11-10-2016, 09:15 AM
|
#34 |
رحال العرب المسافرون
تاريخ التسجيل : Dec 2014 رقم العضوية : 92 الجنس : ذكر المشاركات : 141 | مغادرة ترينيداد
وصلت إلى محطة الحافلات قبل الموعد المقرر لانطلاق رحلتها إلى هافانا بأكثر من نصف ساعة وسط هطول كبير
للأمطار كما أسلفت ، مضت هذه المدة سريعاً حيث ساعد في انقضائها مشاهدة ردود أفعال القادمين للمحطة
من تبللهم بشكل كامل وهم في الطريق إليها وتعليقاتهم وضحكاتهم على بعضهم البعض حتى حانت
ساعة المغادرة عند الرابعة عصراً ... ، جميل ذلك الشعور حين تغادر مكاناً محبباً تعلم يقيناً أنك
لم توفه حقه من الزيارة فيُبقي في قلبك أشواقاً للبقاء فيه أو للعودة إليه مجدداً ..
هافانا لم تكن هي الهدف الذي أصبو إليه فعلياً بل مدينة فيناليس لكن لعدم وجود رحلة مباشرة من
ترينيداد إلى فيناليس ( العكس موجود ) هو الذي جعلني أتوجه إلى هافانا أولاً
ومن ثم في صباح اليوم التالي أغادر إلى فيناليس .. الاستراحة حيث تتوقف الحافلات
في منتصف المسافة توقفنا لتناول بعض الطعام لبعض الوقت ثم واصلنا المسير حتى قبيل وصولنا إلى هافانا حيث بدا أن
في الحافلة عطلاً يعيق إكمالها للرحلة فتوقفت بنا جانباً لقرابة نصف ساعة حتى أتت حافلة أخرى وأكملت بنا
الطريق ، مساعد السائق أخبرنا أن الحافلة ستقف لإنزال الركاب على دفعات في عدد من أجزاء
المدينة ولا أعلم هل هذا هو ديدنها في هافانا أم أن الأمر هو إحسان منهم مقابل
الوقت المهدور جراء العطل ، وبالنسبة لي و في كل الأحوال
سأختار النزول في المحطة نفسها لأني
سأغادر في صباح اليوم التالي .. سيدة سبعينية
حينما نزلت من الحافلة قرابة الساعة الحادية عشر والنصف ليلاً بحثت عن أي كازا قريب ، توجهت إلى أحدها وهو عبارة عن فيلا
حديثة نوعاً ما لوجود الإضاءة وسماعي لأصوات قاطنيها مما يؤكد أنهم لم يخلدوا للنوم بعد، بعد أن قرعت الجرس خرج لي
الزوج وهو ذو بشرة بيضاء و في أواخر الخمسين من عمره فأخبرني بعدم وجود غرفة شاغرة هذه الليلة وعندما هممت
بالمغادرة أتت زوجته وهي سمراء وأصغر منه بعدة سنوات وطلبت مني الانتظار قليلاً ريثما تتصل بواحدة من
جاراتها علها تجد ما أطلب ، وبالفعل وما هي إلا دقائق حتى أتت تلك الجارة اللطيفة جداً وذات
القامة القصيرة نسبياً والظهر المحدودب قليلاً والكبيرة في السن حيث يبدو أن عمرها
قد تجاوز السبعين سنة واصطحبتني إلى مبنى كبير مجاور يمتد لأكثر من 7
أدوار ويحتوي على عدد كبير من الشقق حتى وصلنا إلى الدور
الثالث حيث تقطن ولديها فيه شقتان الأولى خاصة
بها و الثانية تقوم بإيجارها ..
ما أن وطأت قدمي تلك الشقة المخصصة للآجار إلا وعرفت أنني أمام جناح فندقي جميل وبسيط يحتوي على مطبخ متكامل و شرفة
و غرفتين كل واحدة منهما لها دورة مياه خاصة ، وصالون مميز ومكمل بكل ما يمكن أن يجعل إقامتك فيه رائعة سواء من
تلك المناظر والتحف الفنية الجميلة أو حتى مما يحتويه من أجهزة إلكترونية ، تجولت بي في أرجائها وعرفتني على
أقسامها وأخبرتني عن ماذا تعنيه لها هذه الشقة وأنها تهتم جداً بكل تفاصيلها ثم اعتذرت مني بلطف جم حيث
أنها ما زالت ترتب الغرفة وستتأخر لبعض الوقت قبل تسليمي إياها فاستغليت تلك الدقائق بإحضار طعام
العشاء ريثما تنتهي ، وعندما عدت سألتني عن مدة بقائي فأخبرتها أنني سأغادر في الصباح
لألحق بالحافلة المتجهة إلى فيناليس ، فطلبت مني أن أؤخر ذهابي إن استطعت
حتى الرحلة التالية حتى تتمكن من إعداد وجبة الإفطار لي فاعتذرت منها
إلا في حال لم أجد مقعداً فارغاً في تلك الرحلة ، بعد ذلك أعطتني
مفاتيح الشقة كاملة و حرصتني على إقفال الأبواب
بشكل جيد وكان لها ما أرادت .. إطلالة الشرفة
في صباح اليوم التالي توجهت باكراً إلى المحطة وهي على مسافة لا تتجاوز الخمس دقائق لحجز مقعد في أولى الرحلات
المتجهة إلى فيناليس والتي تنطلق عند الساعة (8:40 ) ، وبما أني لم أحجز التذكرة من قبل فأشاروا إلي بالحضور
قبل موعد الرحلة بنصف ساعة والاتجاه مباشرة نحو الصالة الداخلية ، فعدت أدراجي ورتبت الشقة جيداً
وأعدتها كما كانت إن لم تكن أحسن حتى قاربت الثامنة عندها حملت حقيبتي وأغلقت أبواب الشقة
وتوجهت إلى شقة تلك السيدة الكريمة وطرقت الباب بتأن ولطف خوفاً من كونها لم تستيقظ
بعد ، وبعد أن فتحت لي جزء يسيراً من الباب ( بدا أن عليها ملابس النوم ) وأعطيتها
المفاتيح طلبت وبإلحاح كبير أن أنتظر ريثما تعد لي الإفطار أو حتى فنجان من
القهوة على الأقل فاعتذرت منها فالوقت قد أزف فطلبت مني أخيراً
أن أنتظر للحظة وعادت إلي على عجل ومعها فنجان من
القهوة ( أعددته لنفسها ولا شك ) طالبة أن لا
أردها وكان لها ما أرادت ، فودعتها بما
وددت أن يقترب من حفاوتها
وكرمها البالغين ..
تلك السيدة السبعينية بجمال روحها ورفعة ذوقها ورقي تعاملها وحسن ظنها و حاتمية كرمها
هي أحد أجمل ذكريات كوبا ولا يمكن أن يأتي ذكر لكوبا إلا ويتبادر خيالها إلى ذهني
مستذكراً تلك اللحظات الجميلة ، ولا يمكن أن أكتب عن هذا البلد
دون أن تكون لي وقفة كافية وصادقة للحديث عنها
تخليداً لذكراها وطيبتها .. |
| |