تتبعت إرشادات جهاز الملاحة خطوة بخطوة باتجاهي صوب كوبنهاجن
ولكن فجأة وبدون مقدمات، سألني الصعود إلى العبارة البحرية
لم يكن في الحسبان أني سوف استقل عبارة، ولكن هذا ما يريده مرشدي
تحركت العبارة مغادرة الأراضي الألمانية، تشق عباب البحر

هذه عبارة أخرى تسير بالاتجاه المعاكس

وهذه الصورة من داخل العبارة
وحين وصولي الأراضي الدنماركية، بدأت أعبر طرقها وجسورها كما يرشدني دليلي
وعندما وصلت كوبنهاجن، قدت قليلا في شوارعها
بعد ذلك توقفت كعادتي لأبحث في موقع بوكينج عن الفنادق المتوفرة بالقرب مني
أخذت أتصفح واتخير بين الفندق والآخر حتى وقعت عيناي عل جينيريتور
إنه هو
إنه هو نفس النزل (الهوستل) الذي نزلناه أنا وياسر في هامبورغ
إممم..
هل أنزل فيه؟
لا أخفيكم القول، كان السؤال من باب الترفيه عن النفس، وجوابه غالباً كان لن يتخطى النفي
ولكن أيضاً من باب ماذا سأخسر كما واجهني به ابني من قبل
قلت سأذهب وأشاهد النزل فقط للعلم بالشيء، وأنا في الأصل اتجول في شوارع كوبنهاجن، فليكن هذا أيضاً ضمن تجولي
حين وصلت، أخذت أتجول في النزل، في ردهاته وصالاته وأماكن الجلوس فيه
وإذا به قد فاق صاحبه في هامبورغ حجماً وجمالاً
لقد كان مكتظاً بالنزلاء من جميع الفئات
كان يحتوي العديد من الأنشطة والألعاب الرياضية
حقيقة وبدون تردد توجهت لموظف الاستقبال وطلبت مشاهدة الغرف والتي هي أيضاً تفوقت في حجمها وجمالها
عندها حجزت سريراً أرضياً وقد كانت تكلفته على ما أظن التسعة عشر يورو
عدت إلى السيارة وأخذت سجادتي وما يلزم من لبس وخلافه
صليت المغرب والعشاء، ثم عدت إلى بهو النزل
كان هناك صالتي طعام، تناولت في إحداهن طعام العشاء متجاذباً أطراف الحديث مع من هم حولي
هنا، الجميع وعلى مختلف مشاربهم يتحلون بنوع من الحميمية والتي تمكنهم من مشاركة بعضهم البعض الحديث واللعب وإلى ما سوى ذلك من الانشطة
هذا، إضافة إلى السعر، هما السببان الرئيسيين اللذين يرغبان المسافرين لاختيار مثل هذه النزل
قضيت معظم الوقت اتنقل من نشاط إلى آخر، مشاهد تارة ومشارك تارة أخرى
ما لفت انتباهي وجود صالة لا بأس بحجمها مغطاة بالرمل الناعم يلعب بها بالحجر والكرات الصغيرة التي تقذف
كان مجموعة كبيرة من الناس أصغرهم قد تخطى الأربعين من عمره يلعبون هنا
كان هناك شيء من الحماس
راقبتهم لبضع دقائق وتحدثت مع بعضهم ولكني لم أفهم اللعبة
مهما كانت ميولك وهواياتك، فلن يخيب ظنك هنا في أن تجد من يشاركك فيها
دارت هنا كل أطياف الحديث
الفنون بأنواعها، السياسة، الاقتصاد، الرياضة، السياحة، إلى ما غير ذلك حتى الطبخ كان له نصيب وافر
كانت الساعة قد قاربت الحادية عشر مساءً حين كنت أشاطر مجموعة من النزلاء الحديث، حيث بادر أحدهم برغبته بزيارة حي كرستيانيا في كوبنهاجن
وبدأ يشجعنا على ذلك بقوله إن لهذا الحي تاريخه، وأنه يعتبر بمثابة مدينة داخل مدينة
اقتنعنا بالفكرة وانضم إلينا آخرون كذلك
مررت بسيارتي وأخذت منها كامرتي وانطلقنا
نظر أحدهم إلى كامرتي نظرة استهجان لم أفهمها في حينها
بعد مضي ثلث الساعة وكنا قد اقتربنا من ذاك الحي، خاطبني قائلاً:
ألا تخاف على الكاميرا
ولم؟
الا تعلم أن التصوير في ذلك الحي ممنوع؟
لا، لا أعلم!
سمعت انهم يحطمون الكاميرات هناك
ماذا؟
أنظر إن كان بإمكانك إخفائها
أخفي ماذا (وقد كانت الكاميرا نيكون د810 والعدسة المصاحبة لها 70-200)
اممم…
دعنا نصل أولاً، وسنرى، فإن كان ما قلت فسوف أعود
عند مدخل الحي كان هناك محل صغير الذي بادرت البائع فيه بالسؤال عن صحة ما سمعت عن الكاميرا
وبدوره أكد لنا الخبر ولكنه طمأنني بأنه لن يقع لي مكروه إن لم أصور وإن حافظت على الكاميرا بجانبي ولم ارفعها كمن يريد أن يصور
بعد ذلك المحل انعطفنا يميناً وإذا نحن بمدخل الحي وكأننا نعبر نقطة تفتيش
كانت هناك إضاءات كاشفة وكان الشارع خالياً إلا من شخص كأنه كان متسكعاً هناك، ولكن الحقيقة أن عيناه كانت كعيني الصقر التي ترقب كل من دخل أو خرج
نظر إليً ذاك الرجل نظرة ثاقبة ثم حولها فجأة إلى كامرتي
انتابني شيء من الخوف حينها ولكني دثرته بتصرف السائح اللامبالي والمنبهر بما يرى من حوله
لم يكن المكان مكتظاً بالناس ولعل السبب هو الوقت المتأخر الذي أتينا فيه
بعد تلك الإضاءات كان المكان خافت الإضاءة أينما ذهبنا
كانت النظرات لا تفارقنا أبدا
الحي بدا لي طبيعياً من حيث المنازل والبنايات والتي يعتري بعضها القدم
لفت انتباهنا وجود بعض الخيم الصغيرة على الطرقات
اختلست النظر إلى بعضها وكانت المفاجئة
فهؤلاء يتعاطون المخدرات مستخدمين الإبر، وهؤلاء في وضع حميمي ماجن، وغيرهم يدخنون ما أظنه الحشيش
لم يكن الحي بما فيه من ساكنين وبنايات وشوارع ومتاجر إلا وكراً لتجار وعصابات المخدرات
هم يسيطرون تماماً على الحي على الرغم من كل الأساليب التي اتبعتها الحكومة الدنماركية
هو فعلا مدينة داخل مدينة، ويبقى وصمة عار على تلك الحكومة
انتهينا من التجول في ذلك الحي وعدنا أدراجنا إلى النزل وقد بلغ بنا التعب مبلغه
وكان نوماً هنيئا