ، وأيضا
على أثاث جنائزي عثر عليه في الحفريات التي أجريت داخل القصبة.
أما القاعة الرومانية فهي تعرض مجموعة من التماثيل الصغيرة وأشهرها تمثال “المرأة الثملى” والمسلات الجنائزية الوثنية
والأواني الفخار ذات اللون الأحمر الفاتح والزخارف النافرة، وهي آثار تم العثور عليها في مواقع أثرية مختلفة من منطقة
الساحل التونسية، وقد عرضت اللوحات الفسيفسائية الرومانية بشكل يسمح للزوار بمشاهدتها بسهولة حيث وضعت على مستوى
حركتهم، فأحيانا تجد لوحات على أرضية القاعة في مستوى منخفض، وأحيانا في مستوى مرتفع على حوامل قائمة.
ينتهي المسير داخل المتحف في القاعة المسيحية التي تتوسطها لوحة مشهورة جدا هي “مائدة الطعام الجنائزية”، يعرض في
القاعة أيضا مجموعة من اللوحات الفسيفسائية والمسلات والنقوش الجنائزية المسيحية التي وجدت في سراديب تحت الأرضية
بمدينة سوسة، وهي مجموعة تعتبر الثانية من حيث الأهمية في العالم القديم بعد المجموعة الموجودة بمدينة روما.
يحتوي المتحف على لوحات فسيفسائية تاريخية وأخرى أسطورية، مثل اللوحة المشهورة التي يبدو فيها “نبتون” الذي يعتبر
حامي المدينة وهو يركب عربة يجرها حصانان بحريان، وتلك اللوحة التي تصور العجوز “نيري” وحفيدات “أوسيون” على
ظهور الدلافين أحيانا، وعلى أحصنة البحر وحيوانات أخرى، وتبدو أيضا أسطورة “فينوس” في كثير من اللوحات.
ومن بين ما يحتويه المتحف من لوحات فسيفسائية، توجد لوحة نادرة عملاقة الحجم في شكل بلاط فسيفسائي كبير كان يغطى
أرضية الكوبيوكولوم أو غرفة النوم في منزل “فيرجيل”، تصور اللوحة أسطورة ديونيزوس – ياخوس حيث انتصر ديونيزوس
الشاب اليافع على الهنود وهو واقف على عربة تجرها أربعة نمور وتقودها شخصية خرافية تسمى “ستير” وبالقرب من شخص
ذو ذيل طويل يحمل كأس الانتصار، وخادمة تضرب على الطبل.
هولمز