(( الحلقة الثانية ))

قطع صوت الكابتن سيل الأفكار التي تموج في رأسي بصخب ، دقائق وأكون في أسمرا التي تشكلت في مخيلتي من حكايات الأصدقاء وبعض ما تبثه ( إيري تي في ).

يسكني الخوف فحتى المدن تملك انطباعاً أول فلا تغدو سوى عابر لا أثر لك مهما مشيت في طرقتها كنت أخشى أن تعاملني اسمرا كمسافر الترانزيت لا يكاد يحط رحاله حتى تأخذه الى وجهة أخرى.

(( المدن كالأحلام وما يبهرك في مدينة -ما- ليس روائعها السبع أو السبع والسبعين ، بل الجواب الذي تعطيه لفضولك ))

بشكل عام كلما ارتفع المطار عن سطح البحر فإنه يحتاج مدرج أطول منه عند مستوى البحر، ولان أسمرا مرتفعه يسبب ذلك قلة كثافة الهواء ، مما يضعف كمية الرفع وقدرة المحرك التي تحتاجها الطائرة. وقلة من الطيارين المهارة من يستطيع الهبوط بسلاسه والنزول على الأرض من المرة الأولى.

ساحة المطار ..

تبدو ساحة المطار خالية من الطائرات بسبب أن الولايات المتحدة تمارس ضغطاً كبيرا على شركات تأجير الطائرات لــ ارتريا زعماً منها أن ارتريا تستخدم طائرات الركاب في اغراض عسكرية وهو ما نفاه المسئول الارتري .

لذلك ..

الطائرة التي انا فيها مستاجره من شركة باكستانية وبسبب الحظر على أرتريا أدى

إلى تراجع كبير في أداء الشركة وانتكاسة للمرة الثانية ربما يكون بسببه توقفت عن
الرحلات المباشره.

لا يوجد هناك ما يميز مطار أسمرا الدولي ، فهو مطار صغير وبدائي ولا يحوي على الكثير من الخدمات أو الأسواق الحرة المتنوعة والفخمة أو مكاتب حجز الفنادق او المركبات

كانت إجراءات المطار بسيطه وسهله...

لم يكن هناك كرت دخول ولا تصوير بالكاميرا ولا حتى جهاز بصمة ..!!

ولم يكن هناك اي زحام كل ما في الامر سألني هل هي اول زيارة لك؟

وطلب مني تزويده برقم شخص أعرفه داخل أرتريا ... رقم الفندق يكفي.

ارتديت معطفي وتوجهت صوب المخرج ، غمرني شعور بالارتياح ، فقد كانت السماء

غايمة والطقس يميل للبروده.

شعرت أن أسمرا تحسن وفادتي ..

أنتهت الحلقة

تابعونااااا

(الحلقة الثالثة ))

||- أســــــمــــــــــرا - ||

أسمرا الشاعرة ، الفاتنة ، العاشقة، ورما الصغرى ..
أسمرا التي يصفها عشاقها بالحسناء التي تنام على الغيم ..
وهي مدينة الجمال التي سار بحسنها الركبان وتغنى بطيبة
أهلها المغنون وترنم بسحر جمالها الشعراء، وتاهت في حبها شعوب وشعوب،
مما جعلها قبلة للكثير الكثير من السياح المعجبين، ومطمعا للكثير الكثير
من الساسة الطامعين.


