26-08-2016, 10:25 AM
|
#69 |
عضو قدير
تاريخ التسجيل : Dec 2014 رقم العضوية : 732 الجنس : انثى المشاركات : 1,600 أوسـمـة: Deena |
كل الاوسمة:2 (more»)
| | السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وجمعة طيبة للجميع ان شاء الله ..
أعود لتكملة الموضوع من حيث توقفت – إذ توجهنا من المطعم في سايمونز تاون إلى رأس الرجاء الصالح.. اسم يرنّ في ذاكرتي منذ طفولتي المبكرة، ربما سمعته لأول مرة في برنامج تلفزيوني أو نحو ذلك، وأذكر تماماً كم ضحكت مع شقيقتي على الاسم الغريب وألفنا النكات الطفولية عن رأس رجاء وراس صالح... كما يحضرني صوت معلمة الجغرافيا بصوتها الرنان وهي تحكي لنا قصة اكتشاف المكان واهميته الجغرافية والتجارية .. إلا أنني لا أنسى يوماً اهتمامي الغريب وتعلقي برأس الرجاء الصالح فقط لأنه النقطة الأبعد جنوباً في إفريقيا...كنت أتخيل شغف المستكشفين ومثابرتهم للوصول إلى المجهول الذي قد يموتون في سبيله، وأتخيل فخرهم بالاكتشاف الكبير .. فأشعر أنني بحاجة لأقف في ذلك المكان استعيد الأحداث وأستحضر الأجواء ..
ولكن الحياة الواقعية ليست حالمة بهذا الشكل. اخترت الجولة السياحية لأنها تتضمن زيارة رأس الرجاء الصالح بالفعل، ولكن الرياح لا تأتي دوما بما نشتهي -والمثل في هذه المرة ينطبق حرفياً:
سارت بنا الحافلة حوالي الساعة قبل الوصول إلى محمية رأس الرجاء الصالح، وهي منطقة شاسعة تمتد حتى اطراف المحيط وتعيش فيها أنواع عديدة ومحمية من النباتات والحيوانات، لم نر منها إلا غزالا واحداً بسبب الأجواء السيئة.
وصلنا إلى مكان المنارة وترجلنا من الحافلة .. تباطأ البعض في تجوالهم واحاديثهم معاً أما أنا -وهي من فوائد التنقل وحيدة- فأسرعت إلى مكتب التذاكر وحصلت على تذكرة صعود ونزول بالقطار الجبلي funicular وتوجهت هناك بسرعة. في تلك الأثناء كانت سرعة الرياح بلغت اوجها، إلى حد أنني لم أتمكن من التماسك والثبات بينما صعدت الدرجات المتبقية بعد محطة القطار وصولاً إلى المنارة.
المكان جميل جداً والإطلالة أكثر من رائعة، ولكن الصور للأسف سيئة جداً بسبب اهتزاز الأجسام والأيدي والكاميرات مع كل هبة ريح بينما تطايرت الأوشحة وجاهد الجميع للبقاء ثابتين في أماكنهم!
حاولت كثيرا إدراج الفيديو بالشكل الصحيح ولم أفلح أبداً !!
بحسب كلام الدليل، فإن الفكرة السائدة بظهور التقاء المحيطين الهندي والأطلسي من هذه النقطة غير صحيحة، إنما يمكننا أن نرى ملتقى تيار دافئ وآخر بارد بما يشبه نقطة فوران للماء ...
هنا كانت للريح الكلمة الفصل، فقد هبّت بقوة أعنف مما سبق فقررت العودة إلى القطار ثم الحافلة – فالرؤية لم تكن واضحة والتجربة تخلو من المتعة بينما أحاول أن أتماسك كي لا أسقط أو يطير وشاحي الذي منعني من الرؤية لغالبية الوقت
ليست الريح العاتية بالظاهرة الغريبة هنا. فعندما اكتشف بارثلوميو دياز رأس الرجاء الصالح في القرن الخامس عشر، أطلق عليه اسم "رأس العواصف" .. إلا أن الملك البرتغالي جون الثاني غيّر الاسم إلى "رأس الرجاء الصالح" تيمناً و تفاؤلاً بما سيعود به الاكتشاف من فوائد تجارية نظراً لوجود طريق بحري يربط أوروبا بالهند..
