21-11-2018, 08:55 AM
|
#1 |
خبير المغرب
تاريخ التسجيل : Jan 2015 رقم العضوية : 1142 الدولة : Morocco الجنس : ذكر المشاركات : 3,157 أوسـمـة: ساري أحمد |
كل الاوسمة:2 (more»)
| | واصلنا المسير بعد أن تبادلنا المواقع في القيادة، لكني لم أنعم بالنعاس لحظة نظراً لكثرة المواضيع المتداولة والبرامج التي تدور في محيط أفكارنا،بعد أن قربنا من محطة الأداء ( رسوم تدفع على الطرق السيارة) فاجئت الجميع بأننا سنتجه إلى " تاونات" مباشرة ولا حاجة للمرور على " فاس".
اتفق الجميع معي بشأن هذا الرأي وواصلنا المسير إلى أن ظهرت لنا جبال الريف وتلك الغيوم التي تسلب الألباب.
ومنظر الأودية المهيب وتراكمات الأمطار يعطيك للوهلة الأولى انطباعاً بأن هذهِ البقعة من الأرض لا يغيب عنها اللون الأخضر إلا ما ندر.
في الطريق إلى " تاونات" يتوجب على السائق القيادة بحذر في بعض المنعطفات والمرتفعات، ومن يخافون المرتفعات انصحهم بألا يرو تلك المنحدرات لكي لا يصابوا بالدوران .
لكن يوجد هنالك طرق مستوية وليست كل المسافة تعرجات ومنحنيات، وتاونات مقسمة على عدة قُرى و مدن صغيرة أخرى وتجمعات سكانية متنوعة.
وكما يسمونها ( دوار).
المنطقة التي سنتجه لها هي منطقة ( هوارة) في عين معطوف، ستشاهدون الجبال والحقول الشاسعة ومن بعيد ودون مقدمات ظهر لنا المنزل تحت الجبل ( منزل الحاج محمد) فالجبل دليلنا.
لكن تغطية الانترنت ضعيفة جداً جداً بل وتصبح مستحيلة بين الجبال ولو جئت بأحدث الهواتف المحمولة ما شفع لك ولم يمكنك من تصفح حتى ربع (كيلوبايت)!
الأجواء كانت باردة نسبياً والغيوم تراود الشمس تارة والشمس تغلبها تارة أخرى،اتصلنا بعد أن تحسنت إشارة الجوال بالحاج محمد وأخبرناه بأننا قريبين ولا يفصلنا سوى بضع دقائق عن الوصول، سألني : هل ستتأخرون ؟
قلت إن كنتم تنتظرونا لتناول الشاي والقهوة وبعض الحلويات فلا تحملوا هماً ولا تنتظروا أحداً، لديكم ضيوف غيرنا فلا تربطوهم بوصولنا !
نظر إلي محمد : وكيف عرفت بأن هنالك ضيوف آخرين ؟
قلت : العصفورة أخبرتني !
ما إن تطأ قدمك الأرض في ( هوارة ) حتى تشعر وكأنك في عالمٍ آخر وأرض أخرى لا نعلمها ولم نشاهدها؛ فحقول القمح وشجيرات الزيتون والتين الشوكي تسبقك إلى مداخل القُرى باستقبالك.
و قطيع الغنم وبعض الأبقار وصوت الديك يعود بك إلى أيامٍ كنا قد عشناها في قرية أجدادي رحمهم الله وذكريات الطفولة والمراهقة.
وصلنا إلى منزل الحاج محمد وكدتُ أن اذوب بين يديه لشدة احتضانه لي وحمدت الله أن لم يكسر لي ضلعاً لفرط الشوق ولم تخني أدمعي ( متأثر بالمسلسلات التركية)   ، وأدخلنا إلى المنزل ( مرحبا مرحبا ، نهار كبير هاد).
حرارة اللقاء وحفاوة الترحيب تجعلك فعلاً تعيد حساباتك مع بعض من تخالهم أحباباً وأصدقاءً في الوطن !
البساطة وعدم التكلف وصدق المشاعر رغم كبر السن و ضعف الحالة المادية إلا أن المغاربة فعلاً شعب كريم مضياف والأدلة كثيرة والقصص لا تعد ولا تحصى.
كان بالانتظار أيضاً ( عديلي ) وابنه الصغير وأخت زوجتي و نسيبي الآخر ( أحمد ) والحاجة أم أيوب ( خالتي - أم زوجتي ).