ترتفع تلك الفاتنة 2300 متر عن سطح البحر ويبلغ عدد سكانها شاملا الضواحى 579،000 نسمة.
لذا فهي صغيره في المساحة والعدد ولكنها كبيره بقلبها المحب.
تتمتع بطقس معتدل وجميل طوال العام حيث لا وجود
للمراوح وأجهزة التكييف،


يقال أن سبب تسميتها بأسمرة أن القرى الأربع في الهضبة الإرترية التي كانت تعيش في حالة نزاع و قتال مستمر إلى أن تمكنت أربع نسوة من إحلال السلام و الوئام محل الحروب و الخصام الذي كان بينهم فسمي عملهن بالعمل المثمر و بلغة التجريبية "أسمرت" أي وحدت و صالحت




وأسمرا مدينة ذات طراز معماري فريد بناها الإيطاليون لتكون مستعمرة دائمة لهم فاعتنوا بها عناية فائقة في تخطيطها وتنظيم شوارعها والصرف الصحي الممتاز الذي لا نظير له في دول المنطقة مما جعل كاتباً يقول إنها مدينة صممها وبناها ثوار ويسكنها ثوار- فعندما أراد الإيطاليون الذين كانوا يستعمرون ارتريا بناء حاضرة لهم أسندوا الأمر في مطلع القرن العشرين لعدد من المعماريين الشبان الذين كانوا يودون تغيير جميع الأنماط المعمارية السائدة في أوربا آنذاك ووجدوا فرصتهم في بناء أسمرا .. ولذا تجدها فريدة في فنها المعماري


































بنيت أسمرا خلال فورة طراز "الأرت ديكو" في عشرينات وثلاثينات القرن الماضي ، لذا تعتبر زيارة العاصمة الإريترية عودة إلى عهد ازدهار المستعمرة الإيطالية السابقة.



سينما" إمبيرو" لازالت تحتفظ باسمها الايطالي ، وتعرض فيها الأفلام ، وبعض مباريات الدوري الأوروبي .





مازال حتى يومنا هذا تقام هنا الأوبرا الإيطالية




وهذه أقدم سينما بناها المستعمر الإيطالي في أسمرا











للحلقة بقية ..

تابعونااااا

(( الحلقة الرابعة ))

||- أســــــمــــــــــرا - ||

ومن حسن حظ المدينة إنها وبعد ثلاثين سنة من حرب التحرير لم تدمر-
وأول ما يسترعى انتباه الزائر النظافة فأسمرا مدينة نظيفة للغاية التي هي
عنوان المواطن الإرتري.

في كل مدينة عالمية شارعا مميزا ومشهورا يختصر تاريخ البلد وثقافة الناس وجمال المدينة
(وبالتالي يفترض السؤال عنه قبل اقلاع الطائرة).. ومجرد المشي في شارع كهذا يعد متعة حقيقية تجبرك على العودة إليه مرة بعد أخرى دون تكبد عناء الوقوف في الطابور أو دفع تذكرة الدخول.. وهو بالاضافة الى امتلائه بالمقاهي والمطاعم والمتاجر، يمتلئ بزوار وسياح من مختلف الدول والجنسيات بحيث تكسب ميزة اضافية (تتمثل في رؤية العالم مختصرا باتجاهين)..

باريس ............................ (الشانزليزيه)
كوالالمبور............................. (بيتالينج)
اسطنبول...............................(الإستقلال)
دبي ................................(الشيخ زايد)
القاهرة .............................(المعز لدين الله)
بيروت ...................................(سوليدير)
جدة.....................................(التحلية)

أما في أسمرا فأهم شارع لديهم هـــو ...

||- كمشتاتو - ||

(كمشتاتو) كلمة إيطالية تعني الحرية ..
شارع بطول 4 كيلو متر مرصوف بالنخيل .. والمباني العتيقة والمقاهي ودور السينما ومسجد الخلفاء الراشدين والكنائس والكاتدرائيات القديمة وأهم مفاصل الدولة.

"كمشتاتو" شاهدا على الحقبة الإيطالية، هذا الشارع الذي كان محظورا على الإريتريين ارتياده، فقد كان درة العاصمة وحكرا على المستعمر.

ومع تغيير اسمه إلى شارع الحرية، ورث الإريتريون عن الإيطاليين عادة المشي بعد العصر على جانبيه المرصوفين بأشجار النخيل.