نزلت سريعاً، وما إن وصلت إلى الحافلة حتى بدأ المطر بالهطول قبل أن يتحول إلى عاصفة من البرَد الكثيف ويهبط الظلام قبل أوانه. بقيت في الحافلة مع الدليل ننتظر رفاق الرحلة السبعة الذين تأخروا كثيراُ.. فلا يعقل أنهم يستمتعون بالمناظر من الأعلى في هذا الجو التعيس. مرت أكثر من نصف ساعة قبل أن يظهر اولهم، يتبعه رتل من البشر الذين يقطرون ماء من كل مكان : فقوة الريح والمطر سببت انقطاع الكهرباء وتوقف القطار الجبلي، وبالتالي كان عليهم النزول لمسافات طويلة سيرا على الأقدام!
ساد الوجوم الأجواء فالجميع يعاني من الإرهاق والبرد والبلل، ولا زال الجو في أسوأ أحواله.. فهبطنا إلى الشارع الرئيسي لاستكمال الطريق بدورة كاملة حول منطقة الرأس الغربي وفقاً للمخطط ... إلا أننا فوجئنا بأن الطريق مغلق بسبب سقوط الأشجار فعدنا أدراجنا من حيث أتينا سالكين الطريق ذاتها..
هنا زادت حدة التوتر في الأجواء، وحاول الدليل أن يلطفها ولكنه لم يفلح -بل إن البعض حاول إلقاء اللوم عليه- فآثر الصمت على الجدل والكلام. وليزيد الطين بلة، علقنا في أزمات مرورية خانقة نظراً لإغلاق الكثير من الطرق بسبب الخوف من سقوط الأشجار أو الانزلاقات الصخرية وغيرها... مما زاد حدة الزملاء الغاضبين الذين صبوا حنقهم على الدليل المسكين! كان بودّي ان أتحدث إليهم ولكن عدائيتهم الواضحة أخبرتني أن من الحكمة تجاهلهم تماماً.
وصلت إلى فندقي مع غروب الشمس تقريباً، واستعدت نشاطي بحمام دافئ وكوب من الشاي الساخن قبل أن أقرر الذهاب إلى مول ووتر فرونت للعشاء وشراء بعض الأغراض ... ومن ثم عدلت المخطط، احتياطاً، وقررت شراء لوازم العشاء وتناولها في الفندق بدلاً من البقاء في الخارج لوقت متأخر. صحيح أنني لم أواجه أي موقف أو ألاحظ وجود خطر .. لكن الحرص أفضل في كل الأحوال..
طبعا لوازم العشاء والغداء وكل الوجبات في السفر هي كل أنواع الخضار المناسبة للسلطات - أكيد ليس لمحاولات تخفيف الوزن بل لأنها الأنظف والأسهل ولأن الجسم يحتاج دوما إلى مذاق المالح والحامض بعد التعب (ربما ليس الجميع) ... أتبعها طبعا بقطعة من الشوكولاتة الشهية
هذه المرة اشتريت هذه الشوكولاتة المصنوعة في إفريقيا ... لذيذة جدا
وعند عودتي إلى الغرفة وجدت هذه القطعة اللطيفة بانتظاري على الوسادة وكانت القطعتان وحدهما كفيلتين بإزالة الإرهاق والقليل من الاستياء الذي شعرت به في نهاية الرحلة، لأنام وأنا أتطلع إلى يوم جديد أفضل من سابقه توقيع : Deena | "فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفّني مسلماً وألحقني بالصالحين"
| |
| |