وفد كامل من الأسرة كان ينتظرنا هُنا ، بداخلي شعرتُ بأن شوكة حزب الرجال انكسرت وبأن النساء سيربحون معارك هذهِ الرحلة 
لنلقِ نظرة سريعة على ( هوارة ) و ( تيسة) وعين معطوف وعين عائشة
تلك المناطق نسبة السكان ليست بكبيرة والغالبية العظمى هاجرت إلى أوروبا وتعود إلى هنا في العطل والمناسبات.
ولا يخفى عليكم فالمنطقة جميلة جداً وبسيطة وهادئة وبعيدة عن كافة ألوان التلوث والصخب والضجيج.
ومحاصيل الزيتون والزيت والتين تكاد أن تغطي استهلاك مدينة كبيرة كالرياض مثلاً، وذلك لما حباهم الله بنعمه وفضله وفتح لهم أبواب الرزق عن طريق جمع وعصر وبيع الزيت والزيتون.
والبعض فتح شركة استيراد وتصدير وتوسع في تجارته خارجياً.
لن يجد المتعطش للخدمات الراقية مجالاً هنا ، لكن على الجهة الأخرى سيجد راغب الراحة والسكينة والهدوء كافة مايبحث عنه !
محلات صغيرة وبعض الدكاكين ( بقالات) ( حوانيت ) بالدارجة المغربية.
الألبان والأجبان واللحم والخضر كلها طازجة ومحصول الموسم.
والأسعار لا توصف أبداً، ولكم أن تتخيلوا معي كمثال على رخص الأسعار، بأنك حينما تشتري أغلب أصناف الفواكه والخضار مع (2) كيلو لحم - كمثال - فذلك كله لا يكلفك 25 دولار !
أما منطقة ( تيسة )
فهي متطورة مقارنة مع ( هوارة) ، ستشاهد المركبات والحافلات والمدارس ومحطات الوقود والأسواق المتوسطة.
في هوارة الآبار الجوفية كثيرة جداً فالمنطقة خصبة وصالحة للزراعة ولا يشوبها شائب أبداً.
قال الحاج محمد : لنذهب إلى القهوة ( المقهى ) بعد أن نتناول الحلويات والشاي
سألته : لماذا يا حاج محمد ؟ قال : سأريك بعضاً من الذكريات للأمكنة التي كنت أزورها أيام شبابي وأعرفك على الأحبة هنا ومنها نصلي المغرب في الجامع.
لا أذكر بأني سمعت أصوات السيارات إلا ما ندر ولم تزعجني أي رائحة هُنا كرائحة المصانع والتلوث في المدن.
السكون هنا يبعث على الجنون أحياناً لكنها تجربة جميلة للغاية.
بعد عودتنا من المقهى، اشتدت البرودة في الجو فسألت الحاج محمد عن الحطب فأشار بأن الدنيا ليل ولن تكون " حاطب ليل " !
قلت له : لا تخف فإن خطورة البرد على والدتي أشد من خطورة الأفاعي أو العقارب علي، إن كنت تعتقد بأنها تجتمع أسفل الحطب.
ضحك من كل قلبه قائلاً : مكاينش عقارب ولا تا حناش.
اشعلتُ النار بأغصان وجذوع الزيتون وبعضاً من عروق شجيرات صغيرة يابسة وما إن اشتعلت النار وتوسعت ألسنتها وزاد لهبها ، حتى قدم الجميع تجاهي ووضعوا تلك ( الزربية ) - فرش و المقاعد وبعضهم قدم حاملاً الفوانيس، في لوحة عائلية جميلة.
أما الحاج محمد فلقد أحضر ( براد الشاي ) وزوجتي احضرت ( دلة القهوة) !
اخبرتكم بأن حزب النساء سيستولي على كل شيء !
هنالك منزل آخر بالجوار وهو ملك للحاج محمد ، فخرجنا نحن معشر الرجال إليه وأزجينا تلك الليلة كالمجانين في عنبر واحد، ما بين نكات قديمة ودعابات من العصر الجليدي، حتى داهمنا النعاس . توقيع : ساري أحمد | تولعت بالمغرب وصابني (هبال)..!
مصيبة لا كتمت الشوق مصيبه..!
دارها البيضا مضرب الأمثال..!
في صخبها والصمت (كازا) عجيبه..!
| |
| |