إنت بتتكلم مالتييي
قالها سائق التاكسي بلهجة مغاربية وبلا مقدمات بعد خروجي من المطار
فابتسمت وقلت له لا ولكني أتكلم عربي فقال بلغة انجليزية مكسرة آي دونت نو اربيي
هكذا تستقبلني الدهشة مع هذا البلد الأوروبي الجميل والمليء بالتناقضات ..
فهي جزيرة صغيرة وعملتها اليورو وفيزتها الشنقن وشوارعها مقلوبة مثل بريطانيا
ولغتها تعتبر من ضمن اللغات العربية وذلك أن أكثر من نصف كلماتها عربية لكنها تكتب بالأحرف اللاتينية
والغريب أن لهجتهم قريبة من لهجة المغاربة في تجانس عجيب بين الشرق والغرب..
بلد أوروبي بكامل تفاصيله بشوارع أنيقة ونظام مرتب وجودة عالية في الحياة وبالطبع أسعار عالية أيضا.
أصول أهلها من كل أنحاء الأرض وذلك بسبب موقعها الاستراتيجي وسط البحر الأبيض المتوسط
هذا الموقع جعلها مطمعا للغزاة والأباطرة والمسيطر غالبا مايأتي بشعبه معه
وهم الآن أمم تصاهرت وأصبحت مزيج مالطي واحد.
ترى في حياتهم لمسات انجليزية أكثر بسبب آخر قرنين من الاستعمار
كما أنهم متأثرين بالإيطالية بحكم قربهم منها.
ترى المساجد العريقة (والتي تحولت غالبا لكنائس) والتي يعود تاريخها الى قبل ألف عام والتي بنها التغلبيين من بني تميم
وهم أول العرب دخولا لها وآثارهم لازالت تمثل جوهرة التاريخ والمزارات السياحية فيها
وعلى رأسها مدينة ( المدينة Lmdina ) أو المدينة الصامتة
في وسط البلاد والتي بنيت على أنقاض مدينة قديمة من العصور الوسطى
إذا دخلتها يخيل إليك أنك في مسلسل تاريخي بكل تفاصيله
وهنا تحس بوقع السيوف وصهيل الخيول في كل ركن فيها
ومن أعلى أبراجها ترى نفسك تطل على مالطا وكأنك في طائرة
فالمزارع والحقول من كل الاتجاهات وخلفها مدن متناثرة ومن ثم البحر بمنظر بديع لا يمكن وصفه إلا بالعين المجردة.
وبالقرب من المدينة توجد الرباط وهي مدينة أثرية لكنها مأهولة بالسكان المبتسمين للسياح وهم يمرون من أمام بيوتهم.
أما مدينة سليمة والتي أصبحت تضج بالحياة الصاخبة كل مساء فهي مركز المدينة التجاري ومن أهم مراكز التسوق مع مدينة سانت جوليان.
وهناك مدينة المليحة وهي مرفئ للسفن القادمة من كل مكان ..
ومدن أخرى مثل بوجبّا وزرياق وجزيرة ملوكة كلها تحكي أثر العرب على أرض مالطا
وعندما أقول مدن فهي نسبة الى مساحة الدولة وإلا فهي أحياء متناثرة في أرجاء الجزيرة تبعد عن بعضها بضعة كيلومترات.
شواطئ مالطا نادرا ماترى التراب فيها وهذه واحدة من الميزات التي يفتخرون بها
فالغوص في هذه الشواطئ يجذب عشاقه من كل أنحاء العالم
ويزاد جمال الغوص بوجود سفن وآثار غارقة في قاع البحر في كل أنحاء الجزيرة كما في هذه الخريطة
أما جزيرتها الثانية غوديش فاشتهرت بركوب الأمواج والتي تأتي صاخبة لترتطم بجبالها الشاطئية.
والمالطيين شعب مرح وودود وغالبا مايتكلمون الانجليزية بطلاقة مع أن عددهم أقل من من نصف مليون
ومن يعمل منهم يشتغل بالتجارة والوظائف الحكومية والخدمية
وهذا يعني نقص شديد بالأيدي العاملة
ومن هنا جاء تأثير عشرات الآلاف من الأجانب أغلبهم من إيطاليا بحكم قربهم لها
كما أن للأسبان وبقية الدول المحيطة بها نصيب من الأعمال
وكثير من المالطيين يعملون بأكثر من وظيفة بنفس اليوم
وعرفت ذلك بعد أن قابلت موظف الاستقبال في الفندق محاسبا في أحد المتاجر
وعندما قلت له مازحا انك تحب جمع الفلوس اكتشفت أن لديه وظيفة ثالثة في سوبرماركت قريب من منزله.
اقتصاد مالطا قائم على السياحة وهذا واضح للعيان بسبب اهتمامهم بهذا الجانب وكثرة السياح من كل أنحاء الأرض
كما أنها وجهة دائمة للسفن السياحية الضخمة التي تجوب البحر الأبيض المتوسط
وتراها راسية بأحد أجمل الشواطيء في العاصمة فاليتا
وإلى جانبها اليخوت الفارهة والتي ترفع أعلاما من مختلف دول العالم.
والرافد الثاني للاقتصاد هو صيد السمك حيث ترى سفن الصيد في كل طرف من أطراف الدولة بمنظر بديع ومهيب.
فاليتا عاصمة مالطا بناها أحد الغزاة قبل 300 عام وسماها بإسمه
حتى طرده منها نابليون ومن بعده الإنجليز ولم يغير أياً منهم اسمها
وهي مدينة قديمة وصغيرة ومبانيها تعطي انطباع تاريخ عريق مر عليها
كما أن ممراتها الضيقة والمتموجة بين نزول وارتفاع والتي غالبا ما يكون نهايتها رؤية البحر بمنظر جميل يسلب الألباب.
قضيت في مالطا اسبوع كامل كان لي في كل يوم منه وجهة مختلفة ومتحف وشاطيء وأكل مختلف
وعلى طاري الأكل فهو لذيذ لحد الثمالة ولك أن تتخيل أن ترى مزيجاً من المطبخ الإيطالي والعربي والأوسطي مع ثقافة الفاست فود الأمريكية.
بقي أن أطلعكم على معلومة وهي أن الحمى المالطية سميت هكذا
لأن من اكتشف أن مصدرها هو الحليب الغير مبستر كان عالما من دولة مالطا تكريما له
وعرفت فيما بعد أيضا أن هذه الدولة الصغيرة لديها علماء ومخترعين وشركات عالمية تفوق مالدى دول أضعاف أضعاف حجمها.