لا أدري إن كان الناس حافظوا على السير في الشارع من الاعتياد أم أنهم ينتقمون من كل لحظة حرمان ؟

شوارع أسمرا آمنة مسفلتة مشجرة نظيفة.
الشعب الأريتري متحضر راقي السلوك يتميز بالتهذيب والوداعة والهدوء والصوت الخفيض ..





















من شدة نظافتها تعتقد أنها تُكنس كل نصف ساعة، لا تجد ورقةً ملقاة على الأرض، ولا بواقي طعام.
وإن رأيت أحداً يحاول عبور الطريق دون أن يقف في معبر المشاة فغالباً ما يكون من خارج أسمرا،
كل شيء هنا موضوعٌ في مكانه المخصص له.


ومن الأداب العامة في أسمرا عدم ركوب الدراجة في الأماكن المخصص للمشاة ..!!



البنايات فلل من طابق أو طابقين على الأكثر ، ولا يكاد يخلو بيت من حديقة ولو بشكل مصغر
كان أخاذاً منظر الورد المتدلية بغنج ..




للحلقة بقية

تابعوناااا

</b>

(( الحلقة الخامسة ))

||- كمشتاتو - ||

كان هيلا سـِلاسي إمبراطور أثيوبي إبان الاحتلال الاثيوبي لإرتيرية قد اسماه (شارع الإمبراطور)..

وجاء بعده " منغستو " وسماه "شارع الثورة"..

واطلقوا الارتريين عليه بعد التحرير "شارع الحرية".

ولازال عواجيز الايطاليون يتجولون فيه يستعيدون أيام شباب لن تعود، ويوثقون للمكان بأخذ الصور التذكارية أمام المباني القديمة التي لم تفقد شبابها وذلك بفضل العناية ودهن ووجها بالأصباغ والاهتمام بصيانتها.

شارع كمشتاتو هو القلب النابض للمدينة بل هو المدينة التي تختزل نفسها في شارع جميل فيه الكثير من تاريخها..

لم يفقد هدوءه ولا يعرف الصخب الذى يتعدى على حرية الآخرين.. ولكن في الاعياد تحظر فيه السيارات ليلا ويصبح منطقة للاحتفالات

تتداخل فيه اصوات المغنيين من خلال مكبرات الصوت..

للحلقة بقية ..

(( الحلقة السادسة ))

سمعت صوت الأذان عالياً .. !! كالذي اعتدته في جدة رغم أن الحكومة تتفاخر بعلمانيتها يتربع جامع الخلفاء الراشدين على هضبة مرتفعة قليلاَ خلف كمشتاتو أمامه تمتد حديقة تتدرج حتى تصل إلى مستوى الشارع.



التصميم منح الجامع هيبة و وقار فهو يبدو أكبر من حجمه الطبيعي ، كما أن الوصول إليه يتطلب صعوداً وارتقاء ، وهي معاني لا يبدو أنها جاءت مصادفة حين قرر الأتراك / حكام إرتريا حينها ، بناء الجامع.

على الواجهة ذات القبة الخضراء الأنيقة كتب الاسم والتاريخ .
كان الحضور التركي طاغياً ، فالباحة تزينها النقوش والقناديل المعلقة تحاكي بجمالها تللك الموجودة في السقف العثماني من المسجد النبوي.

انسابت تلاوة بعربية متقنة ومسحة إفريقية تشتهر بها الدول التي تقرأ برواية ورش ، ظللتنا الأحرف شجناً وعذوبة.

