26-05-2019, 11:27 PM
|
#172 |
مسافر فعّال
تاريخ التسجيل : Oct 2018 رقم العضوية : 22052 الجنس : ذكر المشاركات : 838 |
مقهى «الروضة» وسحر بيروت... فن وثقافة وأصدقاء
كتبت جريدة الخليج الظبيانية :
لعب المقاهي أدواراً بارزة في الحياة الاجتماعية والثقافية في لبنان، لعبت فرقة تجربة بيروت للمسرح مسرحيتها "مجدلون" على طاولات مقهى "الهورس شو" بعد إغلاق القوى الأمنية أبواب المسرح بوجه أعضاء الفرقة الطليعية، بعدما منعت الرقابة اللبنانية عروض المسرحية العام ،1973 في حين انفجر الوضع في لبنان، بعد ذلك بسنتين . في تلك المرحلة، لعب المقهى دوراً، في إعلاء شروط الترويج لكل التيارات الحداثية في المسرح والسينما والفن التشكيلي والقصة والرواية والأدب، لعب المقهى دور صحن الرؤيا، والداعم للمثقف والفنان، بتعاطيه مع لعب الحياة والموت، عبر الثقافة، "الهورس شو" الأبرز، هناك "الكافيه دي باري" و"والويمبي" و"المودكا" و"السيتي كافيه" وغيرها، الرؤية الثقافية هنا، والاجتماعية هناك، في شبكة المقاهي الشعبية، دعامة إيقاع الناس في يومياتهم ودعامة الكيمياء بينهم وبين الآخرين في حيواتهم الاجتماعية ودعامة التاريخ بقيام المقاهي في آواخر القرن التاسع عشر على الأراضي اللبنانية، وفي بيروت تحديداً، حيث لعب المقهى الشعبي دور مستقبل وميض الأحلام الخاصة باللبنانيين .
الأشهر مقهى "القزاز" و"الحج داوود" و"الغلاييني" و"كوكب الشرق" وغيرها من المقاهي، انهار الأخير على رؤوس رواده بالعام 1934 . غاب الكثير من المقاهي، مع الزلازل الاجتماعية والسياسية والعسكرية، منذ بدايات القرن العشرين . غاب مقهى فتوح المشهور قديماً بمقهى شقير، وفلسطين والجميزة . بقيت مقاهي قليلة، الأشهر في هذه الأيام، مقهى الروضة، تأشيرة الكثير من البيارتة والقاطنين في بيروت إلى اللقاء والراحة وتسييل المشاكل بأبسط الطرق وأجملها، يتذكر الجميع في بيروت أن المقهى البيروتي الشهير، أسسه الحاج عبد الرحمن زكريا شاتيلا، في العام 1920 . يؤكد ذلك، مستثمر المقهى ومديره في الأونة الراهنة الحاج عبد الفتاح شاتيلا، يقول: "أسس المقهى في العام 1920 . قصده البيارتة منذ ذلك الوقت، إذ اعتبروه نقطة تمركزهم الموضوعية، لأن مبناه قائم بمكان وسطي بين غرس الزيتون والصبار القديمة في الحمرا وشوران والمناطق المتاخمة وبين الامتداد أو اللسان البحري، الممتد من الروشة إلى المنارة وصولاً إلى كورنيشها"، وسطية الموقع هي الأساس، ذلك أن المقهى يقوم بين مدينة الملاهي الشهيرة في منطقة المنارة وبين مبنى السفارة الأمريكية القديمة في بيروت، لا شيء إلا البساطة هنا . تلميح إلى بساطة الأيام القديمة في حياة اللبنانيين ومقاهيهم، قبل أن تندفع بيروت إلى حداثتها المدهشة . مر مقهى الروضة في حقبات كثيرة، من التموضع إلى الانتشار والاشتهار، قصده الطيب والشرير والقبضاي، ثمة من يروي هنا أن أبا عبد البيروتي، الشخصية، المازجة بين الخيال البيروتي والحقيقة المتأهبة على مشارف هذا الخيال، من رواد المقهى، ثمة من يروي أن المقهى جزء من التاريخ غير المدون لبيروت القديمة القائمة على أشكال العلاقات التقليدية المتراجعة أمام العلاقات المرفوعة على مفاهيم التحرر والتقدم .