كنت أستمع إلى الآيات وكأنها المرة الأولى .. شيء مختلف عما اعتدته في الصلوات السريعة العابرة ..... إسلام إرتريا جميل

من أكبر وأهم الجوامع في أرتريا ، ومعلم من أبرز معالم العاصمة أسمرة ، ومصدر من أهم مصادر الإشعاع الإسلامي في المجتمع الأرتري المسلم. يتسع جامع الخلفاء مع أجنحته لعشرة آلاف مصل ، ويتصل به من جانبيه مبنى المكتبة الإسلامية ، ومبنى مدرسة المعهد الديني الإسلامي. والجامع يعتبر محور النشاط الإسلامي في المدينة ، ففيه تقام المناسبات الإسلامية ، وفيه تلقى الدروس العلمية ، وإليه يتجه زوار المدينة من الرسميين وغير الرسميين. ونظرا للمكانة الكبيرة التي يحتلها هذا الجامع .

سرت قليلاً حتى أصبحت في كاتدرائية القديس جوزيف بقدر ما قرأت عنها لم أتخيلها هكذا .. نقلني المشهد من إفريقيا إلى قلب أوروبا .

( الإيطاليين حين شيدوها فبل مئة عام
أرادوا من خلال ذلك تطبيق مالم يستطيعوه معمارياً في روما )

كان واضحاً أن هذا الفن يعتمد على ترف التفاصيل الموحية بالأناقة ، قرأت هذا الكلام مراراً في ويكيبيديا ولم أفهمه إلا هذه اللحظة .

تتناثر جموع على عتبات الكاتدرائية الواسعة ، بعضهم يستريح والبقية جذبهم إغراء الإطلال على المارة من أعلى.

لمحت الباب مفتوحاً ، بل ورأيت مجموعة تعبره لم أكن أريد أن أدخل كنيسة ، ولكن حسمت أمري واجتزت العتبات حتى أصبحت مقابل الباب الخشبي الكبير.

دخلت وأريت مقاعد خشبية تملأ قاعة دائرية كبيرة ، وهو الشكل نفسه الذي نشاهده في الأفلام ، مقاعد واسعة ومتجاورة خلف بعضها بشكل منظم مع مساحة مستطيلة فارغة في منتصف القاعة .

نظرت إلى الأعلى لم يكن جمال الكاتدرائية الخارجي ليضاهي داخلها ، تناثرت على الجدران الداخلية رسومات بديعة ، رأيت صورة كبيرة لمريم العذراء وبين يديها عيسى عليه السلام رضيعاً.

كانت الصور تتعاقب في السقف بشكل دائري متناسق فكنت مضطراً للدوران في مكاني من روعة المكان.

ولكن عندما تذكرت قوله الله تعالى : ( وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدا تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا لقد أحصاهم وعدهم عدا وكلهم آتيه يوم القيامة فردا )[ مريم : 88 - 95 ]

خرجت من المكان مسرعاً بعدما أحسست أن قلبي
كاد أن يقف من خشية الله عزو جل.

واصلت سيري غرباً حتى بلغت مقهى على شارع كمشتاتو ، شدني موقعه الذي يتوسط الشارع تقريباً ، إضافة إلى أنه يضج بالحياة كما يبدو من تنوع وجوه مرتاديه.

اقتربت باحثاً عن مكان ، بينما أعين الجالسين تتجه نحوي ، رغم أن معظم الكراسي تتحلق حول الطاولات بشكل دائري ، فأنه أكثر الزبائن كانوا يجلسون بشكل يجعلهم في مقابلة المارة والقادمين الجدد. كان المقهى أشبه بمسرح مكتظ بينما العرض هي وجوه المارة.

بدا لي لا مكان شاغر ، كدت ، اتراجع باحثاً عن مقهى أخرى لولا إحدى العاملات أشارت لي بكرسي فارغ ، لم أستوعب إشارتها في البدء فقد كان الكرسي هو الوحيد الخالي ضمن أربعة تحيط بإحدى الطاولات.
فيما بعد عرفت أن الإرتيريين رجال ونساء لا يجدون حرجاً في تشارك الطاولات مع أشخاص لا يعرفونهم.

قصص هذا الشارع كثيره ، أكمل

أعتقد أنكم مليتوا ... صح

للحلقة بقية ..