يروي محمد عيتاني، الروائي والقاص البيروتي الشهير، أن البيارتة قسموا البحر عند موقع البلاطة في منطقة الدالية بالروشة إلى قسمين، قسم للرجال وآخر للنساء، ثم إنهم لم يسمحوا للنساء بالسباحة إلا بالليل، زنروا بأجسادهم الشاطئ المختار للسباحة، حتى تسبح النساء بعيداً من أعين المتلصصين . ثم إنهم لم يسمحوا للأولاد بالسباحة مع أمهاتهم وخالاتهم وعماتهم، إذا تقدموا بالعمر قليلاً، سمح المقهى بالاختلاط بين النساء والرجال، كل فئة في موقع، في موضع، غير أنه سمح بالاختلاط، حيث أقيمت في المقاهي حفلات التدفق الغنائي واستكشاف الأصوات الجميلة، الحس الجميل، بحسب البيارتة .
لأن الجمال بالصوت من الإحساس . يروي الحاج عبد الفتاح شاتيلا أن المقهى البيروتي العريق، "الروضة"، شهد امتداد المدينة وتغير الناس، مر الناس بالطربوش على المقهى أولاً، مر ناس بالطربوش المحلي ومر آخرون بالقبعة الأجنبية، خنابيز وبناطلين وقمصان بتفصيلات مختلفة، فسحة سياحية، اجتماعية، هذا صحيح، الأكثر صحة أن المقهى البيروتي، المحتفظ بشكله القديم، احتوى الروح الجمعية للبيارتة وساهم في استيلاد تراجمها في أشكال العلاقات، المخبأة بقمصان تاريخه المرفوعة على حروف بيروت المدينة .
الأشجار المعمرة هنا بالحفظ والصون، نخيل وأشجار زيتون وأشجار ورد عتيقة، يمتد عليها أحمر الورد، كما تمتد روح الشعر في الغناء . ثبتت خيم القصب، فوق الأشجار، مباشرة، ترتفع على دعائم الزمن أكثر من ارتفاعها على دعائم الخشب أو الحديد، سينوغرافيا محتشدة بالطاولات والكراسي، وسط الشجر وبالأمكنة على أطلال الأمكنة القديمة .
ثمة فسحات حرة، لا يحدها إلا الطرق والمسارب والمسالك العتيقة، المتهدمة . هناك، زاوية مستحدثة للأطفال . وسلم يقود الراغب إلى تأمل البحر المتوسط، من سطح ارتفع على الجزء الجنوبي المتداخل بالماء عند جهة المقهى الجنوبية، ناس كثر، مثقفون وتجار وموظفون وأبناء عائلات هاربون من التشنج إلى الهدوء المتسرب من الرؤى والأحلام، بين النراجيل الكثيرة، الراصدة، بأعناقها الطويلة، الجروح الذاتية الكامنة بالمواطنين الأفراد والجروح الجمعية من الأحداث اللبنانية المتلاحقة .
يسمي البعض طاولاتهم المحجوزة، حتى في غيابهم، مكاتب، حددت زواياهم بأسمائهم، هنا يكتبون ويقرأون ويقيمون نقاشاتهم . ويوقعون اتفاقاتهم التجارية، هنا يقيمون لقاءاتهم الاجتماعية، وسط عشرات الندل العاجزين في أحيان عن تلبية الطلبات . فول وفتة وحمص وسمك وسردين ومناقيش الصباح على التنور . هنا، ما ترغب في شربه، إلا الروحيات، يتسلى الناس بألعاب طاولة الزهر والدومينو والداما والورق .
بتلك الأيام البعيدة، يتذكر الكثيرون اقتحام أحد الرجال (الفونوغرافي) فضاء المقهى بفونوغرافه، يُسمع ويقبض، بتلك الأيام البعيدة، يتذكر الكثيرون، لعب المقهى أدواره، على صعيد إقرار التظاهرات والإضرابات والمؤمرات والتطبيقات وتركيب اللوائح الانتخابية، هنا، قُرئت السير، سيرة عنترة وأبي زيد الهلالي والظاهر بيبرس وتغريبة بني هلال، اختلفت فقط من قديمها إلى حديثها، طلعت الأسماء من المقاهي، أبو عبد البيروتي وسعيد النصبة وأم شكران وبكري مصطفى محرك خيالات الظل في مقهى البسطا، المقهى غير الحانة، ازدهر، الروضة، منذ دعا الوالي إلى قفل الحانات في العام ،1888 عند الغروب، والقاء القبض على من يسير ليلاً بلا مصباح . لا تزال المقاهي، مذاك، مصابيح المدينة . |
| |